رسالة للمنشدين وأصحاب الغناء الهادف

سم الله الرحمن الرحيم


تمهيد :

الحمد لله الرحمن , حمدا يوافي نعمته في إنزاله القرآن , وحمدا يكافئ مزيده في تعليم الإنسان روائع البيان .
وكنْ شاكراً للَّهِ في كلِّ نعمــةٍ *** يثبْكَ على النُّعمى جزيلَ المواهـبِ
وما المرءُ إِلا حيثُ يجعلُ نفسـَهِ *** فكنْ طالباً في الناسِ أعلى المراتبِ

وأفضل الصلاة وأتم والسلام على الرحمة المهداه والنعمة المسداه..
والنور المضيء من أوتي جوامع الكلم وكان في حديثه يقطر اللؤلؤ والمرجان ..
سيدنا وحبيبنا أبو القاسم محمد رسول الله - بأبي هو وأمي – صلاة وسلاما متلازمين ما بقي الليل والنهار , وتهاطلت من السحب الأمطار , وما غنى الشدّي من روائع الأشعار
يا سيدي يا رسول الله معــــــــذرة *** فلست أبغي نظير المدح إحسانا
وأنت أسمى على شعري ومقدرتي *** لمّا سموت بمدح الله قرآنــــــــا

وبعد أحبتي وطالبي قراءة صفحتي ...
فإن خير ما طلبه الطالبون , وسار عليه السائرون , وأحسن ما قاله القائلون...
\ الدعوة لرب الأرباب \ و \ العمل الصالح \ و \ الافتخار بالإسلام \ .. كما قرأتم بالقرآن وتعرفون , من قوله جل شأنه : (( ومن أحسن قولا )) .إلى قوله ..
(( المسلمين )) .. فبورك بالدعاة وأحسن بما يفعلون , ويا لقولهم وما ينتسبون . ولله درّ الشاعر القروي إذ يقول :
دَعْوَةُ الحُبِّ أولُ الدعواتِ *** أُعلنتْ من مآذنِ الســـماوا تِ
خَرَجَتْ من الرحمنِ فكانتْ ***آيةُ الخلقِ أعجبَ الآيــــاتِ
يا لها نبرةً تولدَ عـــنها *** كلَّ مافي الوجودِ من حـركاتِ
فتزوجْ وانعمْ ولدْ ثـم زوِّجْ *** واصنعِ الخالدين والخالــداتِ

ولا يخفاكم بأن الدعوة للعلام ,دعوة محبة وسلام , وطريقها الإعلام , وسلاحها الإفهام , وناصرها الإلهام.
لذا كان على المنغِّمين بالكلمات , والهاتفين على مسامع الناس بسلاسة الأصوات , ثِقل عظيم , وحمل جسيم , كيف لا .. وهم من أهل الدعوة صنعة الأنبياء , وطريق الأصفياء , وبعبارة أخرى .. هم الدالين على الله وسبيل الرضا والفوز بالجنات .
فليعلم أهل الإنشاد مكانهم , وليفقهوا رشدا لما هم عليه أمناء , وإلا تم من الجبار استبدالهم , فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا واجعلنا ممن رفعت الدرجات لهم .

واعلم أخي بأن الدعوة بابها مفتوح , وخير من الله لعباده , فكل في تخصصه يسوح . العالم بعلمه والطبيب بعيادته والمهندس بعمارته والتاجر بتجارته والصانع بصناعته والمنشد بإنشاده .. كلٌُُ زهور الخير, رائحة الدعوة لله منهم تفوح .

فبادر وجٌُّد العزم فإن تأثير الكلمة كقنبلة , فكيف إذا أكرمك الله بتجميل هذه الكلمة !
ولا بد هنا أن نفرق بين أمرين , ونحن نتكلم عن المنشدين الإسلاميين .

أولا : الفرق بين الإنشاد الحرام والإنشاد الحلال ... أو المحرم والمباح .
ثانيا : الفرق بين الإنشاد والغناء ..

فأما الإنشاد الحلال والمباح فهو كل إنشاد ارتفع بالروح والعاطفة ولم يتحلل ولم يغلو صاحبه , وأبان عن رونق الإسلام , وحذر من أخطاء الأقزام , وسيأتي تفصيل المجمل في ما سيأتي , فاصبر وبربك لا تنام .

وأما الإنشاد المحرم والحرام .. فكل ما يسف بعقل الأنام , ويكون منشده ذا تحلل وفصام , أو ذا غلو وتشدد كمن أراد أن يستر عطًسه وهو مصاب بالزكام , فغناؤه يخلل بنيان الروح من الأركان , ويهدد العاطفة بالإعدام , ويبتعد عن دعوة سيد الأنام , بمدح فلان وعلان – ولا بأس بالمدح ولكن ألا يكون مدار الكون على هذا الكلام .. فالدعوة واسعة – ولم يحذٍّر المسلمين من الخطأ فزل في الهاوية .. وما قام .

وأما الفرق بين الإنشاد والغناء فلغة – كما يقول المؤلفون – لا خلاف ولا اختلاف ..
فالشدو والتغني هو تلحين الكلام ..
أما اصطلاحا فكلٌ ارتضى لنفسه منهجا والتزام ..

وأرى – وأنا ضعيف البصر – ألا بأس بإطلاق لفظ الغناء على الإنشاد والعكس ..
لنسحب من أهل الأهواء اصطلاح العروبة .. فالغناء السليم بعيد عن المطربين والفنانين المعاصرين من راقصين وراقصات , بًعد النسب عن أهل العزوبة .
حيث أنّ الله أمرنا بالتغني بالقرآن بأمر رسوله العدنان \ تغنوا بالقرآن .. \ .

وهنا أستطرد قليلا في شأن الطرب .. فما روي عن أمنا عائشة من أنها نهت عنه وقالت للمطروب شيطان .. فسنده فيه من اضطرب ..
فأجمل بالطرب الجميل الذي يكون بمكارم الأخلاق وبكلمات رقراقة ولحن بديع ورحم الله حافظ إبراهيم إذ يقول :
إِني لتطربُني الخِلالُ كريمــةً * طربَ الغريبِ بأوبةٍ وتلاقِ
ويَهُزُّني ذكْرُ المروءةِ والـندى * بين الشمائلِ هزةَ المشـتاقِ

كما ليس من الصواب قول : \ الغناء الإسلامي \
فهذا ُموح بأن الغناء أنواع ..
والحق أن كل غناء التزم الحق واحترم العقل هو من الإسلام ..
وأما نعيق الناعقين , وهز الراقصين , وتبذل الفاسقين , فما له إلا اسم واحد \ البلاء \ - نعم - بلاء على الإنسانية والأديان , وبلاء على المسامع والآذان .
وكما قال الأصبهاني مجلّيا ما يفعله السفهاء والفاسقون ومن يطلق عليهم زورا
\ المغنون \ :
حكمُ الغناءِ تسمُّعٌ ومــدامُ *** ما للغناءِ مع الحَديثِ نظــامُ
لو أنني قاضٍ قضيْتُ قضيةً *** إِن الحديثَ مع الغِناءِ حـرام

فجملوا أصواتكم بالحق ... وتغنوا بالقرآن .
لذا سأستعمل لفظ \ الغناء \ بدل \ الإنشاد \ و \ المغنين \ بدل \ المنشدين \ لحفظ الغناء من الامتهان ..

والله أسأله السلامة , وأن أقوم بموضوعي هذا حسن الإقامة , فإن أفلحت فذا منّ الكريم , وإن أفدت فذا نتاج من علمني من أساتذتي التعليم , وأما إن كانت الأخرى , فمني ورب البيت تلكم العورة , فرحم الله من نظر فستر , وصحح وأبصر , وأرشد للخير وأنظر , وكما قال علمائنا : عرض بنات الصلب على الخطاب , أهون من عرض بنات الأفكار على أُلي الألباب .




*******************
***********
****




شروط الغناء


وتكون في ثلاثة :
1- الفاعل : وهو المنشد والمغني
2- الأداة : وهي الكلمات والموسيقى
3- الباعث : وهو النية والأهداف


أولا : في الفاعل – المغني –

اعلم حبيبي في الله بأن المغني يصحبه شروط , فإن تحققت بلغ غايته , وإن قصر بإحداها سقطت رايته , وعظمت بليته , وكثر خطأه ..

العلم

إن مما يشترط في المغني العلم ,وما أدراك ما العلم , هو سبب نهضتنا , وترٍكة نبينا , وصفة ربنا , فعلى من اعتلى منبر الكلام , أن يكون ذا معرفة بالأحكام , لا يشترط العلم الغزير بالجزئيات , بل أن يكون واعيا وفاهما بكل الدرجات ,
فيعلم الحلال والحرام , وأصول الفقه بلا خصام , وأهمها ترتيل القرآن , وتجويده كتجويد العدنان , وأن يلم بأحاديث وفيرة للنبي , ولا بأس بحفظ أحاديث مسلم والبخاري , وإن كانت الزيادة أفضل , وأن يحذر الوقوع في الكذب على رسول الله بأحاديث معتلة , إن بعلمه أو بالركون لأهل الخبرة والملة ,
وسبب تعلم أصول الفقه ألا يقدم مفضولا على فاضل , وأن يتعلم فقه الأولويات , فإن أكثر علم يعينه على ذلك بعد كتاب الله أصول الفقه .. وليس مطلوبا كتخصص العلماء , إذ يكفيه من العلم شربة من ماء .
وأما معرفة الحلال والحرام .. فحيث أنه محط الأنظار , عليه أن يعلم مواضع قدمه باستبصار , وليحذر من الفتيا , فلها أهلها المتخصصون والنُظّار.
وأما القرآن وتلاوته , فحتى يلتزم منهجه , ويصبغ لسانه بالعربية والتحسين في النطق .
وأما السنة , فلأجل أن تنار طريقه بهدي الرسول .
فالعلم العلم يا سادة , فبه تحصل الريادة , وناطق بغير علم كحاطب ليل لا يدري ما يحمل ..
علم العليم وعقل العاقل اختلفا *** من الذي منهما قد أحرز الشــــرفا
فالعلم قال أنا أحرزت غايــته *** والعقل قال أنا الرحمان بي عرفــا
فأفصح العلم إفصاحا وقال له *** بأينا الله في فرقانه اتصفـــــــــــــا
فبان للعقل أن العلم سيــــــــده *** فقبل العقل رأس العلم وانصرفـــا

فرسول الله على رفعة قدره , لم يطلب الزيادة في هذه الدنيا بشيء إلا من العلم مصداقا لقوله تعالى : (( وقل ربي زدني علما )) .
فافهم هذا فإنه عزيز .
فالعلم يدلك على الخير ويبين لك مواطن الخلل بالأمة فتتكلم فيها ..
ويا لأولئك المنشدين الذين يجهلون , فكم تركوا من جنات وعيون , تكلموا فيما لا ينفعهم , وتركوا ما يصلحهم , حسبوا أن الغناء كذكر الله الخاص .. فلحنوا الأذكار , وما عرفوا أن الإنشاد أو الغناء لأعظم من ذلك وأكبر ..
والذكر على ما عرفت نوعان :
1- ذكر باللسان والقلب .. ويكون بأذكار المصطفى وباستحضار هيبة الله
2- وكل عمل تقوم فيه وأنت تذكر الله فيه بأن يكون حلالا والابتعاد عنه حيث يكون حراما .
فالأول ذكر خاص . والثاني ذكر عام .. كما أبان أطباء القلوب

وكما قيل لبعض العلماء ما رأيك في من لحن الأذكار وهاج بها وثار, وثم ظن أنه يذكر الجبار .. قال أخشى أن يكونوا ممن قال الله فيهم بسورة الأعراف
((الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ {51)) .
فسبحان الله , والاستغفار و جميع الأذكار .. هي بين العبد وربه ليس من فائدة تلحينها ومن ثم .. ويا للأسف الرقص عليها من قبل الكبار والصغار ..
فرأيتُ وسمعتُ وما حُدثت .. كيف يغني المغني كلمات يوجب على سامعها الخشوع والسكينة ’’ خايف من النيران ’’ . أو أن يسمع بأدب ’’ الله جليل ’’ ثم ترى الراقصين من كل جيل ..
بل أكثر من ذلك حينما يأتي بعض الشباب الذين تعلموا على البلاء والسفاهة .. فيرقصون بمياعة ويهزون خصورهم كما الراقصات .. بشجاعة ..
لم لا فالليلة عرس صديقه .. كم تمنى لو استطاع أن يحضر من يسكرون , ويهتف مع من يهتفون , لكن بما أن الوضع ذلك , فلا بأس أن لا يغير المسالك .
فأتمنى من القائمين على الكلمة وتجميلها أن يستبينوا خطر ذلك .



العمل

أي أن تطبق النظريات التي أخذتها , واقعا عمليا
(( وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَة رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِها وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 25. البقرة )).

فالعلم غايته التطبيق , والعمل غايته رضا الله جل ذكره .
ويا للأسف من أناس حُسبوا على الدعوة لله يقولون ما لا يفعلون , ويحسبون أنهم على خير ألا ساء ما يعملون .
فالذي يدل الناس على الطريق وهو بعيد .. يكون كمن يخرج للناس ما عنده ولا ينتفع به لذا كان عقابه عند ربه أن تندلق أقتاب بطنه ومن ثم يدور عليها كما يدور حمار الرحى , اللهم ارحمنا ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ولا أكثر .

والأعمال قسمان :
1- الظاهري : وهو الصلاة والصيام والزكاة وحضور مجالس العلم والسمت الحسن والبعد عن مجالس الغافلين إلا للنصيحة .. فإنه أمر حسن .. إلخ.
2- القلبي : من إخلاص لله وخوف منه واحترام شعائره والبعد عن الرياء و...

فلينتبه لذلك من أراد الاشتغال بالدعوة والغناء فإنه قدوة ومحط أنظار الناس.








*******************
***********
****
ثانيا : الأداة : وتتألف من محورين \ الموسيقى . الكلمات \ .


المحور الأول :
الـموسيقى

لا بد وأن الخلاف في هذا المحور ناشئ عن خلاف أسيادنا العلماء , فهم منذ أن بزغت الآلات للعراء , منقسمين لجمهور ولبعض الحكماء
والحق أن الجمهور على غير التحَّلة , وأما ابن حزم وابن خلدون والمالكية وغيرهم من القدماء وكثير من المعاصرين فقالوا بالحلة .
ومدار خلافهم على فهم الدليل من القرآن والسنة , ألخصها لك لتحفظ حق علماء الأمة..
فقد قال ابن مسعود في تفسير آية من سورة لقمان :
((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيث لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ مُّهِينٌ {6} ))
فأقسم بالله أن لهو الحديث هو الغناء..وتناقلته كتب علمائنا وألسنة فقهائنا بالقبول .
لكن المجيزين قالوا بأن اللفظ عام , ويقصد به كل أمر للشر رام , فحتى القرآن بلسان المنافقين , يضل عن سبيل رب العالمين , كما رد الظاهريين والمعاصرين .
وللمحرمين من العقل حجة , وقد أبانوا عن تلكم المحجة , فقالوا لو جاء يوم القيامة الحق والباطل فأين مكان الغناء ..وأجابوا بوحدة اللهجة .. مع الباطل .
ولكن للمعاصرين رد حكيم , فقالوا مستدلين بكتاب رب العالمين , الغناء بمنطقة سماه الإمام القرضاوي – منطقة اللغو –
(( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم )) .

وأما السنة : فما رواه البخاري من أحاديث النبي , ومنها:
(( وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثنا عطية بن قيس الكلابي: حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر - أو أبو مالك - الأشعري، والله ما كَذَبَني:
سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليكوننَّ من أمتي أقوام، يستحلُّون الْحِرَ والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلنَّ أقوام إلى جنب عَلَم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيُبيِّتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة).
[ش (الحر) الفرج، وأصله الحرح، والمعنى أنهم يستحلون الزنا.
(المعازف) آلات اللهو.
(علم) جبل أو هو رأس الجبل.
(يروح عليهم) أي راعيهم.
(بسارحة) بغنم.
(فيبيتهم الله) يهلكهم في الليل.
(يضع العلم) يدك الجبل ويوقعه على رؤوسهم.
(يمسخ) يغير خلقتهم.
(قردة وخنازير) يحتمل أن يكون هذا على الحقيقة، ويقع في آخر الزمان، ويحتمل المجاز وهو تبدل أخلاقهم ونفوسهم ))

وللأسف فقد حاول الإمام العلم ابن حزم رد هذا الحديث .. وهذه سقطة منه وهو إمام بالحديث , وعالم بالصحيح من الخبيث , ولكنها زلة , فافهم العلة .

وهذا لمن أراد التلخيص وصعبت عليه اصطلاحات علمائنا ..
وأما من استطاع فك شيفراتهم , وفهم مصطلحاتهم , فليقرأ خلافهم ...
بحكم الغناء جملة والمعازف خاصة .. بنقل الإمام العلم الشوكاني من كاتبه النافع الماتع \ نيل الأوطار \ ما نصه :.
((وعن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أنه قال في قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال هو واللّه الغناء.
وأخرجه الحاكم والبيهقي وصححاه وأخرجه البيهقي أيضا عن ابن عباس بلفظ هو الغناء وأشباهه (وفي الباب) أيضا عن ابن مسعود عند أبي داود والبيهقي مرفوعا بلفظ "الغناء ينبت النفاق في القلب" وفيه شيخ لم يسم ورواه البيهقي موقوفا وأخرجه ابن عدي من حديث أبي هريرة وقال ابن طاهر أصح الأسانيد في ذلك أنه من قول إبراهيم.
وأخرج أبو يعقوب محمد ابن إسحاق النيسابوري من حديث أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من قعد إلى قين يسمع صب في أذنه الآنك" وأخرج أيضا من حديث ابن مسعود "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سمع رجل يتغنى من الليل فقال لا صلاة له لا صلاة له لا صلاة له" وأخرج أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم "قال أستماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر" وروى ابن غيلان عن علي "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال بعثت بكسر المزامير" وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم كسب المغني والمغنية حرام وكذا رواه الطبراني من حديث عمر مرفوعا عن القينة سحت وغناؤها حرام.
وأخرج القاسم بن سلام عن علي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن ضرب الدف والطبل وصوت المزمار (وفي الباب) أحاديث كثيرة وقد وضع جماعة من أهل العلم في ذلك مصنفات ولكنه ضعفها جميعا بعض أهل العلم حتى قال ابن حزم أنه لا يصح في الباب حديث أبدا وكل ما فيه فموضوع. وزعم أن حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري المذكور في أول الباب منقطع فيما بين البخاري وهشام وقد وافقه على تضعيف أحاديث الباب من سيأتي قريبا.
قال الحافظ في الفتح وأخطأ في ذلك يعني في دعوى الإنقطاع من وجوه والحديث الصحيح معروف الأتصال بشرط الصحيح والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر الحديث في موضع آخر من كتابه وأطال الكلام على ذلك بما يشفى )).

إلى أن قال رحمه الله :
(( وقد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها فذهب الجمهور إلى التحريم مستدلين بما سلف. وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية إلى الترخيص في السماع ولو مع العود واليراع وقد حكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع أن عبد اللّه بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأسا ويصوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه. وحكى الاستاذ المذكور مثل ذلك أيضا عن القاضي شريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري والشعبي.
وقال امام الحرمين في النهاية وابن أبي الدم نقل الإثبات المؤرخين ان عبد اللّه بن الزبير كان له جوار عوادات وإن ابن عمر دخل عليه والي جنيه عوج فقال ماهذا يا صاحب رسول اللّه فناوله أياه فتأمله ابن عمر فقال هذا ميزان شامي قال ابن الزبير يوزن به العقول.
وروى الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالته في السماع سنده إلى ابن سيرين قال أن رجلا أتى المدينة بجوار فنزل على عبد اللّه بن عمر وفيهن جارية تضرب فجاء رجل فساومه فلم يهو منهن شيئا قال انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعا من هذا قال من هو قال عبد اللّه بن جعفر فعرضهن عليه فأمر جارية منهن فقال لها خذي العود فأخذته فغنت فبايعه ثم جاء إلي ابن عمر إلى آخر القصة.
وروى صاحب العقد العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي أن عبد اللّه بن عمر دخل على أبي جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود ثم قال لابن عمر هل ترى بذلك بأسا قال لابأس بهذا وحكى الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاص أنهما سمعا العود عند ابن جعفر وروى أبو الفرج الأصبهاني أن حسان ابن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره. وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك والمزهر عند أهل اللغة العود وذكر الأدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاوس ونقله ابن قتيبة وصاحب الأمتاع عن قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين ونقله أبو يعلى الخليلي في الأرشاد عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة.
وحكى الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس أباحة الغناء بالمعازف وحكي الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورا في بيت المنهال ابن عمر والمحدث المشهور. وحكي أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود.
قال ابن النحوي في العمدة قال ابن طاهر هو إجماع أهل المدينة.
قال ابن طاهر وإليه ذهبت الظاهرية قاطبة قال الأدفوى لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلى إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم وحكى الماوردي أباحة العود عن بعض الشافعية وحكاه أبو الفضل ابن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي وحكاه الأسنوي في المهمات عن الروياني والماوردي ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر. وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وحكاه صاحب الأمتاع عن أبي بكر بن العربي وجزم بالأباحة الأدفوي هؤلاء جميعا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال الأدفوي في الأمتاع أن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الأتفاق على حله ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه ونقل التاج الفزاري وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه ونقل ابن طاهر وابن قتيبة أيضا إجماع أهل المدينة عليه وقال الماوردي لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيه بالعبادة والذكر قال ابن النحوي في العمدة وقد روى الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين فمن الصحابة عمر كما رواه ابن عبد البر وغيره
وعثمان كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي وعبد الرحمن بن عوف كما رواه ابن أبي شيبة وأبو عبيدة بن الجراح كما أخرجه البيهقي وسعد بن أبي وقاص كما أخرجه ابن قتيبة وأبو مسعود الأنصاري كما أخرجه البيهقي وبلال وعبد اللّه ابن الأرقم وأسامة بن زيد كما أخرجه البيهقي أيضا وحمزة كما في الصحيح وابن عمر كما أخرجه ابن طاهر والبراء بن مالك كما أخرجه أبو نعيم وعبد اللّه بن جعفر كما رواه ابن عبد البر.
وعبد اللّه بن الزبير كما نقله أبو طالب المكي وحسان كما رواه أبو الفرج الأصبهاني وعبد اللّه بن عمر وكما رواه الزبير بن بكار وقرظة بن كعب كما رواه ابن قتيبة وخوات بن جبير ورباح المعترف كما أخرجه صاحب الأغاني والمغيرة بن شعبة كما حكاه أبو طالب المكي وعمرو بن العاص كما حكاه الماوردي وعائشة والربيع كما في صحيح البخاري وغيره.
وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عمرو بن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد اللّه بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري.
وأما تابعوهم فخلق لا يحصون منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية انتهى كلام ابن النحوي واختلف هؤلاء المجوزون فمنهم من قال بكراهته ومنهم من قال باستحبابه قالوا لكونه يرق القلب ويهيج الأحزان والشوق إلى اللّه قال المجوزون أنه ليس في كتاب اللّه ولا في سنة رسوله ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات .
وأما المانعون من ذلك فاستدلوا بأدلة. منها حديث أبي مالك وأبي عامر المذكور في أول الباب وأجاب المجوزون بأجوبة. الأول ما قاله ابن حزم وقد تقدم وتقدم جوابه الثاني أن في إسناده صجقة بن خالد وقد حكى ابن الجنيد عن يحيى بن معين أنه ليس بشيء.
وروى المزي عن أحمد أنه ليس بمستقيم ويجاب عنه بأنه من رجال الصحيح. ثالثها أن الحديث مضطرب سندا ومتنا أما الأسناد فللتردد من الراوي في اسم الصحابي كما تقدم وأما متنا فلان في بعض الألفاظ يستحلون وفي بعضها بدونه وعند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ ليشربن أناس من أمتي الخمر.
وفي رواية الحر بمهملتين وفي أخرى بمعجمتين كما سلف ويجاب عن دعوى الاضطراب في السند بأنه قد رواه أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي مالك بغير شك ورواه أبو داود من حديث أبي عامر وأبي مالك وهي رواية ابن داسة عن أبي داود ورواية ابن حبان أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأسعريين فتبين بذلك أنه من روايتهما جميعا وأما الاضطراب في المتن فيجاب بأن مثل ذلك غير قادح في الاستدلال لأن الراوي قد يترك بعض ألفاظ الحديث تارة ويذكرها أخرى.
والرابع أن لفظة المعازف التي هي محل الاستدلال ليست عند أبي داود ويجاب بأنه قد ذكرها غيره وثبتت في الصحيح والزيادة من العدل مقبولة وأجاب المجوزون أيضا على الحديث المذكور من حيث دلالته فقالوا لانسلم دلالته على التحريم وأسندوا هذا المنع بوجوه أحدها أن لفظة يستحلون ليست نصا في التحريم فقد ذكر أبو بكر بن العربي لذلك معنيين أحدهما أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال الثاني أن يكون مجازا عن الأسترسال في استعمال تلك الأمور ويجاب بأن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب وأما دعوى التجوز فالأصل الحقيقة ولا ملجئ إلى الخروج عنها وثانيها أن المعازف مختلف في مدلولها كما سلف وإذا كان اللفظ محتملا لأن يكون للآلة ولغير الآلة لم ينتهض للاستدلال لأنه أما أن يكون مشتركا والراجح التوقف فيه أو حقيقة ومجازا ولا يتعين المعنى الحقيقي ويجاب بأنه يدل على تحريم استعمال ما صدق عليه الاسم والظاهر الحقيقة في الكل من المعاني المنصوص عليها من أهل اللغة وليس من قبيل المشترك لأن اللفظ لم يوضع لكل واحد على حدة بل وضع للجميع على أن الراجح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه مع عدم التضاد كما تقرر في
الأصول وثالثها أنه يحتمل أن تكون المعازف المنصوص على تحريمها هي المقترنة بشرب الخمر كما ثبت في رواية بلفظ "يشربن أناس من أمتي الخمر تروح عليهم القيان وتغدو عليهم المعازف" ويجاب بأن الأقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط والألزام أن الزنا المصرح به في الحديث لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله وأيضا يلزم في مثل قوله تعالى {أنه كان لا يؤمن باللّه العظيم ولا يحض على طعام المسكين} أنه لا يحرم عدم الإيمان باللّه إلا عند عدم الحض على طعام المسكين فإن قيل تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل أخر فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل أخر أيضا كما سلف علي أنه لا ملجئ إلى ذلك حتى يصار إليه ورابعها أن يكون المراد يستحلون مجموع الأمور المذكورة فلا يدل على تحريم واحد منها على الإنفراد وقد تقرر أن النهي عن الأمور المتعددة أو الوعيد على مجموعها لا يدل على تحريم كل فرد منها ويجاب عنه بما تقدم في الذي قبله واستدلوا ثانيا بالأحاديث المذكورة في الباب التي أوردها المصنف رحمه اللّه تعالى وأجاب عنها المجوزون بما تقدم من الكلام في أسانيدهم
ويجاب بأنها تنتهض بمجموعها ولا سيما وقد حسن بعضها فأقل أحوالها أن تكون من قسم الحسن لغيره ولا سيما أحاديث النهي عن بيع القينات المغنيات فإنها ثابتة من طرق كثيرة منها ما تقدم ومنها غيره قد أستوفيت ذلك في رسالة وكذلك حديث أن الغناء ينبت النفاق فإنه ثابت من طرق قد تقدم بعضها وبعضها لم يذكر منه عن ابن عباس عند ابن صرى في أماليه ومنه عن جابر عند البيهقي ومنه عن أنس عند الديلمي وفي الباب عن عائشة وأنس عند البزار والمقدسي وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي بلفظ صوتان ملعونان في الدنيا والأخرى مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة.
وأخرج ابن سعد في السنن عن جابر أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة وخمش وجه وشق جيب ورنة شيطان.
وأخرج الديلمي عن أبي أمامة مرفوعا أن اللّه يبغض صوت الخلخال كما يبغض الغناء والأحاديث في هذا كثيرة قد صنف في جمعها جماعة من العلماء كابن حزم وابن طاهر وابن أبي الدنيا وابن حمدان الأربلى والذهبي وغيرهم وقد أجاب المجوزون عنها بأنه قد ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية وقد تقدم ما قاله ابن حزم ووافقه على ذلك أبو بكر بن العربي في كتابه الأحكام وقال لم يصح في التحريم شيء وكذلك قال الغزالي وابن النحو في العمدة وهكذا قال ابن طاهر أنه لم يصح منها حرف واحد والمراد ما هو مرفوع منها وإلا فحديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل اللّه} قد تقدم أنه صحيح وقد ذكر هذا الأستثاء ابن حزم فقال أنهم لو أسندوا حديثا واحدا فهو إلى غير رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا حجة في أحد دونه كما روى عن ابن عباس وابن مسعود في تفسير قوله تعالى {ومن الناس} الآية أنهما فسرا اللّهو بالغناء قال ونص الآية يبطل أحتجاجهم لقوله تعالى {ليضل عن سبيل اللّه} وهذه صفة من فعلها كان كافرا ولو أن شخصا اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل اللّه ويتخذها هزوا لكان كافرا
فهذا هو الذي ذم اللّه تعالى وما ذم من اشترى لهو الحديث ليروح به نفسه لا يضل به عن سبيل اللّه انتهى.
قال الفاكهاني لم أعلم في كتاب اللّه ولا في السنة حديثا صحيحا صريحا في تحريم الملاهي وإنما هي ظواهر وعمومات يتأنس لا أدلة قطعية واستدل ابن رشد بقوله تعالى {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} وأي دليل على ذلك في تحريم الملاهي والغناء والمفسرين فيها أربعة أقوال الأول أنها نزلت في قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يلقونهم بالسب والشتم ويعرضون عنهم، والثاني أن اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غيره اليهود من التوراة وبدلوا من نعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وصفته أعرضوا عنه وذكروا الحق. الثالث أنهم مسلمون إذا سمعوا الباطل لم يلتفتوا إليه. الرابع أنهم ناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهودا ولا نصارى وكانوا على دين اللّه كانوا ينتظرون بعث محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما سمعوا به بمكة أتوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا وكان الكفار من قريش يقولون لهم أف لكم أتبعتم غلاما كرهه قومه وهم أعلم به منكم وهذا الأخير قاله ابن العربي في أحكامه وليت شعري كيف يقوم الدليل من هذه الآية انتهى.
ويجاب بأن الأعتبار لعموم اللفظ لا بخصوص السبب واللغو عام وهو في اللغة الباطل من الكلام الذي لا فائدة فيه والآية خارجة مخرج المدح لمن فعل ذلك وليس فيها دلالة على الوجوب ومن جملة ما استدلوا به حديث كل لهو يلهو به المؤمن هو باطل إلا ثلاثة ملاعبة الرجل أهله وتأديبه فرسه. ورميه عن قوسه.
قال الغزالي قلنا قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم فهو باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة انتهى..
وهو جواب صحيح لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في مسجده صلى اللّه عليه وآله وسلم كما ثبت في الصحيح خارج عن تلك الأمور الثلاثة وأجاب المجوزون عن حديث ابن عمر المتقدم في زمارة الراعي بما تقدم من أنه حديث منكر وأيضا لو كان سماعه حراما لما أباحه صلى اللّه عليه وآله وسلم لابن عمر ولابن عمر لنافع وانهي عنه وأمر بكسر الآلة لآن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وأما سده صلى اللّه عليه وآله وسلم لسمعه فيحتمل أنه تجنبه كما كان يتجنب كثير من المباحات كما تجنب أن يبيت في بيته درهم أو دينار وأمثال ذلك لا يقال يحتمل أن تركه صلى اللّه عليه وآله وسلم للإنكار على الراعي إنما كان لعدم القدرة على التغيير لأنا نقول ابن عمر إنما صاحب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو بالمدينة بعد ظهور الإسلام وقوته فترك الإنكار فيه دليل على عدم التحريم وقد استدل المجوزون بأدلة منها قوله تعالى {ويحل لهم الطيبات ويحرك عليهم الخبائث} ووجهه التمسك أن الطيبات جمع محلى باللام فيشمل كل طيب والطيب يطلق بإذاء المستلذ وهو الأكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن ويطلق
بإزاء الطاهر والحلال وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام فتدخل أفراد المعاني الثلاثة كلها ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادره الظاهرة وقد صرح ابن عبد السلام في دلائل الأحكام أن المراد في الآية بالطيبات المستلذات ومن جملة ما استدل به المجوزون ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا وسيأتي الكلام عليه.
ومن جملة ما قاله المجوزون أنا لو حكمنا بتحريم اللّهو لكونه لهوا لكان جميع ما في الدنيا محرما لأنه لهو لقوله تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ويجاب بأنه لا حكم على جميع ما يصدق عليه مسمى اللّهو لكونه لهوا بل الحكم بتحريم لهو خاص وهو لهو الحديث المنصوص عليه في القرآن لكنه لما علل في الآية بعلة الضلال عن سبيل اللّه لم ينتهض للاستدلال به على المطلوب وإذا تقرر جميع ما حررناه من حجج الفريقين فلا يخفى على الناظر أن محل النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه والمؤمنون وقافون عند الشبهات كما صرح به الحديث الصحيح ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن حال حول الحمى يوشك أن يقع فيه ولا سيما إذا كان مشتملا على ذكر القدود والخدود والجمال والدلال والهجر والوصال ومعاقرة العقار وخلع العذار والوقار فإن سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية وإن كان من تصلب في ذات اللّه على حد يقصر عنه الوصف وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطلول وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول نسأل اللّه السداد والثبات ومن أراد الاستيفاء للبحث في هذه المسالة فعليه بالرسالة التي سميتها أبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع. )) أ. هـ نيل الأوطار للشوكاني .
الجزء الثامن.
كتاب الجهاد والسير.
أبواب السبق والرمي.
باب ما جاء في آلة اللّهو

***********
‏
إنني لأعتذر على الإطالة , ولكنها حاجة المقالة . فتقبلها بقبول حسن , فإن على مقولة أهل العلم من البركات هالة .

ولذا يمكن القول بألا نمنع ولا نأمر .. ومن قال بأحد القولين لا يكفر .
فمن اقتنع بأحاديث الحرمة على الموسيقى واخذ بها جزاه الله خيرا .
ومن أخذ بقول الإباحة فله ممسك . وعلمائنا بين أجر وأجرين , ونحن أمرنا بسؤالهم فهم أهل الذكر والعلم , ولا ضير من الخلاف إن كان في القلب ائتلاف وعلى العقيدة اصطفاف , وكلهم من رسول الله بحالة اغتراف .
فاعرف لعلمائنا حقهم , وتعرف على فضلهم , ألسنة الدين , وجبال اليقين , وأولياء رب العالمين, فحياهم الله وبياهم وجمعني الله والقارئ بالجنة وإياهم , ومن يقول : آمــــين .
فالغناء الجيد بيّن والسخف بيّن .. ولله در محمد الأنصاري إذ يقول ‏:
ولولا العقلُ يشفعُهُ انتقادٌ *** لما عرفَ الغناءُ من السخيفِ


***********




المحور الثاني :
الكــلــمــات

وهي متن الأغنية .. فكم من لحن رنان , ومغنٍّّ فنان , ولكن أغنيته يخجل بنطقها اللسان .
فمنهم من يتشدد بالعربية حتى تنفر من أغنيته الأطباع , ومنهم من يتبذل بالعامية ويسف بالعقول يقصد الإمتاع .
والحق أن الأغنية جمالها بسلاسة ألفاظها , وحسن بيانها عن مقصدها , ولا خير في أغنية بلا هدف , و لاخير بهدف يلبس ثوب الفظاظة أو السفاهة .
فليفقه ذلك المطربون , وليعقل ذلك الفنانون .
جمّلوا الكلام , واستعينوا بصناع الكلمة , ورواد الحرف , ومصلحي الأمة .
وأتمنى ألا نجتر أغاني القرون الوسطى , ولنبتدع كلمات تناسب عصرنا , وتُعلي عقلنا , وتوحد صفنا , وتشد أزرنا , وتنصر ديننا , وترضي ربنا .
فلكل قوم عادات وتقاليد , وفهم للأمور المحيطة , وأما عصرنا فهو عصر التجديد .
فعلى المغنين اكتشاف الألحان , وتثقيف الإنسان , بمعاصرة ماهرة , وعين على القبول والرفض ساهرة , فإن الله يحب أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه .

ومن أعظم بلايا الغناء الحالي .. اجتناب الصواب في اختيار الكلمات والأشعار للمناسبات , فلربما سمعت أغاني الحج في الأعراس , وتحبيب الصوم يوم تحلية الأضراس , ولربما سمعت أغاني التذكرة بالموت والنار يوم الولادة أو الفرح والأزهار , فياللحطيئة من لسانه إذ يقول لسيدنا عمر ابن الخطاب :
تحنن عليّ رعاك المليك *** فإن لكل مقام مقال
ا
وعندما تعالى بعض الأقزام على عالم الشعر وقت إذ \ دريد بن الصمة \ فقالوا بأن شعره ركيك .. حيث يقول :
إذا ما غضبنا غضبة مضرية *** هتكنا حجاب الشمس أو تقطٍّر الدما
إذا ما أعرنا سيدا من قبيلــــة *** ذرا منبر صلى علينا وسلمــــــــــا
فإنه يقول بقصيدة أخرى :
ربابة ربة البيــــــت
تصب الخل بالزيت
لها عشر دجاجــات
وديك حسن الصـوت
فأجاب وهو البليغ .. بأنه لكل وجه وموضوع .. فتلك في الحماسة .. وهذي لجارتي العجوز التي تحضر لي البيض من خنها ولا أشتريه من السوق .. فأهديتها هذه الكلمات وهي عندها لأفضل من \ قفا نبك \ عندكم .!
فانتبهوا للمناسبة , جهزوا الكلمات الفرحية للأعراس وجمال روعة حج بيت الله يوم ذي الحجة , وبينوا جمال الإسلام بتشريعاته , وأن ديننا يسمو على العالم بكتابه .
وليكن للأتراح أغاني, وللصدقة اغاني , ولكل باب في الحياة أغاني ..
للأم , للأب , للعائلة , للوطن , للجهاد , للخشوع ,للحب ..
نعم طهروا الحب الرقراق من براثن الرذيلة , واستلّوه من البغاة والفاسقين , وألبسوا الحب ثوب الفضيلة
فالأصلُ في اللذاتِ قالوا أربعةْ *** حُبٌّ وتمكينٌ وأمنٌ ودَعَة

فترى الفاسقين يذكرون الحب ويقصدون الخيانة , يذكرون الحب ويقصدون التبرج والزنا فإذا نظر الرجل لفتاة أو العكس بداية عمرهما ومن ثم راحا بحال سبيلهما وتزوجا ... شجعوا على الخيانة وترك الزوجة والزوج الآخر لأن الحب لا ينقسم وما الحب إلا للحبيب الأول .. وبئس ما قالوا ولكن :
الحبُّ للمحبوبِ ساعةَ حبهِ *** ما الحبُّ فيه لآخــرٍ ولأولِ
اعلقْ بآخر من كلفتَ بحبهِ *** لا خيرَ في حُبِّ الحبيبِ الأولِ
أتشكُ في أن النبيَّ محمداً *** خيرُ البرية وهو آخر مرسـلِ

غنوا لمدح الرسول , للتأسي به , وتذكير الناس بسننه بعصرنا أفضل من مدحه , فالمجهول مهما مُدح فلن يدغدغ مدحه شغاف القلب .
فللأسف إن المسلمين يحملون لرسول الله مشاعر جوفاء , تراها تزول عند أول امتحان . فبينوا سنته , وأميطوا اللثام عن منهجه , وحببوا الناس بهداه , وأعلموهم سيرته , لعل قلوبا تنار , وعقولا لسنته الثكلى تغار .
إلى آخر المناسبات الكثيرة , وما أكثرها لو استغلها العقلاء لتبليغ رسالة سيد الأنبياء
فأعظم ما تكلم به المتكلمون , ووصف الواصفون توحيد الإله القيوم , وتنزيهه عن الشبيه والمثيل , وتقديسه عن كل رذيل , جل شأنه , وتباركت أسمائه .
فأعظم بها من أغنية يوم تدعوا لتوحيد الله , ولتنزيه الله , لا أن تأخذ آية , أو ذكرا لتلحنه , فإن للقرآن ولذكر الله كرامة , فتبين يا أخي عظم المقالة .
ومن ثم ثني بمدح رسول الله والتوسل بجاهه لله من غير غلو ولا إسراف , وإياك من سؤال غير الله فالكل عباد لله لا يستطيعون إجابة الداع ولا دفع الضر .
(( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء )) .
ومن ثم انتقي من الكلمات ما يوافق حفلتك ناصحا ومرشدا وباغيا للإصلاح وللخير.
فمن الأخطاء التي يفعلها المغنون الغلو في سيدنا رسول الله ولربما سؤاله أو أحد الأولياء وهذا لم يقل به عالم . فضلا عن مسلم , وإنه لشرك بالله لا يجهله الربانيون .
ومنهم كذلك من يأخذون لحنا لساقط أو ساقطة ويرّكبون عليها كلمات يحشونها بغير فائدة , ويا للأسف هذه العادة في عصرنا هي السائدة . فإنه تقليد الفاسقين وتمجيد السافلين . فلينتبه لذلك أصحاب الهمم من المغنين .
هذا ما يحضرني جعلته تذكرة , ولعلها تنمو تلكم البذرة , فيكون للغناء مدارس ومفكرين , وكتّابا وملحنين , يخشون القيوم رب العالمين .
المحور الثالت :
النية والهداف


إِذا شيدَ الإنسانُ أبنيةَ الــتقى *** وغادرَها بالحرصِ وهي شوامخُ
فـذاكَ الذي يأوي إِلى حسناتهِ *** فتعصمه منها جبالٌ رواســـخُ
ومن صحبَ التقوى فليس بنادمٍ *** إِذا صرخَتْ يوماً عليه الصوارخ

روى عملاق الإسلام ابن الخطاب , عن رسول الله عليه السلام أن الأعمال بالنيات , ومن أخلص لله نيته كان ذا جناب .
فإياك من الرياء وتلمس مدح الناس , فإنها لحالقة للدين من قلبك , وحالك كمن بنى قصرا بغير أساس ؟!.
واحذر حب الدنيا أن يدخل قلبك , واسعى لتكون بيدك وتحت قيادك , حتى إذا قامت الساعة , سألك الحنّان : ما فعلت بالذي جعلتك خليفة عليها , قلت : يارب وعزتك ما فرّطت وما أفرطت , وجعلتها في سبيلك , فقال لك بمنه : صدقت .. ادخل الجنة ..
تأملْ في الوجـودِ بعينِ فكرٍ *** ترى الدنيا الدنيَّةَ كالخــيالِ
ومن فيها جميعاً سوفَ يفْنى *** ويبقى وجهُ رَبِّكَ ذي الجـلالِ

فأخلص لله لبك , واجعل رضاه مقصدك , ورفع راية دينه هدفك , تفز مع الفائزين , وتنجو مع الناجين , وأسألك بالله لو قامت الساعة , وكنت فائزا تذكرني بشفاعة .
فذلك يوم عظيم , يُحسد فيه المخلصون , ويعلو عويل الهالكين ..
أخي وحبيبي النية النية , فهي والله المطية , فإما لجنة النعيم , وإما لنار الجحيم ,
(( لا يصلاها إلا الأشقى , الذي كذب وتولى , وسيجنبها الأتقى , الذي يؤتي ماله يتزكى , وما لأحد عنده من نعمة تجزى , إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ..... ولسوف يرضى ))
فليكن الله مطلوبك , ورضاه مقصودك





***********


خــاتـمـة
أخي ها قد أزف الرحيل , ودنا إلى الفرس الصهيل , فإن كانت قراءتك زادتك , فالحمد لله , وإن لم تستفد منها .. فقل لا حول ولا قوة إلا بالله , وإنا لله وإنا إليه راجعون .. اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها .
وظني أنني أحسنت النية , وطهرت سريرتي من كل حية .
فالغناء بخلاصة الكلام .. أسلوب دعوي , من أخطأ مكانه , أساء استعماله .
فانتبه للمناسبات , واختر لها أبدع الكلمات , وزينها برونق الألحان , واجعل قصدك رضا الرحمان .
وإن أردت استعمال الموسيقى في دعوتك , ففي الأمر رخصة على ما علمت فلتكن سبيلا للخير مغلاقة للشر.. وورب العزة .. بالحسنات تمتلىء سلتك .

وأخيرا هذه رسالة , من مبتدئ في فن الكتابة , ولعلك ترى الأخطاء والركاكة , فردها –رحمك الله – بنصيحة , واستر – هداك الله – من الفضيحة , وإن خاض خائض من القاذفين , فرجاء .. لا تخض مع الخائضين , فما أكثر أصحاب الملامة , وما أقل من يصلح بابتسامة , وما سلم أحد من ألسنة الناس , وإن كان سيد الناس , بل وإن كان رب الناس .. ورحم الله ابن الأزدي إذ يقول :
وما أحدٌ من ألسنِ الناسِ سالـماً *** ولو أنه ذاكَ النبيُّ المطـــهرُ
فإِن كان مقداماً يقولون أهــوجٌ *** وإِن كان مفضالاً يقولون مُنززُ
وإِن كان سِكيتاً يقولون أبكــمٌ *** وإِن كان مِنْطيقاً يقولون مِهْـذَرُ
وإن كان صَوّاماً وبالليل قائـماً *** يقولون كذابٌ يُرائي ويَمْكــُرُ
فلا تحتفلْ في الناسِ بالذمِّ والثنا *** ولا تخشَ غيرَ اللّهِ فاللّهُ أكبـرُ

جزيت خيرا على صبرك , وجعل الله هذه الرسالة بابا لدراسة الغناء والتوسع فيه إنه ولي ذلك والقادر عليه .


جمعة محمد لهيب
أبو المقداد المعري
مدير منتدى طلاب كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية .
2010 م