الكاراتيه والديمقراطية والإسلام !!

تعقيبا على ما يجري من دعوات رفض الديمقراطية بسبب انقلاب مصر ..
((((( الكاراتيه والديمقراطية والإسلام ))))))))))
بقلم : جمعة محمد لهيب
عضو الهيئة العامة للعلماء المسلمين في سورية
7\7\2013م.
........................................
حمد لك ربي وصلاة وسلاما على معلم الناس الخير وبعد :
منذ نعومة أظفاري وضعني والدي بناد رياضي في معرة النعمان لأتعلم فن الكاراتيه , وترقيت حتى حصلت على الحزام الأسود واحد دان من مدرسة شوتوكان وصرت مدربا في معرة النعمان , ولا أنسى أبدا شكر أساتذتي ( وليد حفيان و عدنان الداي ومدربهما الدولي : عمر سرّاج من حماة ).
سأعتذر عن الإطالة لهذا المقال للضرورة وإن كنت حاولت الإختصار فيه قدر الإمكان .

# ما هي الكاراتيه :
تقول الأبحاث التاريخية كما يذكر الأستاذ سعيد صايغ العلوان ان هذه اللعبة نشأت في الهند منذ خمسة آلاف سنة تقريبا، عندما بدأ أحد الأغنياء هنالك ، وكان مهرجا هنديا، بدأ يفكر بطريقة للدفاع عن النفس مميزة عن الأساليب المعروفة حيث لا يستخدم فيها الإنسان سوى وسائل طبيعية وهبته إياها الطبيعة . فقام بمراقبة الحيوانات ، وملاحظة استخدامها لأعضائها في الدفاع عن نفسها أو عند مهاجمة أعدائها فركز بشكل أساسي على مراقبة النمر، وهو يفترس طريدته ، وعلى الطيور الجارحة عندما تنقض على فرائسها، وشدد مراقبته على حركات الأرجل والأجنحة أثناء هذه ا لعمليات
بعد ذلك انتقل هذا الفن من الهند إلى الصين بواسطة (بوذي ضارما) رجل الدين الهندي وذلك في القرن الرابع الميلادي . وفي الصين تطورت هذه اللعبة وتعددت فنونها وطرق ممارستها، كما أصبح لها أسماء عديدة- تمارس بها .
راح هذا الراهب يلقن الصينيين دروسا في السيطرة على العقل ، ويدربهم على تمارين قاسية جمعت بين التنفس العميق والتأمل واستخدام قبضة اليد في صد الأشرار والمجرمين

وظهر عام 1917 اسم جديد في عالم هذا الفن (فوناكوشي جيش ) الياباني ، والذي نشأ في جزر أوكيناوا وقد بدأ بممارسة هذا الفن وهو في الحادية عشرة سنة .
نقل هذا الفتى الشجاع فن الكاراتيه إلى اليابان عام 1915، وعمل على تطويره ونشره ، وإعطائه النفحة اليابانية وفي العام 1937 أطلق (فوناكوشي) ومعاونوه على هذا الفن اسم الكاراتيه بالمصطلحات اليابانية ومدراس المشهور منها أربع:
(الكيوكشن): وهي إحدى الاساليب الأكثر عنفا في الكاراتيه والمشهورة في اليابان اسسها السنسي اوياما
(الشوتوكان): وهي إحدى أكثر اساليب للكاراتيه شيوعا في العالم اسسها المعلم فوناكشى جيشين
(جوجو ريو): وهو أسلوب عنيف نوعا ما يمتاز بلوى مفاصل الجسم اسسه شوجين مياج
(وادو ريو): وهو أسلوب شهير في اليابان ويمتاز بانه انحدر من الفن اليابانى جوجيستو طوره كينوا ماينونى.
وللكاراتيه أصول وآداب ونظام لا بد من التقيد فيه بدء من اللباس مرورا بالتحية والتدريب وانتهاء بالأخلاق الرياضية مابعد التدريب ..
بل إن التقيد بلبس الحزام لكل مرحلة أمر يكاد يكون مقدسا لا يجوز اهماله .

# الديمقراطية :
يذكر أستاذ الفلسفة السياسية الحاقد على الفكر السياسي الإسلامي (نويل مبيض) بكتابه : ( ألف باء الديمقراطية ) أن الديمقراطية هي : "نظام سياسي واجتماعي حيث الشعب هو مصدر السيادة والسلطة، فهو يحكم نفسه عن طريق ممثلين عنه".
ويذكر خصائصها فيقول :
" يمكن تلخيص خصائص النظام الديمقراطي بالنقاط التالية:
1.ينتخب الشعب ممثليه عن طريق انتخابات عامة
2.تمارس الأغلبية المنتخبة الحكم، هذه الأغلبية الصادرة عن فئات الشعب المختلفة هي سياسية بالتعريف وليست عرقية أو إثنية أو دينية.
3.تصان حقوق المعارضة
4. تصان الحريات العامة للمجتمع، منها حرية التعبير وحرية العقيدة وحرية الاجتماع وحرية الصحافة
5. وجود دولة القانون التي تحترم وتضمن حقوق المواطنين والمساواة بينهم
6. الحد من اعتباطية سلطة الحاكم عن طريق مؤسسات دائمة وآليات للدفاع عن المواطنين
7. ضمان عدم الجمع بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية
8. ترسيخ مبدأ الدستورية. أي أن السلطات والمواطنين يحترمون الدستور ويرجعون إلى القضاء لحل الخلافات .
تعلن هذه الخصائص في دستور ديمقراطي يعتبر بمثابة تعاقد بين المواطنين. تتم مناقشته بشكل علني وبحرية كاملة مع شروحات كافية، ويتم إقراره من قبل جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب، ويعرض نص الدستور عليه في استفتاء عام".
ويضيف الكاتب :
"الديمقراطية ليست في إشراك المواطنين في الانتخابات فقط ، ولكن أيضا في سهرهم على مراقبة النظام السياسي، في استجوابه ومساءلته. الديمقراطية تعمل في الحركات والمنظمات الاجتماعية كما تعمل في التنظيمات الانتخابية. الانتخابات لا تعطي للمنتخَب صلاحيات غير مشروطة.
المواطنون في المجتمعات الديمقراطية تود النقاش والحوار، وعلى السلطات المتعددة مهما كانت، أن تشرح أسباب خياراتها وتقدم حسابات عن أعمالها لهم بكل شفّافية.
تعمل الديمقراطية بشكل أفضل عندما تكون نوعية الحياة العامة سليمة، عندما تكون النقاشات العامة جيدة، عندما يعلو مستوى الحجج والبراهين، عندما يساهم المواطنون ويلتزمون بشكل منتظم في مسؤولياتهم السياسية.
في ظل وعي الجماهير، على الأحزاب السياسية التصنت لها والأخذ بالأفكار النيّرة الصادرة عنها لتلاحم أكبر بين الشعب وقياداته السياسية" .

# العلاقة مع الإسلام :
لا بد بداية أن نفهم أمرا ضروريا , وهو أن الإسلام ليس دينا فقط , بل هو عقيدة وشريعة , مصحف وسيف , دين ودولة , فيه من الأحكام والتشريعات التي تستغرق كل صغيرة وكبيرة بالحياة , يُفصِلُ حينا , ويُجمل أحيانا كثيرة , ويُحد لبعض الأمور حدودا , بينما يبين كامل البيان في بعض الأحايين , فتراه يدعو المسلم لتكون حاكمية حياته لله , أي ألا يخالف هدي ربه الذي آمن به ربا وبقرآنه كتابا مقدسا ولا يعتقد بغير ذلك ..
وتراه يدعو المسلمين ليتوحدوا ضمن هيئة سياسية ودولة اقليمية تنفذ أحكامه واقعا لأنه لا حياة للإسلام بغير دولة تحرسه وتطبق أحكامه ..
كما لا بد أن نفهم أن الإسلام لم يتكلم بكل ذرات الحياة كبيرها وصغيرها , إنما بما يجعل حياة البشر سعيدة وبما يحفظ للأمة الإسلامية خصيصتها الفكرية والحياتية والسياسية , ولهذا لا يمانع الإسلام من استيعاب أي فكرة نظرية كانت أو عملية بل يستغرقها وينظمها وينظر لها بعين المستفيد لا بعين الممتص بغير فهم , أو بعين مغمضة منكرة لكل جديد, ولا يرى حرجا من أخذ الحكمة من كل أحد , بل يُعلي الإسلام من شأن المسلمين ( الذبن يستمعون القول فيتبعون أحسنه )
يدعو للتفكير الدقيق وللرقي بالأمة ويربط الفرد بمجتمعه ( من لا يهتم لأمر المسلمين فليس منا ) ..
فحينما لا يرى المسيحي مثلا بغضاضة أن يعيش بدستور وقانون يحترم عباداته وعقيدته ويعطيه حريته الدينيه ومن ثم لا يسمح له أن يُدخل الكنسية بالسياسة لأنه لا تشريعات سياسية أو اقتصادية ذكرها الإنجيل أو التوراة كما تفرع بها القرآن والسنة .. يرفض المسلم كل تشريع يخالف هدي ما يعتقده بدولته , مع أنه ممكن أن يعيش بدولة غير دولته محترما لقوانينهم ولو خالفت دينه .
ومن هنا ..
لو تعرضنا للكاراتيه كدين أو أيدلوجيا مقدسة لرفضناها رفضا قاطعا , ولكن هذه ستكون سذاجة واضحة ألا نستفيد من الكاراتيه في حياتنا , ولا عبرة بقول قائل الكاراتيه أيدلوجيا ودين يجب أن نلتزم بالشريعة وليس بالكاراتيه وهي كفر وحرام ) ؟!.
حين إذِ يكون هذا الشعار هزيلا وغير منطقي البتة , كما من غير المنطقي أن نرفض الكارتيه لنقول أن البديل كتاب الله وسنة رسول الله !؟.
كيف يكون ذلك ؟
الإسلام لم يتدخل بفن الرياضة وتحريك الجسد ولا تخصص بالتكلم عن القتال وكيفيته وفن الدفاع عن النفس , بل حدّ حدودا تجعل للإنسان كرامة وللمسلم خصوصية جميلة , فمثلا :
التحية بالكارتيه تكون بضم اليدين والقدمين والإنحتاء بالجذع والرأس ونطق كلمة (أوس) , كنا نرفض كما علمنا مدربنا (عمر السراج) أن نركع , فلا ركوع إلا لله , وكم كانت تسبب هذه القضية جدلا في أروقة المباريات الدولية ولكن الإصرار على أن نغير هذه التحية برفع رؤوس الأصابع مع رفع الرأس للأعلى قليلا جعلها مقبولة ولو كرها لدى المؤسسين واليابانيين .
اللباس بالكاراتيه جميل ومؤدب ورقراق ولكن الفتيات لا تضطر لنزع الحجاب أبدا , وفرضنا قبول الحجاب كشعب مسلم بالمحافل الرياضية .
لم تضايقنا أبدا القوانين التي تعارض ثقافتنا , بل استطعنا التأقلم معها وأخذ روح الكاراتيه وبل الإضافة عليها فكان لنا أبطال على مستوى العالم كرأفت كراد وغيره , بل إن مصر تُعد الرائدة بفن الكاراتيه على مستوى العالم .

دعونا نقيس الديمقراطية على الكارتيه ..
كلتا المنظومتين تُعد فكرا مستقلا أو أيدلوجيا لعلها لا تبلغ لمرتبة القداسة ولكنها فكر له أصوله وضوابطه .
كلتا المنظومتين أمر حياتي مستحدث أضاف على البشرية خيرا وثروة فكرية وتهذيبية وبشرية لا ننكرها ..
لهذا لن نسمح لكي تكون الديمقراطية دينا أو فكرا فوق ديننا , ولن نمرر أي أمر يخالف عقيدتنا , ولكن يجب أن نستفيد منها لأنها تجربة فكرية سياسية واجتماعية واقتصادية مهمة ..
لا شك أن القول بأن الشريعة خير من الديمقراطية كلام ساذج , فالإسلام حاكم على كل شيء وليس منتج ولا مقدم لتفاصيل ولا لأي أمر سياسي أو اقتصادي إلا ببعض الأمور الدقيقة كالحاكمية لله وككون رئاسة الأمة لرجل مسلم ..
نستطيع أن نستفيد دائما من أي منظومة رياضية أو فكرية أو سياسية مهما كانت ونهذبها بحسب ثقاتنا فنضيف هنا ونحذف هناك , ولهذا قال علامتنا القرضاوي بكتابه (فقه الدولة في الإسلام) أن روح الديمقراطية لا يخالف الإسلام بل هو ما يدعو له الشارع من كون السلطة برضا الناس وألا كرامة لمستبد و...
ولهذا يقول جميع دعاة الديمقراطية أن البديل عنها نقيضها أي النظام الديكتاتوري الشمولي والسلطوي، علمانيا كان أو دينيا، الذي يملي على الناس في كافة أنشطتهم نوع التفكير والسلوك. هذا النظام يدوم بدوام أصحابه وسلالتهم من عشيرة أو ملّة أو طائفة أو فئة...
لهذا واجب على المفكرين والعلماء المسلمين أن يستفيدوا من أي تقدم بشري أيا كان ويُقدموا هم رؤيتهم أيضا للحياة من خلال حرية التفكير والتعبير والكتابة للمفكرين وللعلماء حتى يعود ابن سينا وابن رشد والرازي وابن تيمية والفارابي من جديد .
للحديث بقية ..