الايمان بالقضاء والقدر
الحمد لله نحمده تمام الحمد كما يحب ربنا و يرضى، و نستعينه و نستهديه و نستغفره و نتوب إليه, و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. أوصيكم و أوصي نفسي المقصرة بتقوى الله العظيم و احثكم على طاعته و أحذركم وبال عصيانه ومخالفة امره، فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يغفر الذنوب ويستر العيوب ويمن على من يشاء من عباده بالهداية اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولامضلين سلماً لأوليائك نحب بحبك من أحبك ونعادي بعداوتك من عاداك وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله أرسله الله بالهدى ودين الحق نشهد أنه بلغ الرسالة و أدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. ورضي الله عن ساداتنا الكرام أبي بكر و عمر و عثمان و علي و عن باقي العشرة المبشرين بالجنه وعن الآل و الأصحاب و الأزواج و القرابة و عن التابعين و تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين واعلموا رحمكم الله أن اصدق الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .. ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
يقول تعالى في كتابه الكريم وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]، ستة أصول ينبغي لكل مؤمنٍ ومؤمنةٍ الإيمان بها والإقرار بمضمونها، إيمانًا لا خلل فيه، وإقرارًا لا نقص فيه، لخصها رسول الله حينما جاءه جبريل عليه السلام في صورة أعرابيٍ غريبٍ فسأله عن الإيمان فقال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)). فالقضاء والقدر عِلْمُ الله تعالى الأزَلِيُّ بكل ما أراد إيجاده من العوالم والخلائق والأحداث والأشياء، وتقدير ذلك الخلق وكتابته في الذكر الذي هو اللوح المحفوظ كما هو حين قضى بوجوده في كميته وكيفيته وصفته وزمانه ومكانه وأسبابه ومقدماته ونتائجه بحيث لا يتأخر شيء من ذلك عن وقته وزمانه الذي يوجد فيه الشيء، ولا يتقدم عما حُدِّد له من زمان، ولا يتبدل في كميته بزيادة أو نقصان، ولا يتغير في هيئة ولا صفة بحال من الأحوال إلا أن يشاء الله ذلك التبديل والتغيير، و الإيمان بالقضاء والقدر زلت فيه أقدام، وضلت فيه أفهام، وتحيرت فيه عقول، تنازع الناس في القدر منذ زمنٍ بعيدٍ حتى في زمن النبوة، كان الناس يتنازعون ويتمارون فيه، ولقد روي أن الرسول خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فنهاهم عن ذلك، وأخبرهم أنه ما أهلك من قبلهم إلا تنازعهم فيه.
ولا يزال الناس إلى هذا اليوم يتجادلون فيه، ولكن الله هدى عباده وفتح على المؤمنين من السلف الصالح بالعدل فيما علموا وما قالوا؛ لأن الحق فيه واضح لا مراء فيه.
ايها الاخوة، الإيمان بالقدر جزء من أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، فيندرج تحت توحيد الربوبية الإيمانُ بقدر الله، ولهذا قال الإمام أحمد: "القدر قدرة الله". ولا بد لكل مؤمنٍ بالقضاء والقدر الإقرار بأربعة أمورٍ هي معنى القضاء والقدر، من أقر بها فقد استكمل إيمانه بهذا الركن ولا عليه بعد ذلك من تفاصيل دعت إليها مجادلة أهل الباطل.
أول هذه الأمور: العلم بأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علمًا، فيؤمن الإنسان إيمانًا جازمًا لا شك فيه بأن الله بكل شيءٍ عليمٍ، وأنه يعلم ما في السموات والأرض جملةً وتفصيلاً، سواء كان ذلك من فعله أو من فعل مخلوقاته، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما مضى وما هو حاضر الآن وما هو مستقبل، إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16]، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة:283]، من أنكر هذا الأمر فقد كفر؛ لأنه ليس ضد العلم إلا الجهل، ومن قال: إن الله جاهل فقد دخل في أمرٍ لا خلاص له منه. وإذا أقر الإنسان بهذا الأمر وثاني هذه الامور ان يعلم بعد ذلك أن كل شيءٍ من أمور الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم القيامة مكتوب في اللوح المحفوظ عند الله سبحانه، يقول : ((إن أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى القلم في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة))، يقول الله سبحانه: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70]، فكل شيءٍ معلوم عند الله، وهو مكتوب عنده في كتاب.
ولما سئل عما نعمله: أشيء قد مضى منه وفرغ؟ قال: ((إنه قد مضى وفرغ منه))، وقال له الصحابة: أفلا نتّكل على الكتاب المكتوب وندع العمل؟ فقال: ((اعملوا فكل ميسّر لما خلق له))، وتلا قوله سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]، رواه البخاري ومسلم. وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة)).
وإذا أقر المرء بهذا فان ثالث الأمور ليعلم أن كل ما في هذا الكون فهو تحت مشيئة الله، فلا يكون شيء إلا إذا شاءه الله سبحانه، سواء من فعله أو من فعل مخلوقاته، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، ويقول سبحانه: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:137]، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253]، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ [النساء:90]. وأما آخر الأمور الأربعة التي من أقر بها فقد استكمل الإيمان بالقضاء والقدر فهو أن يقر بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62]. فالله عز وجل هو الخالق وما سواه مخلوق، ما من موجودٍ في السماوات والأرض إلا والله خالقه، حتى الموت خلقه الله تبارك وتعالى، يقول سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2]. فإذا علم المؤمن ذلك فليعلم أن خلقه أحكم خلقٍ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2]، هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [لقمان:11]. الإيمان بالقضاء والقدر شريعة جاء بها جميع الأنبياء والمرسلين، فإبراهيم يقول لقومه: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، وموسى لما جادله فرعون قائلا: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:51، 52]، ونوح لما خاطب ابنه كي ينجو من الغرق قال الابن: سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ [هود:43]، ولما تعجب زكريا كيف يأتيه الولد وهو طاعن في السن قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [آل عمران:40]، ومريم البتول تقول: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:47]. اللهم اجعلنا ممن ييسَّرون لعمل أهل السعادة، اللهم اكتب لنا في هذه الدنيا وفي الآخرة. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات و الذكر، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله نحمده تمام الحمد كما يحب ربنا و يرضى، و نستعينه و نستهديه و نستغفره و نتوب إليه, و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. أوصيكم و أوصي نفسي المقصرة بتقوى الله العظيم و احثكم على طاعته و أحذركم وبال عصيانه ومخالفة امره، فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يغفر الذنوب ويستر العيوب ويمن على من يشاء من عباده بالهداية اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولامضلين سلماً لأوليائك نحب بحبك من أحبك ونعادي بعداوتك من عاداك وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله أرسله الله بالهدى ودين الحق نشهد أنه بلغ الرسالة و أدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. ورضي الله عن ساداتنا الكرام أبي بكر و عمر و عثمان و علي و عن باقي العشرة المبشرين بالجنه وعن الآل و الأصحاب و الأزواج و القرابة و عن التابعين و تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين واعلموا رحمكم الله أن اصدق الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .. ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
يقول تعالى في كتابه الكريم وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]، ستة أصول ينبغي لكل مؤمنٍ ومؤمنةٍ الإيمان بها والإقرار بمضمونها، إيمانًا لا خلل فيه، وإقرارًا لا نقص فيه، لخصها رسول الله حينما جاءه جبريل عليه السلام في صورة أعرابيٍ غريبٍ فسأله عن الإيمان فقال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)). فالقضاء والقدر عِلْمُ الله تعالى الأزَلِيُّ بكل ما أراد إيجاده من العوالم والخلائق والأحداث والأشياء، وتقدير ذلك الخلق وكتابته في الذكر الذي هو اللوح المحفوظ كما هو حين قضى بوجوده في كميته وكيفيته وصفته وزمانه ومكانه وأسبابه ومقدماته ونتائجه بحيث لا يتأخر شيء من ذلك عن وقته وزمانه الذي يوجد فيه الشيء، ولا يتقدم عما حُدِّد له من زمان، ولا يتبدل في كميته بزيادة أو نقصان، ولا يتغير في هيئة ولا صفة بحال من الأحوال إلا أن يشاء الله ذلك التبديل والتغيير، و الإيمان بالقضاء والقدر زلت فيه أقدام، وضلت فيه أفهام، وتحيرت فيه عقول، تنازع الناس في القدر منذ زمنٍ بعيدٍ حتى في زمن النبوة، كان الناس يتنازعون ويتمارون فيه، ولقد روي أن الرسول خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فنهاهم عن ذلك، وأخبرهم أنه ما أهلك من قبلهم إلا تنازعهم فيه.
ولا يزال الناس إلى هذا اليوم يتجادلون فيه، ولكن الله هدى عباده وفتح على المؤمنين من السلف الصالح بالعدل فيما علموا وما قالوا؛ لأن الحق فيه واضح لا مراء فيه.
ايها الاخوة، الإيمان بالقدر جزء من أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، فيندرج تحت توحيد الربوبية الإيمانُ بقدر الله، ولهذا قال الإمام أحمد: "القدر قدرة الله". ولا بد لكل مؤمنٍ بالقضاء والقدر الإقرار بأربعة أمورٍ هي معنى القضاء والقدر، من أقر بها فقد استكمل إيمانه بهذا الركن ولا عليه بعد ذلك من تفاصيل دعت إليها مجادلة أهل الباطل.
أول هذه الأمور: العلم بأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علمًا، فيؤمن الإنسان إيمانًا جازمًا لا شك فيه بأن الله بكل شيءٍ عليمٍ، وأنه يعلم ما في السموات والأرض جملةً وتفصيلاً، سواء كان ذلك من فعله أو من فعل مخلوقاته، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما مضى وما هو حاضر الآن وما هو مستقبل، إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16]، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة:283]، من أنكر هذا الأمر فقد كفر؛ لأنه ليس ضد العلم إلا الجهل، ومن قال: إن الله جاهل فقد دخل في أمرٍ لا خلاص له منه. وإذا أقر الإنسان بهذا الأمر وثاني هذه الامور ان يعلم بعد ذلك أن كل شيءٍ من أمور الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم القيامة مكتوب في اللوح المحفوظ عند الله سبحانه، يقول : ((إن أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى القلم في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة))، يقول الله سبحانه: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70]، فكل شيءٍ معلوم عند الله، وهو مكتوب عنده في كتاب.
ولما سئل عما نعمله: أشيء قد مضى منه وفرغ؟ قال: ((إنه قد مضى وفرغ منه))، وقال له الصحابة: أفلا نتّكل على الكتاب المكتوب وندع العمل؟ فقال: ((اعملوا فكل ميسّر لما خلق له))، وتلا قوله سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]، رواه البخاري ومسلم. وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة)).
وإذا أقر المرء بهذا فان ثالث الأمور ليعلم أن كل ما في هذا الكون فهو تحت مشيئة الله، فلا يكون شيء إلا إذا شاءه الله سبحانه، سواء من فعله أو من فعل مخلوقاته، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، ويقول سبحانه: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:137]، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253]، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ [النساء:90]. وأما آخر الأمور الأربعة التي من أقر بها فقد استكمل الإيمان بالقضاء والقدر فهو أن يقر بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62]. فالله عز وجل هو الخالق وما سواه مخلوق، ما من موجودٍ في السماوات والأرض إلا والله خالقه، حتى الموت خلقه الله تبارك وتعالى، يقول سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2]. فإذا علم المؤمن ذلك فليعلم أن خلقه أحكم خلقٍ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2]، هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [لقمان:11]. الإيمان بالقضاء والقدر شريعة جاء بها جميع الأنبياء والمرسلين، فإبراهيم يقول لقومه: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، وموسى لما جادله فرعون قائلا: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:51، 52]، ونوح لما خاطب ابنه كي ينجو من الغرق قال الابن: سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ [هود:43]، ولما تعجب زكريا كيف يأتيه الولد وهو طاعن في السن قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [آل عمران:40]، ومريم البتول تقول: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:47]. اللهم اجعلنا ممن ييسَّرون لعمل أهل السعادة، اللهم اكتب لنا في هذه الدنيا وفي الآخرة. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات و الذكر، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الجمعة أبريل 28, 2023 12:51 pm من طرف ALASFOOR
» اقتراحات ونقاشات
الخميس أغسطس 06, 2015 12:58 am من طرف Ranin habra
» أسئلة امتحانات للسنوات 2012 وما بعد
الخميس يوليو 30, 2015 2:17 pm من طرف محمد أحمد الحاج قاسم
» أسئلة سنوات سابقة
الجمعة يوليو 03, 2015 6:20 pm من طرف مهاجرة سورية
» النظم السياسية
الأربعاء يونيو 24, 2015 5:33 pm من طرف مهاجرة سورية
» اسئلة الدورات
الأربعاء مايو 27, 2015 7:17 pm من طرف بلقيس
» السؤال عن برنامج الامتحانات لسنة 2015
الثلاثاء مايو 19, 2015 3:41 am من طرف Abu anas
» يتبع موضوع المسلمون بين تغيير المنكر وبين الصراع على السلطة
الإثنين مايو 04, 2015 5:01 pm من طرف حسن
» المسلمون بين تغيير المنكر والصراع على السلطة
الأحد مايو 03, 2015 1:42 pm من طرف حسن
» ما هو المطلوب و المقرر للغة العربية 2
الثلاثاء أبريل 21, 2015 7:47 am من طرف أم البراء
» طلب عاجل : مذكرة الاسلام والغرب ( نحن خارج سوريا)
السبت مارس 14, 2015 3:50 pm من طرف feras odah
» مساعدة بالمكتبة الاسلامية
الخميس فبراير 26, 2015 2:32 pm من طرف ام الحسن
» هنا تجدون أسئلة الدورات السابقة لمادة الجهاد الإسلامي
الجمعة فبراير 20, 2015 8:55 pm من طرف راما جديد
» للسنة الثالثه __اصول الفقه الأسلامي3 )) رقم 2
الخميس فبراير 12, 2015 1:16 am من طرف Amir Antap
» محركات مواقع البحث عن الكتب والرسائل الجامعية
الأحد فبراير 08, 2015 11:20 pm من طرف Amir Antap