منتديات طلاب جامعة الإمام الأوزاعي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى خاص لمتخرجي وطلاب جامعة الإمام الأوزاعي , ومنبرٌ للتعبير عن أرائهم , وصالةٌ للتعارف فيما بينهم

انتباه لكل الأعضاء : يجب بعد التسجيل الرجوع إلى بريدك وإيميلك للتفعيل , فبغير التفعيل من الإيميل لا تستطيع الدخول لمنتداك وإذا كان بريدك الهوتميل أو الياهو فقد تجد الرسالة بالبريد المزعج             نعتذر عن أي اعلان في أعلى وأسفل الصفحة الرئيسية فلا علاقة لنا به               يُرجى من جميع الأعضاء المشاركة والتفاعل في هذا المنتدى لأنه يُعد بحق مكانا للدعوة والإرشاد                شارك ولو بموضوع ينفعك في دراستك وفي دنياك وفي أخراك                 كوّن أصدقائك في كليتك وفي سنتك وليكن المنتدى هو بيتك الثاني وليكن الطلاب هم أصدقائك وإخوتك              استفد ... وساعد ... واكتب ... وارتق بنفسك وبمن حولك فقد صار لك مجال للتعبير والتبيين والدعوة             لا تخف من الخطأ في الكتابة .. بيّن بحرية مطلقة وجرأة طالب العلم واعلم بأن هناك من يقرأ لك وسيوجهوك للصواب                   لا تكن عالة وضعيف الهمة .. فالانترنت أصبح اليوم من ضروريات الحياة والعلم ..              هيا نحن بانتظار مشاركاتك ولو بالإسبوع مقالا وموضوعا أو ردا على مساهمة .             

الصفحة الرسمية للجامعة على الفيس بوك

المواضيع الأخيرة

» مين بساعدني
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالجمعة أبريل 28, 2023 12:51 pm من طرف ALASFOOR

» اقتراحات ونقاشات
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالخميس أغسطس 06, 2015 12:58 am من طرف Ranin habra

» أسئلة امتحانات للسنوات 2012 وما بعد
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالخميس يوليو 30, 2015 2:17 pm من طرف محمد أحمد الحاج قاسم

» أسئلة سنوات سابقة
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالجمعة يوليو 03, 2015 6:20 pm من طرف مهاجرة سورية

»  النظم السياسية
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالأربعاء يونيو 24, 2015 5:33 pm من طرف مهاجرة سورية

» اسئلة الدورات
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالأربعاء مايو 27, 2015 7:17 pm من طرف بلقيس

» السؤال عن برنامج الامتحانات لسنة 2015
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالثلاثاء مايو 19, 2015 3:41 am من طرف Abu anas

» يتبع موضوع المسلمون بين تغيير المنكر وبين الصراع على السلطة
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالإثنين مايو 04, 2015 5:01 pm من طرف حسن

» المسلمون بين تغيير المنكر والصراع على السلطة
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالأحد مايو 03, 2015 1:42 pm من طرف حسن

» ما هو المطلوب و المقرر للغة العربية 2
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 21, 2015 7:47 am من طرف أم البراء

» طلب عاجل : مذكرة الاسلام والغرب ( نحن خارج سوريا)
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالسبت مارس 14, 2015 3:50 pm من طرف feras odah

» مساعدة بالمكتبة الاسلامية
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالخميس فبراير 26, 2015 2:32 pm من طرف ام الحسن

» هنا تجدون أسئلة الدورات السابقة لمادة الجهاد الإسلامي
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالجمعة فبراير 20, 2015 8:55 pm من طرف راما جديد

» للسنة الثالثه __اصول الفقه الأسلامي3 )) رقم 2
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالخميس فبراير 12, 2015 1:16 am من طرف Amir Antap

» محركات مواقع البحث عن الكتب والرسائل الجامعية
درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  I_icon_minitimeالأحد فبراير 08, 2015 11:20 pm من طرف Amir Antap

هااااااااااااام لجميع الأعضاء

 

الرجاء من جميع الأعضاء
كتابة كل موضوع بقسمه المحدد وشكرا

3 مشترك

    درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم

    الهيثمي البكور
    الهيثمي البكور
    عضو\ ذهبي \ بارك الله فيه
    عضو\ ذهبي \ بارك الله فيه


    نقاط : 5903
    تاريخ التسجيل : 02/08/2010

    درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  Empty درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم

    مُساهمة من طرف الهيثمي البكور السبت أغسطس 14, 2010 9:32 am


    فـــــوائــــد

    قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده . وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات و الإِرادات . فإذا كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة ، لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع ، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع ، لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه ، إلا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل . وكذلك الجوارح إذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة إلا إذا فرغها من ضدها . فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته ، والشوق إليه ، والأنس به ، لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلقه بغيره . ولا حركة اللسان بذكره ، والجوارح بخدمته إلا إذا فرغها من ذكر غيره وخدمته . فإذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق ، والعلوم التي لا تنفع ، لم يبق فيها موضع للشغل بالله ومعرفة أسمائه وصفاته وأحكامه . وسرُّ ذلك : أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن ، فإذا صغى إلى غير حديث الله ، لم يبق فيه إصغاء ، ولا فهم لحديثه ، كما إذا مال إلى غير محبة الله ، لم يبق فيه ميل إلى محبته ، فإذا نطق القلب بغير ذكره ، لم يبق فيه محل للنطق بذكره كاللسان . تـــنــبــيـه
    الدنيا من أولها إلى أخرها لا تساوي غم ساعة ، فكيف بغم العمر ؟
    محبوب اليوم يعقبه المكروه غداً ، ومكروه اليوم يعقبه المحبوب غداً .
    أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها .
    كيف يكون عاقلاً من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة ؟
    يخرج العارف من الدنيا ولم يقضِ وطره من شيئين : بكاؤه على نفسه ، وثناؤه على ربه .
    المخلوق إذا خِفْتَهُ استوحشت من وهربت منه ، والرب تعالى إذا خفته أنِسْتَ به وقَرُبتَ إليه .
    لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبار أهل الكتاب ، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين .
    دافع الخطرة ، فإن لم تفعل صارت فكرة ، فدافع الفكرة ، فإن لم تفعل صارت شهوة . فحاربها ، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمَّة ، فإن لم تدافعها صارت فعلاً ، فإن لم تتداركه بضدِّه صار عادة فيصعب عليك الانتقال عنها .
    التقوى ثلاث مراتب :
    إحداها : حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات .
    الثانية : حميتها عن المكروهات .
    الثالثة : الحمية عن الفضول وما لا يعني .
    فالأولى تعطي العبد حياته ، والثانية تفيده صحته وقوته ، والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته.
    لمَّا طلب آدم الخلود في الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منها ، ولمَّا طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا لبث فيه يضع سنين .
    قلة التوفيق ، وفساد الرأي ، وخفاء الحق ، وفساد القلب ، وخمول الذكر ، وإضاعة الوقت ، ونفرة الخلق ، والوحشة بين العبد وبين ربه ، ومنع إجابة الدعاء ، وقسوة القلب ، ومحق البركة في الرزق والعمر ، وحرمان العلم ، ولباس الذلّ ، وإهانة العدوّ ، وضيق الصدر ، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت ، وطول الهم والغم ، وضنك المعيشة ، وكسف البال … تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله ، كما يتولد الزرعُ عن الماء ، والإحراق عن النار . وأضداد هذه تتولد عن الطاعة .
    الذنوب جراحات ، وربَّ جرح ٍ وقع في مقتل .
    لو خرج عقلك من سلطان هواك ، عادت الدولة له .
    دخلت دار الهوى فقامرت بعمرك .
    إذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم أنها مُسَعَّر حرب ، فاستتر منها بحجاب {{ قل للمؤمنين … }} ( النور : 30 ) فقد سلمت من الأثر وكفى الله المؤمنين القتال .
    تزخرفت الشهوات لأعين الطباع ، فغضَّ عنها الذين يؤمنون بالغيب ، ووقع تابعوها في بيداء الحسرات ، فـ {{ أولئك على هدىً من ربِّهمْ وأولئك هم المفلحون }} ( البقرة : 5 ) ، وهؤلاء يقال لهم {{ كلوا وتمتعوا قليلا ً إنكم مجرمون }} ( المرسلات : 46 ) . لما عرف الموفقون قدر الحياة الدنيا وقلة المقام فيها ، أماتوا فيها الهوى طلباً لحياة الأبد ، ولما استيقظوا من نوم الغفلة ، استرجعوا بالجد ما انتهبه العدو منهم زمن البطالة ، فلما طالت عليهم الطريق ، تلمحوا المقصد ، فقَّرب عليهم البعيد ، وكلما أمرَّت لهم الحياة ، حلي لهم تذكر {{ هذا يومكم الذي كنتم توعدون }} ( الأنبياء : 103 ) .
    من أعجب الأشياء أن تعرفه ، ثم لا تحبه ، وأن تسمع داعيه ، ثم تتأخر عن الإجابة . وأن تعرف قدر الربح في معاملته ، ثم تعامل غيره . وأن تعرف قدر غضبه ، ثم تتعرض له . وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ، ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته . وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه ، والإنابة إليه .
    وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه ، وأنك أحوج شيء إليه ، وأنت عنه معرض ، وفيما يبعدك عنه راغب .
    ما أخذ العبد ما حرم عليه إلا من جهتين : إحداهما : سوء ظنه بربه ، وأنه لو أطاعه وآثره لم يعطه خيراً منه حلالاً . والثانية : أن يكون عالماً بذلك ، وأن من ترك لله شيئاً أعاضه خيراً منه ، ولكن تغلب شهوته صبره ، وهواه عقله . فالأول من ضعف علمه ، والثاني من ضعف عقله وبصيرته .
    لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها ، وخداع الأمل لأربابه ، وتملك الشيطان قياد النفوس ، ورأوا الدولة للنفس الأمارة ، لجأوا إلى حصن التضرع ولالتجاء ، كما يأوي العبد المذعور إلى حرم سيده .
    كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه ، وولد لا يعذره ، وجار لا يأمنه ، وصاحب لا ينصحه ، وشريك لا ينصفه ، وعدو لا ينام عن معاداته ، ونفس أمارة بالسوء ، ودنيا متزينة ، وهوى مردٍ ، وشهوة غالبة له ، وغضب قاهر ، وشيطان مزين ، وضعف مستولٍ عليه . فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها ، وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة . اقشعرت الأرض ، وأظلمت السماء ، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة ، وذهبت البركات ، وقلت الخيرات ، وهزلت الوحوش ، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة ، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة ، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح . وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه ، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه . فاعزلوا عن طريق هذا السيل بتوبة نصوح مادامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح . وكأنكم بالباب وقد أغلق ، وبالرهن وقد غلق وبالجناح وقد علق {{ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }} ( الشعراء : 227 ) .
    اشتر نفسك اليوم ، فإن السوق قائمة ، والثمن موجود ، والبضائع رخيصة ، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير {{ … ذلك يوم التغابن }} ( التغابن : 9 ) {{ يوم يعض الظالم على يديه }} ( الفرقان : 27 ) .
    من تلمح حلاوة العافية هانت عليه مرارة الصبر .
    إنما تفاوت القوم بالهمم لا بالصور .
    بينك وبين الفائزين جبل الهوى ، نزلوا بين يديه ونزلت خلفه ، فاطوِ فضل منزل ، تلحق بالقوم .
    إذا خرجت من عدوك لفظة سفهٍ ، فلا تلحقها بمثلها تلقحها ، ونسل الخصام نسل مذموم.
    حميتك لنفسك أثر الجهل بها ، فلو عرفتها حق معرفتها أعنت الخصم عليها .
    *********************** التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه : فأما أعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها {{ فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون }} ( العنكبوت : 65 ) . وأما أولياؤه فينجيهم من كربات الدنيا والآخرة . ولما فزع إليه يونس ، فنجاه الله من تلك الظلمات . وفزع إليه أتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة . ولما فزع إليه فرعون ، عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق ، لم ينفعه ، لأن الإيمان عند المعاينة لا يقبل . هذه سنة الله في عباده . فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد . ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه بالتوحيد . فلا يلقي في الكرب العظام إلا الشرك ولا ينجي منها إلا التوحيد ، فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها . وبالله التوفيق .
    فائدة
    اللذة تابعة للمحبة ، تقوى بقوتها وتضعف بضعفها ، فكلما كانت الرغبة في المحبوب والشوق إليه أقوى كانت اللذة بالوصول إليه أتم . والمحبة والشوق تابع لمعرفته والعلم به ، فكلما كان العلم به أتم كانت محبته أكمل ، فإذا رجع كمال النعيم في الآخرة وكمال اللذة إلى العلم والحب ، فمن كان يؤمن بالله وأسمائه وصفاته ودينه أعرف ، كان له أحب ، وكانت لذته بالوصول إليه ومجاورته والنظر إلى وجهه وسماع كلامه أتم . وكل لذة ونعيم وسرور وبهجة بالإضافة إلى ذلك كقطرة في بحر ، فكيف يؤثر من له عقل لذةً ضعيفةً قصيرة مشوبة بالآلام على لذة عظيمة دائمة الآباد ؟! وكمال العبد بحسب هاتين القوتين : العلم والحب ، وأفضل العلم العلم بالله ، وأعلى الحب الحب له ، وأكمل اللذة بحسبهما . والله المستعان .
    قاعدة 24
    طالب الله والدار الآخرة لا يستقيم له سيره وطلبه إلا بحبسين حبس قلبه في طلبه ومطلوبه ، وحبسه عن الالتفات إلى غيره . وحبس لسانه عما لا يفيد ، وحبسه على ذكر الله وما يزيد في إيمانه ومعرفته . وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات ، وحبسها على الواجبات والمندوبات ، فلا يفارق الحبس حتى يلقى ربه فيخلصه من السجن إلى أوسع فضاء وأطيبه . ومتى لم يصبر على هذين الحبسين وفر منهما إلى فضاء الشهوات أعقبه ذلك الحبس الفظيع عند خروجه من الدنيا ، فكل خارج من الدنيا إما متخلص من الحبس وإما ذاهب إلى الحبس . وبالله التوفيق .
    فائدة جليلة
    جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق ، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه ، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه . فتقوى الله توجب له محبة الله ، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته .
    الطريق إلى الله خال من أهل الشك ومن الذين يتبعون الشهوات ، وهو معمور بأهل اليقين والصبر ، وهم على الطريق كالأعلام {{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون }} ( السجدة : 24 )) . فهكذا الرب سبحانه لا يمنع عبده المؤمن شيئاً من الدنيا إلا ويؤتيه أفضل منه وأنفع له . وليس ذلك لغير المؤمن . فإنه يمنعه الحظ الأدنى الخسيس ، ولا يرضى له به ليعطيه الحظ الأعلى النفيس .والعبد لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه ، لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما أدخر له . بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئاً ، وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان علياً . ولو أنصف العبد ربه ، وأنى له بذلك ، لعلم أن فضله عليه فيما منعه من الدنيا ولذاتها ونعيمها أعظم من فضله عليه فيما آتاه من ذلك ، فيما منعه إلا ليعطيه ، ولا ابتلاه إلا ليعافيه ، ولا امتحنه إلا ليصافيه ، ولا أماته إلا ليحيه ، ولا أخرجه إلى هذه الدار إلا ليتأهب منها للقدوم عليه وليسلك الطريق الموصلة إليه .
    فـــ {{ جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شكورا }} ( الإسراء : 99 ) . والله المستعان .
    من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس ، ومن عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه .
    دخل الناس النار من ثلاثة أبواب :
    باب شبهة أورثت شكاً في دين الله .
    وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته .
    وباب غضب أورثت العدوان على خلقه .
    فائدة30
    قال تعالى : {{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا }} ( العنكبوت : 29 ) . علّق سبحانه الهداية بالجهاد ، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً ، وأفرض الجهاد جهاد النفس ، وجهاد الهوى ، وجهاد الشيطان ، وجهاد الدنيا . فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته ، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد .
    يا مغروراً بالأماني : لُعن إبليس وأهبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أُمر بها ، وأخرج آدم من الجنة بلقمة تناولها ، وحجب القاتل عنها بعد أن رآها عياناً بملء كفٍ من دم ، وأمر بقتل الزاني أشنع القتلات بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحل ، وأمر بإيساع الظهر سياطاً بكلمة قذف أو بقطرة من مسكر ، وأبان عضواً من أعضائك بثلاث دراهم فلا تأمنه أن يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيه {{ ولا يخاف عقباها }} ( الشمس : 15 ) . دخلت امرأة النار في هرة . وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ، وإن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة ، فإذا كان عند الموت جار في الوصية فيختم له بسوء عمله فيدخل النار .
    كيف الفلاح بين إيمان ناقص ، وأمل زائد ، ومرض لا طبيب له ولا عائد ، وهوىً مستيقظٍ ، وعقل راقدٍ ، ساهياً في غمرته ، عمها في سكرته ، سابحاً في لجة جهله ، مستوحشاً من ربه ، مستأنساً بخلقه ، ذكر الناس فاكهته وقوته ، وذكر الله حبسه وموته ، لله منه جزء يسير من ظاهره ، وقلبه ويقينه لغيره .
    يالها بصيرة عمياء ، جزعت من صبر ساعة ، واحتملت ذل الأبد . سافرت ف طلب الدنيا وهي عنها زائلة ، وقعدت عن السفر إلى الآخرة وهي إليها راحلة .
    إذا رأيت الرجل يشتري الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير ، فاعلم بأنه سفيه .
    إطلاق البصر ينقش في القلب صورة المنظور ، والقلب كعبة ، والمعبود لا يرضى بمزاحمة الأصنام .
    لذات الدنيا كسوداء وقد غلبت عليك ، والحور العين يعجبن من سوء اختيارك عليهن ، غير أن زوبعة الهوى إذا ثارت سفت في عين البصيرة فخفيت الجادة .
    سبحان الله ، تزينت الجنة للخطاب فجدوا في تحصيل المهر ، وتعرف رب العزة إلى المحبين بأسمائه وصفاته فعملوا على اللقاء وأنت مشغول بالجيف .
    إحذر نفسك ، فما أصابك بلاء قط إلا منها ، ولا تهادنها فوالله ما أكرمها من لم يهنها ، ولا أعزها من لم يذلها ، ولا جبرها من لم يكسرها ، ولا أراحها من لم يتعبها ، ولا أمنها من لم يخوفها ، ولا فرّحها من لم يحزنها .
    يدخل عليك لص الهوى وأنت في زاوية التعبد فلا يرى منك طرداً له ، فلا يزال بك حتى يخرجك من المسجد .
    أصدق في الطلب وقد جاءتك المعونة .
    فائدة جليلة
    إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها ، وحمل عنه كل ما أهمه ، وفرغ قلبه لمحبته ، ولسانه لذكره ، وجوارحه لطاعته . وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها و أنكادها ! ووكله إلى نفسه ، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق ، ولسانه عن ذكره بذكرهم ، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم ، فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره ، كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره . فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلي بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته . قال تعالى {{ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين }} ( الزخرف : 36 ) .
    قال الله تعالى : {{ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون }} ( الأنفال : 24 ) . فتضمنت هذه الآية أموراً ، أحدها : أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله ، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له ، وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات . فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهراً وباطناً . فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا ، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان . ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة ، فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة ، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول صلى الله عليه وسلم .
    من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته
    إذا غذي القلب بالتذكر ، وسقي بالتفكر ، ونقي من الدغل ( الفساد ) رأى العجائب وألهم الحكمة .
    خراب القلب من الأمن والغفلة ، وعمارته من الخشية والذكر .
    الإخلاص هو ما لا يعلمه ملك فيكتبه ولا عدو فيفسده ولا يعجب به صاحبه فيبطله .
    فائدة جليلة
    إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله . أما من تركها صادقاً مخلصاً من قلبه لله فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة ليمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب ، فإن صبر على تلك المشقة قليلاً استحالت لذة . قال ابن سيرين :سمعت شريحاً يحلف بالله ما ترك عبد الله شياً فوجد فقده . وقولهم (( من ترك لله شيئاً عوضه خيراً منه )) حق ، والعوض أنواع مختلفة ، وأجل ما يعوض به الأنس بالله ومحبته ، وطمأنينة القلب به ، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى . نصيحة
    هلم إلى الدخول على الله ومجاورته في دار السلام بلا نصب ولا تعب ولا عناء بل من أقرب الطرق وأسهلها وذلك أنك في وقت بين وقتين ، وهو في الحقيقة عمرك ، وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل ، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار ،وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ، ولا معاناة عمل شاق ، إنما هو عمل قلب ، وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب ، وامتناعك تر وراحة ليس هو عملاً بالجوارح يشق عليك معاناته ، وإنما هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك وسرك ، فما مضى تصلحه بالتوبة ، وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية ، وليس للجوارح في هذين نصب ولا تعب ، ولكن الشأن في عمرك وهو وقتك الذي بين الوقتين ن فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك ، وإن حفظته مع إصلاح الوقتين الذين قبله وبعده بما ذكر نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم . وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده ، فإن حفظته تلزم نفسك بما هو أولى بها وأنفع لها وأعظم تحصيلاً لسعادتها . وفي هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت ، فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك ، إما إلى الجنة وإما إلى النار ، فإن اتخذت إليها سبيلاً إلى ربك بلغت السعادة العظمى ، والفوز الأكبر في هذه المدة اليسيرة التي لا نسبة لها إلى الأبد ، وإن آثرت الشهوات والراحات ، اللهو والعب ، انقضت عنك بسرعة ، وأعقبتك الألم العظيم الدائم الذي مقاساته ومعاناته أشق وأصعب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله ، والصبر على طاعته ، ومخالفة الهوى لأجله .
    علامة صحة الإرادة أن يكون هم المريد رضا ربه واستعداده للقائه ، وحزنه على وقت مر في غير مرضاته ، وأسفه على قربه والأنس به وجماع ذلك أن يصبح ويمسي وليس له هم غيره .
    إذا استغنى الناس بالدنيا فاستعن أنت بالله ، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله ، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله ، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله ، وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة .
    وأفضل الزهد إخفاء الزهد ، وأصعبه الزهد في الحظوظ . والفرق بينه وبين الورع أن الزهد ترك مالا ينفع في الآخرة ، والورع ترك ما يخشى ضرره في الآخرة . والقلب المعلق بالشهوات لا يصح له زهد ولا ورع .
    الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ، فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة ، وإما تقطع لذة أكمل منها ، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة ، وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه ، وإما أن تذهب ملاً بقاؤه خير له من ذهابه ، وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامه خير من وضعه ، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة ، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك ، وإما أن تجلب هماً وغماً وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة ، وإما أن تشمت عدواً وتحزن ولياً ، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة ، وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول ، فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق .
    ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبنهاره إذا الناس مفطرون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون ، وببكائه إذا الناس يضحكون ، وبصمته إذا الناس يخوضون ، وبخشوعه إذا الناس يختالون . وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكياً محزوناً حكيماً حليماً سكيناً ، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافياً ولا غافلاً ولا سخاباً ولا صياحاً ولا حديداً .
    إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها .
    اطلب قلبك في ثلاثة مواطن : عند سماع القرآن ، وفي مجال الذكر ، وفي أوقات الخلوة . فإن لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب ، فإنه لا قلب لك .
    لذة كل أحد على حسب قدره وهمّته وشرف نفسه ، فأشرف الناس نفساً وأعلاهم همة وأرفعهم قدراً من لذته في معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه والتودد إليه بما يحبه و يرضاه . فلذته في إقباله عليه وعكوف همته عليه ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله ، حتى تنتهي إلى من لذته في أخس الأشياء من القاذورات والفواحش في كل شيء من الكلام والفِعال والأشغال . فلو عرض عليه ما يلتذ به الأول لم تسمح نفسه بقبوله ولا التفتت إليه وربما تألمت من ذلك ، كما أن الأول إذا عرض عليه ما يلتذ به هذا لم تسمح نفسه به ولم تلتفت إليه ونفرت نفسه منه .
    وأكمل الناس لذة من جمع له بين لذة القلب والروح ولذة البدن ، فهو يتناول لذاته المباحة على وجه لا ينقص حظه من الدار الآخرة ولا يقطع عليه لذة المعرفة والمحبة والأنس بربه فهذا ممن قال تعالى فيه : {{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}} (لأعراف:32) . وأبخسهم حظاً من تناولها على وجه يحول بينه وبين لذات الآخرة ، فيكون ممن يقال لهم يوم استيفاء اللذات : {{ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}} (الاحقاف: من الآية20) . فهؤلاء تمتعوا بالطيبات ، وأولئك تمتعوا بالطيباب ، وافترقوا في وجه التمتع ، فأولئك تمتعوا بها على الوجه الذي أذن لهم فيه ، فجمع لهم بين لذة الدنيا والآخرة ، وهؤلاء تمتعوا بها على الوجه الذي دعاهم إليه الهوى والشهوة ، وسواء أذن لهم فيه أم لا ، فانقطعت عنهم لذة الدنيا وفاتتهم لذة الآخرة ، فلا لذة الدنيا دامت ولا لذة الآخرة حصلت لهم .
    فمن أحب اللذة ودوامها والعيش الطيب فليجعل لذة الدنيا موصلاً له إلى لذة الآخرة ، بان يستعين بها على فراغ قلبه لله [ في ] إرادته وعبادته ، فيتناولها بحكم الاستعانة والقوة على طلبه لا بحكم مجرد الشهوة والهوى ، وإن كان ممن زويت عنه لذات الدنيا وطيباتها فليجعل ما نقص منها زيادة في لذة الآخرة ، ويجم نفسه هاهنا بالترك ليستوفها كاملة هناك . فطيبات الدنيا ولذاتها نعم العون لمن صح طلبه لله والدار الآخرة وكانت همه لما هناك ، وبئس القاطع لمن كانت هي مقصوده وهمته ، وحولها يدندن ، وفواتها في الدنيا نعم العون لطالب الله والدار الآخرة ، وبئس القاطع النازع من الله والدار الآخرة . فمن أخذ منافع الدنيا على وجه لا ينقص حظه من الآخرة ظفر بهما جميعاً وإلا خسرهما جميعاً .
    *******************
    سبحان الله رب العالمين . لو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي إلا إقامة المروءة وصون العرض وحفظ الجاه وصيانة المال الذي جعله الله قواماً لمصالح الدنيا والآخرة ، ومحبة الخلق وجواز القول بينهم وصلاح المعاش وراحة البدن وقوة القلب وطيب النفس ونعيم القلب وانشراح الصدر ، والأمن من مخاوف الفسّاق والفجّار ، وقلة الهم والغم والحزن ، وعزُّ النفس عن احتمال الذلّ ، وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية ، وحصول المخرج له مما ضاق على الفسّاق والفجار ، وتيسير الرزق عليه من حيث لا يحتسب ، وتيسير ما عسر على أرباب الفسوق والمعاصي ، وتسهيل الطاعات عليه ، وتيسير العلم والثناء الحسن في الناس ، وكثرة الدعاء له ، والحلاوة التي يكتسبها وجهه ، والمهابة التي تلقى له في قلوب الناس ، وانتصارهم وحميتهم له إذا أوذي وظلم ، وذبُّهم عن عرضه إذا اغتابه مغتاب ، وسرعة إجابة دعائه ، وزوال الوحشة التي بينه وبين الله ، وقرب الملائكة منه ، وبعد شياطين الإنس والجن منه ، وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه ، وخطبتهم لمودته وصحبته ، وعدم خوفه من الموت ، بل يفرح به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيره إليه ، وصغر الدنيا في قلبه ، وكبر الآخرة عنده ، وحرصه على المُلك الكبير ، والفوز العظيم فيها ، وذوق حلاوة الطاعة ، ووجد حلاوة الإيمان ، ودعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة له ، وفرح الكاتبين به ودعاؤهم له في كل وقت ، والزيادة في عقله وفهمه وإيمانه ومعرفته ، وحصول محبة الله له وإقباله عليه ، وفرحه بتوبته ، وهكذا يجازيه بفرح وسرور لا نسبه له إلى فرحه وسروره بالمعصية بوجه من الوجوه . فهذه بعض آثار ترك المعاصي في الدنيا . فإذا مات تلقته الملائكة بالبشرى من ربه بالجنة ، وبأنه لا خوف عليه ولا حزن ، وينتقل من سجن الدنيا وضيقها إلى روضة من رياض الجنة ينعم فيها إلى يوم القيامة . فإذا كان يوم القيامة كان الناس في الحر والعرق ، وهو في ظل العرش . فإذا انصرفوا من بين يدي الله أخذ به ذات اليمين مع أوليائه المتقين وحزبه المفلحين . و {{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }} (الحديد: من الآية21) . من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه ورحمته . وكلما زيد في عمله زيد خوفه وحذره . وكلما زيد في ماله زيد سخائه وبذله . وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم .
    وعلامات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه زيد في كبره وتيهه ، وكلما زيد في عمله زيد فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه ، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد كبره وتيهه . وهذه الأمور ابتلاء من الله وامتحان يبتلي بها عباده فيسعد بها أقوام ويشقى بها أقوام .
    وكذلك الكرامات امتحان وابتلاء ، كالملك والسلطان والمال . قال تعالى عن نبيه سليمان لما رأى عرش بلقيس عنده : {{ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ }}(النمل: من الآية40)
    فالنعم ابتلاء من الله وامتحان يظهر بها شكر الشكور وكفر الكفور . كما أن المحن بلوى منه سبحانه ، فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي بالمصائب ، قال تعالى : {{ فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ }} (الفجر:15-16) أي ليس كل من وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك إكراماً مني له ، ولا كل من ضيقت عليه رزقه وابتليته يكون ذلك إهانة مني له .
    السنة شجرة ، والشهور فروعها ، والأيام أغصانها ، والساعات أوراقها ، والأنفاس ثمرها . فمن كانت أنفاسه في طاعة ، فثمرة شجرته طيبة ، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل . وإنما يكون الجذاذ يوم المعاد ، فعند الجذاذ يتبين حلو الثمار من مرها .
    والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب ن وفروعها الأعمال ، وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم في المقيم في الآخرة . وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك .
    والشرك والكذب والرياء شجرة في القلب ، ثمرها في الدنيا والخوف والهم والغم وضيق الصدر وظلمة القلب ، وثمرها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم وقد ذكر الله هاتين الشجرتين في سورة إبراهيم .
    من الآفات الخفية العامة أن يكون العبد في نعمة أنعم الله بها عليه واختارها له ، فيملها العبد ويطلب الانتقال منها إلى ما يزعم لجهله أنه خير له منها ، وربه برحمته لا يخرجه من تلك النعمة ، ويعذره بجهله وسوء اختياره لنفسه ، حتى إذا ضاق ذرعاً بتلك النعمة وسخطها و تبرم بها واستحكم ملله لها سلبه الله إياها . فإذا انتقل إلى ما طلبه ورأى التفاوت بين ما كان فيه وما صار إليه ، اشتد قلقه وندمه وطلب العودة إلى ما كان فيه ، فإذا أراد الله بعبده خيراً ورشداً أشهده أن ما هو فيه نعمة من نعمه عليه ورضاه به ، وأوزعه شكره عليه ، فإذا حدثته نفسه بالانتقال عنه ، استخار ربه استخارة جاهلٍ بمصلحته عاجز عنها ، مفوض إلى الله طالب منه حسن اختياره له .
    وليس على العبد أضر من ملله لنعم الله ، فإنه لا يراها نعمة ، ولا يشكره عليها ، ولا يفرح بها ، بل يسخطها ، ويشكوها ويعدها مصيبة .
    اللذة المحَّرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها ، مثمرة للألم بعد انقضائها ، فإذا اشتدت الداعية منك إليها ، ففكر في انقطاعها ، وبقاء قبحها وألمها ، ثم وازن بين الأمرين ، وانظر ما بينهما من التفاوت . والتعب بالطاعة ممزوجة بالحسن ، مثمر للذة والراحة ، فإذا ثقلت على النفس ، ففكر في انقطاع تعبها ، وبقاء حسنها ولذتها وسرورها ، ووازن بين الأمرين ، وآثر الراجح على المرجوح ، فإن تألمت بالسبب ، فانظر إلى ما في المسبب من الفرحة والسرور واللذة ، يهن عليك مقاساته ، وإن تألمت بترك اللذة المحرمة ، فانظر إلى الألم الذي يعقبه ، ووازن بين الألمين . وخاصية العقل تحصيل أعظم المنفعتين بتفويت أدناهما واحتمال أصغر الألمين لدفع أعلاهما . وهذا يحتاج إلى علم بالأسباب ومقتضياتها ، وإلى عقل يختار به الأولى والأنفع له منها ، فمن وفر قسمه من العقل والعلم اختار الأفضل وآثره ، ومن نقص حظُّه منهما أو من أحدهما اختار خلافه ، ومن فكر في الدنيا والآخرة علم أنه لا ينال واحداً منهما إلا بمشقة ، فليتحمل المشقة لخيرهما وأبقاهما .
    لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمر ، وله عليه فيه نهي ، وله فيه نعمة ، وله به منفعة ولذة . فإن قام لله في ذلك العضو بأمره ، واجتنب فيه نهيه ، فقد أدى شكر نعمته عليه فيه ، وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به ، وإن عطل أمر الله ونهيه فيه ، عطله الله من انتفاعه بذلك العضو ، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته . وله عليه في كل وقت من أوقاته عبودية تقدمه إليه ، وتقربه منه ، فإن شغل وقته بعبودية الوقت ، تقدم إلى ربه ، وإن شغله بهوى أو راحة وبطالة تأخر ، فالعبد لا يزال في تقدم أو تأخر ، ولا وقوف في الطريق البتة .
    قال تعالى :{{ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}} (المدثر:37)
    للعبد بين يدي الله موقفان : موقف بين يديه في الصلاة ، وموقف بين يديه يوم لقائه . فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الآخر ، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه ، شدد عليه ذلك الموقف . قال تعالى : {{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً }} (الإنسان:26،27)
    اللذة من حيث هي مطلوبة للإنسان ولكل حي ، فلا تذم من جهة كونها لذة ، وإنما تذم ويكون تركها خيراً من نيلها وأنفع إذا تضمنت فوات لذة أعظم منها وأكمل ، أو أعقبت ألماً حصوله اعظم من ألم فواتها . فها هنا يظهر الفرق بين العاقل الفطن والأحمق الجاهل . فمتى عرف العقل التفاوت بين اللذتين لتحصيل أعلاها ، واحتمال أيسر الألمين لدفع أعلاهما .
    وإذا تقررت هذه القاعدة فلذة الآخرة أعظم وأدوم ن ولذة الدنيا أصغر وأقصر ، وكذلك ألم الآخرة وألم الدنيا . والمعول في ذلك على الإيمان واليقين ، فإذا قوي اليقين وباشر القلب ، آثر الأعلى على الأدنى في جانب اللذة ، وأحتمل الألم الأسهل على الأصعب ، والله المستعان .



    عدل سابقا من قبل هيثم71 في السبت سبتمبر 25, 2010 12:33 am عدل 1 مرات
    طالب كردي
    طالب كردي
    عضو\ ذهبي \ بارك الله فيه
    عضو\ ذهبي \ بارك الله فيه


    الهاتف دوليا : 0
    الكلية : دراسات اسلامية
    طالب أو ضيف : طالب
    السنة الدراسية : خريج
    الجنس : ذكر العمر : 43
    نقاط : 6716
    تاريخ التسجيل : 03/12/2008

    درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  Empty رد: درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم

    مُساهمة من طرف طالب كردي الثلاثاء أغسطس 17, 2010 4:18 am

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخي الكريم والله لم أستطيع أن أقرأ الموضوع لصغر الخط أرجو تعديله بخط أكبر لتتم الفائدة ولكم جزيل الشكر
    تقبل مروري
    جمعة محمد لهيب
    جمعة محمد لهيب
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الهاتف دوليا : 96176920998
    الكلية : ماجستير دراسات اسلامية
    طالب أو ضيف : مدير المنتدى
    السنة الدراسية : ماجستير
    الجنس : ذكر العمر : 38
    نقاط : 8683
    تاريخ التسجيل : 24/02/2008

    درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم  Empty رد: درر نفيسة من الفوائد من كتاب الفوائد لابن القيم

    مُساهمة من طرف جمعة محمد لهيب السبت أكتوبر 23, 2010 1:08 am

    إن لكلام أهل العلم لهالة ..

    اللهم ارحم ابن القيم .. وانفع بعلمه المسلمين .

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 7:10 pm