منتديات طلاب جامعة الإمام الأوزاعي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى خاص لمتخرجي وطلاب جامعة الإمام الأوزاعي , ومنبرٌ للتعبير عن أرائهم , وصالةٌ للتعارف فيما بينهم

انتباه لكل الأعضاء : يجب بعد التسجيل الرجوع إلى بريدك وإيميلك للتفعيل , فبغير التفعيل من الإيميل لا تستطيع الدخول لمنتداك وإذا كان بريدك الهوتميل أو الياهو فقد تجد الرسالة بالبريد المزعج             نعتذر عن أي اعلان في أعلى وأسفل الصفحة الرئيسية فلا علاقة لنا به               يُرجى من جميع الأعضاء المشاركة والتفاعل في هذا المنتدى لأنه يُعد بحق مكانا للدعوة والإرشاد                شارك ولو بموضوع ينفعك في دراستك وفي دنياك وفي أخراك                 كوّن أصدقائك في كليتك وفي سنتك وليكن المنتدى هو بيتك الثاني وليكن الطلاب هم أصدقائك وإخوتك              استفد ... وساعد ... واكتب ... وارتق بنفسك وبمن حولك فقد صار لك مجال للتعبير والتبيين والدعوة             لا تخف من الخطأ في الكتابة .. بيّن بحرية مطلقة وجرأة طالب العلم واعلم بأن هناك من يقرأ لك وسيوجهوك للصواب                   لا تكن عالة وضعيف الهمة .. فالانترنت أصبح اليوم من ضروريات الحياة والعلم ..              هيا نحن بانتظار مشاركاتك ولو بالإسبوع مقالا وموضوعا أو ردا على مساهمة .             

الصفحة الرسمية للجامعة على الفيس بوك

المواضيع الأخيرة

» مين بساعدني
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 28, 2023 12:51 pm من طرف ALASFOOR

» اقتراحات ونقاشات
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالخميس أغسطس 06, 2015 12:58 am من طرف Ranin habra

» أسئلة امتحانات للسنوات 2012 وما بعد
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالخميس يوليو 30, 2015 2:17 pm من طرف محمد أحمد الحاج قاسم

» أسئلة سنوات سابقة
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالجمعة يوليو 03, 2015 6:20 pm من طرف مهاجرة سورية

»  النظم السياسية
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالأربعاء يونيو 24, 2015 5:33 pm من طرف مهاجرة سورية

» اسئلة الدورات
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالأربعاء مايو 27, 2015 7:17 pm من طرف بلقيس

» السؤال عن برنامج الامتحانات لسنة 2015
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالثلاثاء مايو 19, 2015 3:41 am من طرف Abu anas

» يتبع موضوع المسلمون بين تغيير المنكر وبين الصراع على السلطة
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالإثنين مايو 04, 2015 5:01 pm من طرف حسن

» المسلمون بين تغيير المنكر والصراع على السلطة
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالأحد مايو 03, 2015 1:42 pm من طرف حسن

» ما هو المطلوب و المقرر للغة العربية 2
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 21, 2015 7:47 am من طرف أم البراء

» طلب عاجل : مذكرة الاسلام والغرب ( نحن خارج سوريا)
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالسبت مارس 14, 2015 3:50 pm من طرف feras odah

» مساعدة بالمكتبة الاسلامية
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالخميس فبراير 26, 2015 2:32 pm من طرف ام الحسن

» هنا تجدون أسئلة الدورات السابقة لمادة الجهاد الإسلامي
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالجمعة فبراير 20, 2015 8:55 pm من طرف راما جديد

» للسنة الثالثه __اصول الفقه الأسلامي3 )) رقم 2
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالخميس فبراير 12, 2015 1:16 am من طرف Amir Antap

» محركات مواقع البحث عن الكتب والرسائل الجامعية
مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي I_icon_minitimeالأحد فبراير 08, 2015 11:20 pm من طرف Amir Antap

هااااااااااااام لجميع الأعضاء

 

الرجاء من جميع الأعضاء
كتابة كل موضوع بقسمه المحدد وشكرا

2 مشترك

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:22 pm

    السلام عليكم ..
    وأشكر مدير المنتدى على نصحه وأشكر المشرفة على رسالتها الخاصة وتقبلها اعتذاري

    ومن غير مقدمات رأيت أن أحاول عرض كتاب مهم .. وهو كتاب \ صحيح مسلم \ بشرح الإمام النووي فأرجو الفائدة :



    للإمام النووي
    *** نظر في الكتاب: ***
    كتاب الإيمان.
    باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام.

    باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام
    حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الثّقَفِيّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ (فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ)، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيّ صَوْتِهِ وَلاَ نَفْقَةُ مَا يَقُولُ. حَتّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللّيْلَةِ" فَقَالَ: هَلْ عَلَيّ غَيْرُهن؟ قَالَ: "لاَ. إِلاّ أَنْ تَطّوّعَ. وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ" فَقَالَ: هَلْ عَلَيّ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: "لاَ. إِلاّ أَنْ تَطّوّعَ" وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الزّكَاةَ. فَقَالَ: هَلْ عَلَيّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لاَ. إِلاّ أَنْ تَطّوّعَ. قَالَ: فَأَدْبَرَ الرّجُلُ وَهُو يَقُولُ: وَالله لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْلَحَ إِنْ
    صَدَقَ".
    حدّثني يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، جَميعا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللّهِ ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ. نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَفْلَحَ، وَأَبِيِه، إِنْ صَدَقَ" أَوْ "دَخَلَ الْجَنّةَ، وَأَبِيِهِ، إِنْ صَدَقَ".
    فيه قتيبة بن سعيد الثقفي، اختلف فيه فقيل: قتيبة اسمه، وقيل: بل هو لقب واسمه علي، قاله أبو عبد الله بن منده، وقيل: اسمه يحيى قاله ابن عدي. وأما قوله: الثقفي فهو مولاهم، قيل: إن جده جميلاً كان مولى للحجاج بن يوسف الثقفي، وفيه أبو سهيل عن أبيه اسم أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، ونافع عم مالك بن أنس الإمام وهو تابعي سمع أنس بن مالك. قوله: (رجل من أهل نجد ثائر الرأس) هو برفع ثائر صفة لرجل، وقيل: يجوز نصبه على الحال، ومعنى ثائر الرأس: قائم شعره منتفشه. وقوله: (نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول) روي نسمع ونفقه بالنون المفتوحة فيهما، وروي بالياء المثناة من تحت المضمومة فيهما، والأول هو الأشهر الأكثر الأعرف. وأما دوي صوته فهو بعده في الهواء، ومعناه شدة صوت لا يفهم، وهو بفتح الدال وكسر الواو تشديد الياء هذا هو المشهور، وحكى صاحب المطالع فيه ضم الدال أيضا. قوله: (هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) المشهور فيه تطوع بتشديد الطاء على إدغام إحدى التاءين في الطاء، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: هو محتمل للتشديد والتخفيف على الحذف، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: قوله
    صلى الله عليه وسلم: "إلا أن تطوع" استثناء منقطع ومعناه: لكن يستحب لك أن تطوع، وجعله بعض العلماء استثناء متصلاً، واستدلوا به على أن ممن شرع في صلاة نفل أو صوم نفل وجب عليه إتمامه، ومذهبنا أنه يستحب الإتمام ولا يجب والله أعلم. قوله: (فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق) قيل: هذا الفلاج راجع إلى قوله: لا أنقص خاصة، والأظهر أنه عائد إلى المجموع بمعنى أنه إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحا لأنه أتى بما عليه، ومن أتى بما عليه فهو مفلح، وليس في هذا أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحا لأن هذا مما يعرف بالضرورة، فإنه إذا أفلح بالواجب فلأن يفلح بالواجب والمندوب أولى، فإن قيل: كيف؟ قال: لا أزيد على هذا، وليس في هذا الحديث جميع الواجبات، ولا المنهيات الشرعية، ولا السنن المندوبات، فالجواب أنه جاء في رواية البخاري في آخر هذا الحديث زيادة توضح المقصود، قال: "فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله تعالى علي شيئا" فعلى عموم قوله بشرائع الإسلام، وقوله مما فرض الله علي يزول
    الإشكال في الفرائض. وأما النوافل فقيل: يحتمل أن هذا كان قبل شرعها، وقيل: يحتمل أنه أراد لا أزيد في الفرض بتغيير صفته كأنه يقول: لا أصلي الظهر خمسا وهذا تأويل ضعيف، ويحتمل أنه أراد لا يصلي النافلة مع أنه لا يخل بشيء من الفرائض وهذا مفلح بلا شك، وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة وترد بها الشهادة إلا أنه ليس بعاص بل هو مفلح ناج والله أعلم. واعلم أنه لم يأت في هذا الحديث ذكر الحج، ولا جاء ذكره في حديث جبريل من رواية أبي هريرة، وكذا غير هذا من هذه الأحاديث لم يذكر في بعضها الصوم، ولم يذكر في بعضها الزكاة، وذكر في بعضها صلة الرحم، وفي بعضها أداء الخمس، ولم يقع في بعضها ذكر الإيمان، فتفاوتت هذه الأحاديث في عدد خصال الإيمان زيادة ونقصا وإثباتا وحذفا. وقد أجاب القاضي عياض وغيره رحمهم الله عنها بجواب لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى وهذبه فقال: ليس هذا باختلاف صادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من تفاوت الرواة في الحفظ والضبط، فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفي ولا إثبات، وإن كان اقتصاره على ذلك يشعر بأنه الكل فقد بان بما أتى به
    غيره من الثقات أن ذلك ليس بالكل، وأن اقتصاره عليه كان لقصور حفظه عن تمامه، ألا ترى حديث النعمان بن قوقل الاَتي قريبا اختلفت الروايات في خصاله بالزيادة والنقصان؟ مع أن راوي الجميع راو واحد وهو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في قضية واحدة، ثم إن ذلك لا يمنع من إيراد الجميع في الصحيح لما عرف في مسألة زيادة الثقة من أنا نقبلها، هذا آخر كلام الشيخ وهو تقرير حسن والله أعلم.
    النهي عن الحلف بغير الله
    قوله صلى الله عليه وسلم: (أفلح وأبيه إن صدق) هذا مما جرت عادتهم أن يسألوا عن الجواب عنه مع قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفا فليحلف بالله" وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" وجوابه أن قوله صلى الله عليه وسلم: "أفلح وأبيه" ليس هو حلفا إنما هو كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف، والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به ومضاهاته به الله سبحانه وتعالى، فهذا هو الجواب المرضي، وقيل: يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى والله أعلم. وفي هذا الحديث أن الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام التي أطلقت في باقي الأحاديث هي الصلوات الخمس، وأنها في كل يوم وليلة على كل مكلف بها، وقولنا بها احتراز من الحائض والنفساء فإنها مكلفة بأحكام الشرع إلا الصلاة وما ألحق بها مما هو مقرر في كتب الفقه، وفيه أن وجوب صلاة الليل منسوخ في حق الأمة وهذا مجمع عليه، واختلف قول الشافعي رحمه الله في نسخه في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصح نسخه، وفيه أن صلاة الوتر ليست بواجبة، وأن صلاة العيد أيضا ليست بواجبة،
    وهذا مذهب الجماهير. وذهب أبو حنيفة رحمه الله وطائفة إلى وجوب الوتر، وذهب أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي إلى أن صلاة العيد فرض كفاية، وفيه أنه لا يجب صوم عاشوراء ولا غيره سوى رمضان وهذا مجمع عليه. واختلف العلماء هل كان صوم عاشوراء واجبا قبل إيجاب رمضان أم كان الأمر به ندبا؟ وهما وجهان لأصحاب الشافعي أظهرهما لم يكن واجبا. والثاني كان واجبا، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله، وفيه أنه ليس في المال حق سوى الزكاة على من ملك نصابا، وفيه غير ذلك والله أعلم.‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:22 pm

    كتاب الإيمان.
    باب السؤال عن أركان الإسلام.

    باب السؤال عن أركان الإسلام
    حدّثني عَمْرُو بْنُ مُحمّدُ بْنِ بُكَيْرٍ النّاقِدِ: حَدّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ أَبُو النّضْرِ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ. فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةَ، الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةَ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ! أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنّكَ تَزْعُمُ أَنّ الله أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: "صَدَقَ". قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السّمَاءَ؟ قَالَ: "الله" قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الأَرض؟ قَال: "الله" قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ: "الله". قَالَ: فَبِالّذِي خَلَقَ السّمَاءَ وَخَلَقَ الأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، آلله أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا، قَالَ: "صَدَقَ". قَالَ: فَبِالّذِي أَرْسَلَكَ. آلله أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ:
    وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا. قَالَ "صَدَقَ" قَالَ: فَبِالّذِي أَرْسَلَكَ. آللّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ "نَعَمْ" قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا. قَالَ: "صَدَقَ". قَالَ: فَبِالّذِي أَرْسَلَكَ، الله أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنّ عَلَيْنَا حَجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ: "صَدَقَ". قَال، ثُمّ وَلّى. قَالَ: وَالّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ! لاَ أَزِيدُ عَلَيْهِنّ وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُنّ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنّ الْجَنّةَ".
    حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيّ: حَدّثَنَا بَهْزٌ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيِرَةِ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كُنّا نُهَينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ. وَسَاقَ الْحدِيثَ بِمثلِهِ.
    فيه حديث أنس رضي الله عنه قال: "نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك، قال: صدق" إلى آخر الحديث. قوله: (نهينا أن نسأل) يعني سؤال فصل ضرورة إليه كما قدمنا بيانه قريبا في الحديث الاَخر: "سلوني" أي عما تحتاجون إليه. وقوله: (الرجل من أهل البادية) يعني من لم يكن بلغه النهي عن السؤال. وقوله: (العاقل) لكونه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه وحسن المراجعة، فإن هذه أسباب عظم الانتفاع بالجواب، ولأن أهل البادية هم الأعراب ويغلب فيهم الجهل والجفاء، ولهذا جاء في الحديث: "من بدا جفا" والبادية والبدو بمعنى وهو ما عدا الحاضرة والعمران، والنسبة إليها بدوي، والبداوة الإقامة بالبادية وهي بكسر الباء عند جمهور أهل اللغة، وقال أبو زيد: هي فتح الباء، قال ثعلب: لا أعرف البداوة بالفتح إلا عن أبي زيد. قوله: (فقال يا محمد) قال العلماء: لعل هذا كان قبل النهي عن مخاطبته صلى الله عليه وسلم باسمه قبل نزول قوله الله عز وجل: {لا تجعلوا دعاء
    الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} على أحد التفسيرين، أي لا تقولوا: يا محمد، بل يا رسول الله، يا نبي الله، ويحتمل أن يكون بعد نزول الاَية، ولم تبلغ الاَية هذا القائل. وقوله: (زعم رسولك أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك، قال: صدق) فقوله: زعم وتزعم مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه دليل على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكوك فيه، بل يكون أيضا في القول المحقق والصدق الذي لا شك فيه، وقد جاء من هذا كثير في الأحاديث، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: زعم جبريل كذا، وقد أكثر سيبويه وهو إمام العربية في كتابه الذي هو إمام كتب العربية من قوله: زعم الخليل، زعم أبو الخطاب، يريد بذلك القول المحقق، وقد نقل ذلك جماعات من أهل اللغة وغيرهم، ونقله أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح عن شيخه أبي العباس ثعلب عن العلماء باللغة من الكوفيين والبصريين والله أعلم. ثم اعلم أن هذا الرجل الذي جاء من أهل البادية اسمه ضمام بن ثعلبة بكسر الضاد المعجمة، كذا جاء مسمى في رواية البخاري وغيره. قوله: (قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: الله،
    قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم) هذه جملة تدل على أنواع من العلم، قال صاحب التحرير: هذا من حسن سؤال هذا الرجل وملاحة سياقته وترتيبه، فإنه سأل أولاً عن صانع المخلوقات من هو؟ ثم أقسم عليه به أن يصدقه في كونه رسولاً للصانع، ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله، وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رصين، ثم إن هذه الأيمان جرت للتأكيد وتقرير الأمر لا لافتقاره إليها كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة، هذا كلام صاحب التحرير قال القاضي عياض: والظاهر أن هذا الرجل لم يأت إلا بعد إسلامه، وإنما جاء مستثبتا ومشافها للنبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم. وفي هذا الحديث جمل من العلم غير ما تقدم. منها: أن الصلوات الخمس متكررة في كل يوم وليلة وهو معنى قوله: في يومنا وليلتنا. وأن صوم شهر رمضان يجب في كل سنة، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: وفيه دلالة لصحة ما ذهب إليه أئمة العلماء من أن العوام المقلدين مؤمنون، وأنه يكتفي منهم بمجرد اعتقاد الحق
    جزما من غير شك وتزلزل، خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قرر ضماما على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته وصدقه ومجرد إخباره إياه بذلك، ولم ينكر عليه ذلك، ولا قال: يجب عليك معرفة ذلك بالنظر في معجزاتي والاستدلال بالأدلة القطعية، هذا كلام الشيخ، وفي هذا الحديث العمل بخبر الواحد وفيه غير ذلك والله أعلم.‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:23 pm

    كتاب الإيمان.
    باب بيان الإِيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة.

    باب بيان الإِيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة
    حدّثنا مُحمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ. حَدّثَنَا مُوسىَ بْنُ طَلْحَةَ قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو أَيّوبَ، أَنّ أَعْرَابِيا عَرَضَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا، ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْ يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرّبُنِي مِنَ الْجَنّةِ وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النّارِ. قَالَ فَكَفّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ثُمّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمّ قَالَ: "لَقَدْ وُفّقَ أَوْ لَقَدْ هُدِيَ" قَالَ: "كَيْفَ قُلْتَ؟" قَالَ فَأَعَادَ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "تَعْبُدُ الله لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئا، وَتُقِيمُ الصّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزّكَاةَ، وَتَصِلُ الرّحِمَ، دَعِ النّاقَةَ".
    وحدّثني مُحمّدُ بْنُ حَاتِمٍ، وَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ قَالاَ: حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةٌ. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَ أَبُوهُ عُثْمَانُ أَنّهُمَا سَمِعَا مُوسىَ بْنَ طَلْحَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي أَيّوبَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ.
    حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ مُوسىَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيّوبَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: دُلّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِي مِنَ الْجَنّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النّارِ. قَالَ "تَعْبُدُ اللّهِ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئا، وَتُقِيمُ الصّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمَكَ" فَلَمّا أَدْبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنْ تَمَسّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنّةَ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ "إِنْ تَمَسّكَ بِهِ".
    وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ: حَدّثَنَا عَفّانَ: حَدّثَنَا وُهَيْبٌ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ أَعْرَابِيا جَاءَ إِلَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دُلّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجنّةَ. قَالَ "تَعْبُدُ اللّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئا، وَتُقِيمُ الصّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ. وَتُؤَدّي الزّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ. وَتَصُومُ رَمَضَانَ" قَالَ: وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئا أَبدا، وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ. فَلَمّا وَلّى، قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ سَرّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجنّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا".
    حدّثنا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. وَاللّفْظُ لاَِبِي كُرَيْبٍ. قَالا: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِالأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم النّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ! اللّهِ أَرَأَيْتَ إِذَا صَلّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ، وَحَرّمْتُ الْحَرَامَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلاَلَ، أَأَدْخُلُ الْجَنّةَ؟ فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ".
    وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ وَ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيّاءَ، قَالاَ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسىَ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ! بِمِثْلِهِ. وَزَادَا فِيهِ: وَلَمْ أَزِدْ عَلَىَ ذَلِكَ شَيْئا.
    وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ: حَدّثَنَا مَعْقِلٌ (وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللّهِ) عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلّيْتُ الصّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلاَلَ وَحَرّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئا، أَأَدْخُلُ الْجَنّةَ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: وَالله لاَ أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئا.
    فيه حديث أبي أيوب وأبي هريرة وجابر رضي الله عنهم. أما حديثا أبي أيوب وأبي هريرة فرواهما أيضا البخاري. وأما حديث جابر فانفرد به مسلم. أما ألفاظ الباب فأبو أيوب اسمه خالد بن زيد الأنصاري، وأبو هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من نحو ثلاثين قولاً، وقد تقدم بيانه بزيادات في مقدمة الكتاب. قول مسلم رحمه الله تعالى: (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا أبي، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا موسى بن طلحة، حدثني أبو أيوب. وفي الطريق الاَخر: حدثني محمد بن حاتم وعبد الرحمن بن بشر قالا: ثنا بهز قال: ثنا شعبة قال: ثنا محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب وأبوه عثمان أنهما سمعا موسى بن طلحة) هكذا هو في جميع الأصول في الطريق الأول عمرو بن عثمان، وفي الثاني محمد بن عثمان، واتفقوا على أن الثاني وهم وغلط من شعبة وأن صوابه عمرو بن عثمان كما في الطريق الأول، قال الكلاباذي وجماعات لا يحصون من أهل هذا الشأن: هذا وهم من شعبة فإنه كان يسميه محمدا وإنما هو عمرو، وكذا وقع علي الوهم من رواية شعبة في كتاب الزكاة من البخاري والله أعلم. وموهب بفتح الميم والهاء وإسكان الواو بينهما. قوله: (أن أعرابيا) هو بفتح الهمزة وهو
    البدوي أي الذي يسكن البادية، وقد تقدم قريبا بيانها. وقوله: (فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها) هما بكسر الخاء والزاي، قال الهروي في الغريبين، قال الأزهري: الخطام هو الذي يخطم به البعير، وهو أن يؤخذ حبل من ليف أو شعر أو كتان، فيجعل في أحد طرفيه حلقة يسلك فيها الطرف الاَخر حتى يصير كالحلقة ثم يقلد البعير ثم يثني على مخطمه فإذا ضفر من الأدم فهو جرير، فأما الذي يجعل في الأنف دقيقا فهو الزمام، هذا كلام الهروي عن الأزهري. وقال صاحب المطالع: الزمام للإبل ما تشد به رؤوسها من حبل وسير ونحوه لتقاد به والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (لقد وفق هذا) قال أصحابنا المتكلمون: التوفيق خلق قدرة الطاعة، والخذلان خلق قدرة المعصية. قوله صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله لا تشرك به شيئا) قد تقدم بيان حكمة الجمع بين هذين اللفظين، وتقدم بيان المراد بإقامة الصلاة وسبب تسميتها مكتوبة، وتسمية الزكاة مفروضة، وبيان قوله: لا أزيد ولا أنقص، وبيان اسم أبي زرعة الراوي عن أبي هريرة وأنه هرم، وقيل عمرو، وقيل عبد الرحمن، وقيل عبيد الله. قوله صلى الله عليه وسلم: (وتصل الرحم) أي تحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما تيسر على حسب
    حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيادة أو طاعتهم أو غير ذلك، وفي الرواية الأخرى: وتصل ذا رحمك، وقد تقدم بيان جواز إضافة ذي إلى المفردات في آخر المقدمة. وقوله صلى الله عليه وسلم: (دع الناقة) إنما قاله لأنه كان ممسكا بخطامها أو زمامها ليتمكن من سؤاله بلا مشقة، فلما حصل جوابه قال دعها.
    قوله: (حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق) قد تقدم بيان اسميهما في مقدمة الكتاب، فأبو الأحوص سلام بالتشديد ابن سليم، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبعي. قوله صلى الله عليه وسلم: (إن تمسك بما أمر به دخل الجنة) كذا هو في معظم الأصول المحققة، وكذا ضبطناه أمر بضم الهمزة وكسر الميم، وبه بباء موحدة مكسورة مبني لما لم يسم فاعله، وضبطه الحافظ أبو عامر العبدري أمرته بفتح الهمزة وبالتاء المثناة من فوق التي هي ضمير المتكلم وكلاهما صحيح والله أعلم: وأما ذكره صلى الله عليه وسلم صلة الرحم في هذا الحديث وذكر الأوعية في حديث وفد عبد القيس وغير ذلك في غيرهما فقال القاضي عياض وغيره رحمهم الله: ذلك بحسب ما يخص السائل ويعنيه والله أعلم.
    وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) فالظاهر منه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه يوفي بما التزم، وأنه يدوم على ذلك ويدخل الجنة.
    وأما قول مسلم في حديث جابر: (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سفيان عن جابر) فهذا إسناد كلهم كوفيون إلا جابرا وأبا سفيان، فإن جابرا مدني، وأبا سفيان واسطي، ويقال مكي، وقد تقدم أن اسم أبي بكر بن أبي شيبة عبد الله بن محمد بن إبراهيم، وإبراهيم هو أبو شيبة، وأما أبو كريب فاسمه محمد بن العلاء الهمداني بإسكان الميم وبالدال المهملة، وأبو معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة، والأعمش سليمان بن مهران أبو محمد، وأبو سفيان طلحة بن نافع القرشي مولاهم، وقد تقدم أن في سين سفيان ثلاث لغات: الضم والكسر والفتح، وقول الأعمش عن أبي سفيان، مع أن الأعمش مدلس، والمدلس إذا قال عن لا يحتج به إلا أن يثبت سماعه من جهة أخرى، وقد قدمنا في الفصول وفي شرح المقدمة أن ما كان في الصحيحين عن المدلسين بعن فمحمول على ثبوت سماعهم من جهة أخرى والله أعلم. قوله: (أتى النعمان بن قوقل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام وأحللت الحلال أأدخل الجنة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم) أما قوقل فبقافين مفتوحتين بينهما واو ساكنة وآخره لام.
    وأما قوله: وحرمت الحرام فقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: الظاهر أنه أراد به أمرين: أن يعتقده حراما وأن لا يفعله، بخلاف تحليل الحلال فإنه يكفي فيه مجرد اعتقاده حلالاً. قوله: (عن الأعمش عن أبي صالح) تقدم في أوائل مقدمة الكتاب أن اسم أبي صالح ذكوان.
    قول الحسن بن أعين ثنا معقل وهو ابن عبيد الله عن أبي الزبير) أما أعين فهو بفتح الهمزة وبالعين المهملة وآخره نون وهو الحسن بن محمد بن أعين القرشي مولاهم أبو علي الحراني، والأعين من في عينيه سعة. وأما معقل فبفتح الميم وإسكان العين المهملة وكسر القاف، وأما أبو الزبير فهو محمد بن مسلم بن تدرس بمثناة فوق مفتوحة ثم دال مهملة ساكنة ثم راء مضمومة ثم سين مهملة. وقوله: وهو ابن عبيد الله قد تقدم مرات بيان فائدته وهو أنه لم يقع في الرواية لفظة ابن عبيد الله فأراد إيضاحه بحيث لا يزيد في الرواية.‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:24 pm

    كتاب الإيمان.
    باب بيان أركان الإِسلام ودعائمه العظام.

    باب بيان أركان الإِسلام ودعائمه العظام
    حدّثنا مُحمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ الْهَمَدَانِيّ: حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ (يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ حَيّانَ الأَحْمَرَ) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسَةٍ. عَلَى أَنْ يُوَحّدَ اللهُ، وَإِقَامِ الصّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجّ" فَقَالَ رَجُلٌ: الْحَجّ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ؟ قَالَ لاَ. صِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجّ. هكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
    حدّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيّ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ قَالَ: حَدّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَة السّلَمِيّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ. عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللّهُ وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ. وَإِقامِ الصّلاَةِ. وَإِيتَاءِ الزّكَاةِ. وَحَجّ الْبيْتِ. وَصَوْمِ رَمَضَانَ".
    حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا عَاصِمٌ (وَهُوَ ابْنُ مُحمّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ)، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللّهِ: قَالَ: رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ. شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّ مُحَمّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَإِقَامِ الصّلاَةِ. وَإِيتَاءِ الزّكاةِ. وَحَجّ الْبَيْتِ. وَصَوْمِ رَمَضَانَ".
    وحدّثني ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا حَنْظَلَةُ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ يُحَدّثُ طَاوُسا، أَنّ رَجُلاً قَالَ لِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ: أَلاَ تَغْزُو؟ فَقَالَ: إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ الإِسْلاَمَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ. شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله. وَإِقَامِ الصّلاَةِ. وَإِيتَاءِ الزّكَاةِ. وَصِيَامِ رَمَضَانَ. وَحَجّ الْبَيْتِ".
    قال مسلم رحمه الله (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني، ثنا أبو خالد يعني سليمان بن حيان الأحمر عن أبي مالك الأشجعي عن سعد بن عبيدة عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: بني الإسلام على خمسة: على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج، فقال رجل: الحج وصيام رمضان؟ فقال: لا صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الرواية الثانية: بني الإسلام على خمس: على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان. وفي الرواية الثالثة: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان. وفي الرواية الرابعة: أن رجلاً قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ألا تغزو؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الإسلام بني على خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت) أما الإسناد الأول المذكور هنا فكله كوفيون إلا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فإنه مكي مدني وأما الهمداني
    فبإسكان الميم وبالدال المهملة، وضبط هذا للاحتياط وإكمال الإيضاح وإلا فهو مشهور معروف، وأيضا فقد قدمت في آخر الفصول أن جميع ما في الصحيحين فهو همداني بالإسكان والمهملة. وأما حيان فبالمثناة، وتقدم أيضا في الفصول بيان ضبط هذه الصورة. وأما أبو مالك الأشجعي فهو سعد بن طارق المسمى في الرواية الثانية وأبوه صحابي. وأما ضبط ألفاظ المتن فوقع في الأصول: بني الإسلام على خمسة في الطريق الأول، والرابع بالهاء فيها، وفي الثاني والثالث خمس بلا هاء، وفي بعض الأصول المعتمدة في الرابع بلا هاء وكلاهما صحيح، والمراد برواية الهاء خمسة أركان أو أشياء أو نحو ذلك، وبرواية حذف الهاء خمس خصال أو دعائم أو قواعد أو نحو ذلك والله أعلم. وأما تقديم الحج وتأخيره ففي الرواية الأولى والرابعة تقديم الصيام، وفي الثانية والثالثة تقديم الحج، ثم اختلف العلماء في إنكار ابن عمر على الرجل الذي قدم الحج مع أن ابن عمر رواه كذلك كما وقع في الطريقين المذكورين، والأظهر والله أعلم أنه يحتمل أن ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بتقديم الحج ومرة بتقديم الصوم، فرواه أيضا على الوجهين في وقتين، فلما رد عليه الرجل
    وقدم الحج قال ابن عمر: لا ترد على ما لا علم لك به، ولا تعترض بما لا تعرفه، ولا تقدح فيما لا تتحققه، بل هو بتقديم الصوم هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في هذا نفي لسماعه على الوجه الاَخر، ويحتمل أن ابن عمر كان سمعه مرتين بالوجهين كما ذكرنا، ثم لما رد عليه الرجل نسي الوجه الذي رده فأنكره، فهذان الاحتمالان هما المختاران في هذا. وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: محافظة ابن عمر رضي الله عنهما على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهيه عن عكسه تصلح حجة لكون الواو تقتضي الترتيب، وهو مذهب كثير من الفقهاء الشافعيين وشذوذ من النحويين، ومن قال: لا تقتضي الترتيب وهو المختار وقول الجمهور فله أن يقول: لم يكن ذلك لكونها تقتضي الترتيب، بل لأن فرض صوم رمضان نزل في السنة الثانية من الهجرة، ونزلت فريضة الحج سنة ست، وقيل: سنة تسع بالتاء المثناة فوق، ومن حق الأول أن يقدم في الذكر على الثاني، فمحافظة ابن عمر رضي الله عنهما لهذا. وأما رواية تقديم الحج فكأنه وقع ممن كان يرى الرواية بالمعنى، ويرى أن تأخير الأول أو الأهم في الذكر شائع في اللسان، فتصرف فيه بالتقديم
    والتأخير لذلك مع كونه لم يسمع نهي ابن عمر رضي الله عنهما عن ذلك فافهم ذلك فإنه من المشكل الذي لم أرهم بينوه. هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو بن الصلاح، وهذا الذي قاله ضعيف من وجهين: أحدهما: أن الروايتين قد ثبتتا في الصحيح وهما صحيحتان في المعنى لا تنافي بينهما كما قدمنا إيضاحه، فلا يجوز إبطال إحداهما. الثاني: أن فتح باب احتمال التقديم والتأخير في مثل هذا قدح في الرواة والروايات، فإنه لو فتح ذلك لم يبق لنا وثيق بشيء من الروايات إلا القليل، ولا يخفى بطلان هذا وما يترتب عليه من المفاسد وتعلق من يتعلق به ممن في قلبه مرض والله أعلم. ثم اعلم أنه وقع في رواية أبي عوانة الاسفرايني في كتابه المخرج على صحيح مسلم وشرطه عكس ما وقع في مسلم من قول الرجل لابن عمر: قدم الحج، فوقع فيه أن ابن عمر رضي الله عنهما قال للرجل: اجعل صيام رمضان آخرهن كما سمعت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله: لا يقاوم هذه الرواية ما رواه مسلم، قلت: وهذا محتمل أيضا صحته، ويكون قد جرت القضية مرتين لرجلين والله أعلم.
    وأما اقتصاره في الرواية الرابعة على إحدى الشهادتين فهو إما تقصير من الراوي في حذف الشهادة الأخرى التي أثبتها غيره من الحفاظ، وإما أن يكون وقعت الرواية من أصلها هكذا، ويكون من الحذف للاكتفاء بأحد القرينتين ودلالته على الاَخر المحذوف والله أعلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "على أن يوحد الله" هو بضم الياء المثناة من تحت وفتح الحاء مبني لما لم يسم فاعله. أما اسم الرجل الذي رد عليه ابن عمر رضي الله عنهما تقديم الحج فهو يزيد بن بشر السكسكي، ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه الأسماء المبهمة. وأما قوله: ألا تغزو فهو بالتاء المثناة من فوق للخطاب، ويجوز أن يكتب تغزوا بالألف وبحذفها، فالأول قول الكتاب المتقدمين، والثاني قول بعض المتأخرين وهو الأصح، حكاهما ابن قتيبة في أدب الكاتب. وأما جواب ابن عمر له بحديث: "بني الإسلام على خمس" فالظاهر أن معناه ليس الغزو بلازم على الأعيان، فإن الإسلام بني على خمس ليس الغزو منها والله أعلم. ثم إن هذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين وعليه اعتماده وقد جمع أركانه والله أعلم.‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:25 pm

    كتاب الإيمان.
    باب الأمر بالإِيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين، والدعاء إليه، والسؤال عنه، وحفظه، وتَبليغه من لم يبلغه.

    باب الأمر بالإِيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين، والدعاء إليه، والسؤال عنه، وحفظه، وتَبليغه من لم يبلغه
    حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَاللّفْظُ لَهُ. أَخْبَرَنَا عَبّادُ بْنُ عَبّادٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّا، هَذا الْحَيّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَقَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفّارُ مُضَرَ. فَلاَ نَخْلُصُ إِلَيكَ إِلاّ فِي شَهْرِ الْحَرَامِ. فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَعْمَلُ بِهِ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ. وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعِ. الإِيمَانِ بِاللّهِ (ثُمّ فَسّرَهَا لَهُمْ فَقَالَ) شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحَمّدا رَسُولُ اللّهِ وَإِقَامِ الصّلاَةِ. وَإِيتَاءِ الزّكَاةِ. وَأَنْ تُؤدّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدّبّاءِ. والْحَنْتَمِ. وَالنّقِيرِ. وَالْمُقَيّرِ" زَادَ خَلَفٌ فِي رِوَايَتِهِ "شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله" وَعَقَدَ وَاحِدَةً.
    حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحمّدُ بْنُ الْمُثّنَى، وَ مُحمّدُ بْنُ بَشّارٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شْعْبَةَ، وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ عَبّاسٍ، وَبَيْنَ النّاسِ. فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْأَلُهُ عَنْ نَبِيذِ الْجَرّ، فَقَالَ: إِنّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ الْوَفْدُ؟ أَوْ مَنِ الْقَوْمُ؟" قَالُوا: رَبِيعَةُ. قَالَ: "مَرْحَبا بِالْقَوْمِ. أَوْ بِالْوَفْدِ. غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ النَدَامَى". قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقّةٍ بَعِيدَةٍ، وَإِنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيّ مِنْ كُفّارِ مُضَرَ، وإنّا لا نَسْتَطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام. فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، نَدْخُلُ بِهِ الْجَنّةَ. قَالَ: فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ.
    قَالَ: أمرهم بالإيمان بِالله وَحْدَهُ. وَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِالله؟ قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحَمّدا رَسُولُ اللّهِ، وَإِقَامُ الصّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدّوا خُمُسا من المغنم" وَنَهَاهُمْ عَنْ الدّبّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفّتِ. قَالَ شُعْبَةُ: وَرُبّمَا قَالَ: النّقِيرِ. قَالَ شُعْبَةُ: وَرُبّمَا قَالَ: الْمُقَيّرِ. وَقَالَ "احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوا بِهِ مِنْ وَرَائِكُمْ". وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ "مَنْ وَرَاءَكُمْ" وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ الْمُقَيّر.
    وحدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ: حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا نَصْر بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي. قَالاَ جَمِيعا: حَدّثَنَا قُرّة بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ نَحْو حَدِيثِ شُعْبَةَ. وَقَالَ أَنْهَاكُمْ عَمّا يُنْبَذُ فِي الدّبّاءِ وَالنّقيرِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفّتِ" وَزَادَ ابْنُ مُعَاذٍ فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبْيهِ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَشَجّ، أشَجّ عَبْدِ الْقَيْسِ : "إِنّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبّهُمَا الله: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ".
    حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ: حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ: حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدّثَنَا مَنْ لَقِيَ الْوَفْدَ الّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ. قَالَ سَعِيدٌ: وَذَكَرَ قَتَادَةَ أَبَا نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ في حَدِيثِهِ هَذَا أَنّ أُناسا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا نَبِيّ اللّهِ! إِنّا حَيّ مِنْ رَبِيعَةَ. وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفّارُ مُضَرَ. وَلاَ نَقْدِرُ عَلَيْكَ إِلاّ فِي أَشْهُرِ الْحُرْمِ. فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْمُرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنّةَ، إِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ. وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَربَعٍ. اعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا. وَأَقِيمُوا الصّلاَةَ. وَآتُوا الزّكاةَ. وَصُومُوا رَمَضَانَ. وَأَعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْغَنَائِمِ. وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ. عَنِ الدّبّاءِ. وَالْحَنْتَم. وَالمُزَفّتِ وَالنّقِيرِ".
    قَالُوا: يَا نَبِيّ اللّهِ مَا عِلْمُكَ بِالنّقِيرِ؟ قَالَ "بَلَى. جِذعٌ تَنْقُرُونَهُ. فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيْعَاءِ" (قَالَ سَعِيدٌ: أَوْ قَالَ "مِنَ التّمْرِ) ثُمّ تَصُبّونَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ. حَتّى إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ شَرِبْتُمُوهُ. حَتّى أَنّ أَحَدَكُمْ (أَوْ إِنّ أَحَدَهُمْ) لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمّهِ بِالسّيْفِ". قَالَ وَفِي الْقَومِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ كَذَلِكَ. قَالَ وَكُنْتُ أَخْبَأُهَا حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: فَفِيمَ نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ "فِي أَسْقِيةِ الأَدَمِ، الّتِي يُلاَثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ. وَلاَ تَبْقَى بِهَا أَسْقِيَةُ الأَدَمِ. فَقَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ. وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ. وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ" قَالَ: وَقَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأَشَجّ عَبْدِ الْقَيْسِ "إِنّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبّهُمَا اللّهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ".
    حدّثني مُحمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ لَقِيَ ذَاكَ الْوَفْدَ. وَذَكَرَ أَبَا نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدَرِيّ(أَنّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ. غَيْرَ أَنّ فِيهِ "وَتَذِيفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيْعَاءِ أَوِ التّمْرِ وَالْمَاءِ" وَلَمْ يَقُلْ (قَالَ سَعْيدٌ أَوْ قَالَ مِنَ التّمْرِ".
    حدّثني مُحمّدُ بْنُ بَكّارٍ الْبَصْرِيّ: حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَاللّفْظُ لَهُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعْةَ أَنّ أَبَا نَضْرَةَ أَخْبَرَهُ، وَحَسَنا أَخْبَرَهُمَا أَنّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدَرِيّ أَخْبَرَهُ أَنّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمّا أَتَوا نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا نَبِيّ اللّهِ! جَعَلَنَا اللّهُ فِدَاءَكَ. مَاذَا يَصْلُحُ لَنَا مِنَ الأَشْرِبَةِ؟ فَقَالَ "لاَ تَشْرَبُوا فِي النّقِيرِ" قَالُوا: يَا نَبِيّ اللّهِ! جَعَلَنَا اللّهُ فِدَاءَكَ. أَوَ تَدْرِي مَا النّقِيرُ؟ قَالَ "نَعْمْ. الْجِذْعُ يُنْقَرُ وَسَطُهُ. وَلاَ فِي الدّبّاء، وَلاَ فِي الْحَنْتَمَةِ، وَعَلَيْكُم بِالْمُوكَى".
    هذا الباب فيه حديث ابن عباس وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم. فأما حديث ابن عباس ففي البخاري أيضا. وأما حديث أبي سعيد ففي مسلم خاصة. قوله في الرواية الأولى: (حدثنا حماد بن زيد عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما). وقوله في الرواية الثانية: (أخبرناعباد بن عباد عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما) قد يتوهم من لا يعاني هذا الفن أن هذا تطويل لا حاجة إليه، وأنه خلاف عادته وعادة الحفاظ، فإن عادتهم في مثل هذا أن يقولوا عن حماد وعباد عن أبي جمرة عن ابن عباس، وهذا التوهم يدل على شدة غباوة صاحبه وعدم مؤانسته بشيء من هذا الفن، فإن ذلك إنما يفعلونه فيما استوى فيه لفظ الرواة، وهنا اختلف لفظهم، ففي رواية حماد عن أبي جمرة سمعت ابن عباس، وفي رواية عباد عن أبي جمرة عن ابن عباس، وهذا التنبيه الذي ذكرته ينبغي أن يتفطن لمثله، وقد نبهت على مثله بأبسط من هذه العبارة في الحديث الأول من كتاب الإيمان، ونبهت عليه أيضا في الفصول، وسأنبه على مواضع منه أيضا مفرقة في مواضع من الكتاب إن شاء الله تعالى، والمقصود أن تعرف هذه الدقيقة ويتيقظ الطالب بما جاء منها فيعرفه، وإن لم أنص عليه اتكالاً
    على فهمه بما تكرر التنبيه به، وليستدل أيضا بذلك على عظم إتقان مسلم رحمه الله وجلالته وورعه ودقة نظره وحذقه والله أعلم. وأما أبو جمرة وهو بالجيم والراء واسمه نصر بن عمران بن عصام، وقيل: ابن عاصم الضبعي بضم الضاد المعجمة البصري، قال صاحب المطالع: ليس في الصحيحين والموطأ أبو جمرة ولا جمرة بالجيم إلا هو، قلت: وقد ذكر الحاكم أبو أحمد الحافظ الكبير شيخ الحاكم أبي عبد الله في كتابه الأسماء والكنى: أبا جمرة نصر بن عمران هذا في الأفراد، فليس عنده في المحدثين من يكنى أبا جمرة بالجيم سواه، ويروى عن ابن عباس حديثا واحدا ذكر فيه معاوية بن أبي سفيان وإرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم إليه ابن عباس وتأخره واعتذاره رواه مسلم في الصحيح. وحكى الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في كتابه علوم الحديث والقطعة التي شرحها في أول مسلم عن بعض الحفاظ أنه قال: شعبة بن الحجاج روى عن سبعة رجال يروون كلهم عن ابن عباس كلهم يقال له أبو حمزة بالحاء والزاي إلا أبا جمرة نصر بن عمران فبالجيم والراء، قال: والفرق بينهم يدرك بأن شعبة إذا أطلق وقال: عن أبي جمرة عن ابن عباس فهو بالجيم وهو نصر بن عمران، وإذا روى عن غيره ممن هو بالحاء
    والزاي فهو يذكر اسمه أو نسبه والله أعلم. قوله: (قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال صاحب التحرير: الوفد الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقي العظماء والمصير إليهم في المهمات واحدهم وافد، قال: ووفد عبد القيس هؤلاء تقدموا قبائل عبد القيس للمهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أربعة عشر راكبا: الأشج العصري رئيسهم، ومزيدة بن مالك المحاربي، وعبيدة بن همام المحاربي، وصحار بن العباس المري، وعمرو بن مرحوم العصري، والحارث بن شعيب العصري، والحارث بن جندب من بني عايش، ولم نعثر بعد طول التتبع على أكثر من أسماء هؤلاء، قال: وكان سبب وفودهم أن منقذ ابن حيان أحد بني غنم بن وديعة كان متجره إلى يثرب في الجاهلية فشخص إلى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فبينا منقذ بن حيان قاعد إذ مر به النبيّ صلى الله عليه وسلم فنهض منقذ إليه فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أمنقذ بن حيان؟ كيف جميع هيئتك وقومك؟ ثم سأله عن أشرافهم رجل رجل يسميهم بأسمائهم، فأسلم منقذ وتعلم سورة الفاتحة، واقرأ باسم ربك، ثم رحل قبل هجر، فكتب النبيّ صلى الله عليه وسلم معه
    إلى جماعة عبد القيس كتابا فذهب به وكتمه أياما، ثم اطلعت عليه امرأته وهي بنت المنذر بن عائذ بالذال المعجمة ابن الحارث، والمنذر هو الأشج سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم به الأثر كان في وجهه، وكان منقذ رضي الله عنه يصلي ويقرأ، فنكرت امرأته ذلك فذكرته لأبيها المنذر فقالت: أنكرت بعلي منذ قدم من يثرب أنه يغسل أطرافه ويستقبل الجهة تعني القبلة، فيحني ظهره مرة ويضع جبينه مرة، ذلك ديدنه منذ قدم، فتلاقيا فتجاريا ذلك فوقع الإسلام في قلبه، ثم ثار الأشج إلى قومه عصر ومحارب بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه عليهم فوقع الإسلام في قلوبهم، وأجمعوا على السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار الوفد فلما دنوا من المدينة قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لجلسائه: أتاكم وفد عبد القيس خير أهل المشرق وفيهم الأشج العصري غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين، إذ لم يسلم قوم حتى وتروا.
    قال: وقولهم: (إنا هذا الحي من ربيعة) لأنه عبد القيس بن أفصى يعني بفتح الهمزة وبالفاء والصاد المهملة المفتوحة ابن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وكانوا ينزلون البحرين الخط وأعنابها وسرة القطيف والسفار والظهران إلى الرمل إلى الأجرع ما بين هجر إلى قصر وبينونة ثم الجوف والعيون والأحساء إلى حد أطراف الدهنا وسائر بلادنا، هذا ما ذكره صاحب التحرير. قوله: إنا هذا الحي، فالحي منصوب على التخصيص، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: الذي نختاره نصب الحي على التخصيص ويكون الخبر في قولهم من ربيعة، ومعناه: إنا هذا الحي حي من ربيعة، وقد جاء بعد هذا في الرواية الأخرى إنا حي من ربيعة. وأما معنى الحي فقال صاحب المطالع: الحي اسم لمنزل القبيلة، ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض. قولهم: (وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر) سببه أن كفار مضر كانوا بينهم وبين المدينة فلا يمكنهم الوصول إلى المدينة إلا عليهم. قولهم: (ولا نخلص إليك إلا في شهر الحرام) معنى نخلص نصل، ومعنى كلامهم: إنا لا نقدر على الوصول إليك خوفا من أعدائنا الكفار إلا في الشهر الحرام، فإنهم لا يتعرضون لنا كما كانت عادة العرب من تعظيم الأشهر
    الحرم وامتناعهم من القتال فيها، وقولهم شهر الحرام كذا هو في الأصول كلها بإضافة شهر إلى الحرام. وفي الرواية الأخرى أشهر الحرم والقول فيه كالقول في نظائره من قولهم مسجد الجامع وصلاة الأولى، ومنه قول الله تعالى بجانب الغربي: "والدار الاَخرة" فعلى مذهب النحويين الكوفيين هو من إضافة الموصوف إلى صفته وهو جائز عندهم، وعلى مذهب البصريين لا تجوز هذه الإضافة، ولكن هذا كله عندهم على حذف في الكلام للعلم به، فتقديره شهر الوقت الحرام، وأشهر الأوقات الحرم، ومسجد المكان الجامع، ودار الحياة الاَخرة، وجانب المكان الغربي، ونحو ذلك والله أعلم. ثم أن قولهم: شهر الحرام المراد به جنس الأشهر الحرم وهي أربعة أشهر حرم كما نص عليه القرآن العزيز، وتدل عليه الرواية الأخرى بعد هذه إلا في أشهر الحرم، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، هذه الأربعة هي الأشهر الحرم بإجماع العلماء من أصحاب الفنون، ولكن اختلفوا في الأدب المستحسن في كيفية عدها على قولين، حكاهما الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب قال: ذهب الكوفيون إلى أنه يقال: المحرم ورجب ذو القعدة وذو الحجة، قال: والكتاب يميلون إلى
    هذا القول ليأتوا بهن من سنة واحدة، قال: وأهل المدينة يقولون: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وقوم ينكرون هذا ويقولون: جاؤوا بهن من سنتين، قال أبو جعفر: وهذا غلط بين وجهل باللغة لأنه قد علم المراد، وأن المقصود ذكرها، وأنها في كل سنة، فكيف يتوهم أنها من سنتين؟ قال: والأولى والاختيار ما قاله أهل المدينة، لأن الأخبار قد تظاهرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قالوا من رواية ابن عمر وأبي هريرة وأبي بكرة رضي الله عنهم، قال: وهذا أيضا قول أكثر أهل التأويل، قال النحاس: وأدخلت الألف واللام في المحرم دون غيره من الشهور، قال: وجاء من الشهور ثلاثة مضافات: شهر رمضان وشهرا ربيع، يعني والباقي غير مضافات، وسمي الشهر شهرا لشهرته وظهوره والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع، الإيمان بالله ثم فسرها لهم فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم. وفي رواية: شهادة أن لا إله إلا الله وعقد واحدة) وفي الطريق الأخرى قال: وأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، قال: أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: وهل تدرون ما الإيمان
    بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمسا من المغنم. وفي الرواية الأخرى قال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم. هذه ألفاظه هنا، وقد ذكر البخاري هذا الحديث في مواضع كثيرة من صحيحه وقال فيه في بعضها: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذكره في باب إجازة خبر الواحد، وذكره في باب بعد باب نسبة اليمن إلى إسماعيل صلى الله عليه وسلم في آخر ذكر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقال فيه: آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع، الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان بزيادة واو. وكذلك قال فيه في أول كتاب الزكاة: الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلا الله بزيادة واو أيضا ولم يذكر فيها الصيام. وذكر في باب حديث وفد عبد القيس: الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله، فهذه ألفاظ هذه القطعة في الصحيحين، وهذه الألفاظ مما يعد من المشكل، وليست مشكلة عند أصحاب التحقيق،
    والإشكال في كونه صلى الله عليه وسلم قال: آمركم بأربع، والمذكور في أكثر الروايات خمس.
    واختلف العلماء في الجواب عن هذا على أقوال أظهرها: ما قاله الإمام ابن بطال رحمه الله تعالى في شرح صحيح البخاري قال: أمرهم بالأربع التي وعدهم بها ثم زادهم خامسة يعني أداء الخمس، لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر، فكانوا أهل جهاد وغنائم. وذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح نحو هذا فقال: قوله أمرهم بالإيمان بالله أعاده لذكر الأربع ووصفه لها بأنها إيمان، ثم فسرها بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم، فهذا موافق لحديث: "بني الإسلام على خمس" ولتفسير الإسلام بخمس في حديث جبريل صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن ما يسمى إسلاما يسمى إيمانا، وأن الإسلام والإيمان يجتمعان ويفترقان، وقد قيل: إنما لم يذكر الحج في هذا الحديث لكونه لم يكن نزل فرضه. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وأن تؤدوا خمسا من المغنم" فليس عطفا على قوله: شهادة أن لا إله إلا الله، فإنه يلزم منه أن يكون الأربع خمسا، وإنما هو عطف على قوله بأربع فيكون مضافا إلى الأربع لا واحدا منها، وإن كان واحدا من مطلق شعب الإيمان. قال: وأما عدم ذكر الصوم في الرواية الأولى فهو إغفال من الراوي، وليس من الاختلاف الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل من
    اختلاف الرواة الصادر من تفاوتهم في الضبط والحفظ على ما تقدم بيانه، فافهم ذلك وتدبره تجده إن شاء الله تعالى مما هدانا الله سبحانه وتعالى لحله من العقد، هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو، وقيل في معناه غير ما قالاه مما ليس بظاهر فتركناه والله أعلم. وأما قول الشيخ: أن ترك الصوم في بعض الروايات إغفال من الراوي، وكذا قاله القاضي عياض وغيره وهو ظاهر لا شك فيه، قال القاضي عياض رحمه الله: وكانت وفاة عبد القيس عام الفتح قبل خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى مكة، ونزلت فريضة الحج سنة تسع بعدها على الأشهر والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وأن تؤدوا خمس ما غنمتم" ففيه إيجاب الخمس من الغنائم وإن لم يكن الإمام في السرية الغازية، وفي هذا تفصيل وفروع سننبه عليها في بابها إن وصلناه إن شاء الله تعالى، ويقال خمس بضم الميم وإسكانها، وكذلك الثلث والربع والسدس والسبع والثمن والتسع والعشر بضم ثانيها ويسكن والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير" وفي رواية: المزفت بدل المقير، فنضبطه ثم نتكلم على معناه إن شاء الله تعالى. فالدباء بضم الدال وبالمد وهو القرع
    اليابس أي الوعاء منه. وأما الحنتم فبحاء مهملة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة ثم ميم الواحدة حنتمة. وأما النقير فبالنون المفتوحة والقاف. وأما المقير فبفتح القاف والياء، فأما الدباء فقد ذكرناه. وأما الحنتم فاختلف فيها فأصح الأقوال وأقواها أنها جرار خضر، وهذا التفسير ثابت في كتاب الأشربة من صحيح مسلم عن أبي هريرة، وهو قول عبد الله بن مغفل الصحابي النبيّ صلى الله عليه وسلم، وبه قال الأكثرون أو كثيرون من أهل اللغة، وغريب الحديث والمحدثين والفقهاء. والثاني أنها الجرار كلها قاله عبد الله بن عمر وسعيد بن جبير وأبو سلمة. والثالث أنها جرار يؤتى بها من مصر مقيرات الأجواف، وروي ذلك عن أنس بن مالك النبيّ صلى الله عليه وسلم ونحوه عن ابن أبي ليلى وزاد: أنها حمر. والرابع عن عائشة رضي الله عنها جرار حمر أعناقها في جنوبها يجلب فيها الخمر من مصر. والخامس عن ابن أبي ليلى أيضا أفواهها في جنوبها يجلب فيها الخمر من الطائف، وكان ناس ينتبذون فيها يضاهون به الخمر. والسادس عن عطاء جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم. وأما النقير فقد جاء في تفسيره في الرواية الأخيرة أنه جذع ينقر وسطه. وأما المقير
    فهو المزفت وهو المطلي بالقار وهو الزفت، وقيل الزفت نوع من القار والصحيح الأول، فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: المزفت هو المقير. وأما معنى النهي عن هذه الأربع فهو أنه نهى عن الانتباذ فيها، وهو أن يجعل في الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب، وإنما خصت هذه بالنهي لأنه يسرع إليه الإسكار فيها فيصير حراما نجسا وتبطل ماليته، فنهى عنه لما فيه من إتلاف المال، ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه، ولم ينه عن الانتباذ في أسقية الأدم بل أذن فيها لأنها لرقتها لا يخفى فيها المسكر، بل إذا صار مسكرا شقها غالبا، ثم إن هذا النهي كان في أول الأمر، ثم نسخ بحديث بريدة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا" رواه مسلم في الصحيح، هذا الذي ذكرناه من كونه منسوخا هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء. قال الخطابي: القول بالنسخ هو أصح الأقاويل. قال: وقال قوم التحريم باق، وكرهوا الانتباذ في هذه الأوعية، ذهب إليه مالك وأحمد وإسحاق، وهو مروي عن ابن عمر وعباس رضي الله عنهم والله أعلم.
    قوله: (قال أبو بكر: حدثنا غندر عن شعبة، وقال الاَخران: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة) هذا من احتياط مسلم رضي الله عنه، فإن غندرا هو محمد بن جعفر، ولكن أبو بكر ذكره بلقبه والاَخران باسمه ونسبه، وقال أبو بكر عنه عن شعبة. وقال الاَخران عنه: حدثنا شعبة فحصلت مخالفة بينهما وبينه من وجهين، فلهذا نبه عليه مسلم رحمه الله تعالى. وقد تقدم في المقدمة أن دال غندر مفتوحة على المشهور، وأن الجوهري حكى ضمها أيضا، وتقدم بيان سبب تلقيبه بغندر. قوله: (كنت أترجم بين يدي ابن عباس وبين الناس) كذا هو في الأصول، وتقديره بين يدي ابن عباس بينه وبين الناس، فحذف لفظة بينه لدلالة الكلام عليها، ويجوز أن يكون المراد بين ابن عباس وبين الناس كما جاء في البخاري وغيره بحذف يدي، فتكون يدي عبارة عن الجملة كما قال الله تعالى: {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه} أي قدم، والله أعلم. وأما معنى الترجمة فهو التعبير عن لغة بلغة، ثم قيل: إنه كان يتكلم بالفارسية، فكان يترجم لابن عباس عمن يتكلم بها، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: وعندي أنه كان يبلغ كلام ابن عباس إلى من خفي عليه من الناس، إما لزحام منع من سماعه
    فأسمعهم، وإما لاختصار منع من فهمه فأفهمهم أو نحو ذلك، قال: وإطلاقه لفظ الناس يشعر بهذا، قال: وليست الترجمة مخصوصة بتفسير لغة بلغة أخرى، فقد أطلقوا على قولهم باب كذا اسم الترجمة لكونه يعبر عما يذكره بعده، هذا كلام الشيخ، والظاهر أن معناه أنه يفهمهم عنه ويفهمه عنهم والله أعلم. قوله: (فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر) أما الجر فبفتح الجيم وهو اسم جمع الواحدة جرة، ويجمع أيضا على جرار، وهو هذا الفخار المعروف، وفي هذا دليل على جواز استفتاء المرأة الرجال الأجانب وسماعها صوتهم وسماعهم صوتها للحاجة. وفي قوله: إن وفد عبد القيس الخ، دليل على أن مذهب ابن عباس رضي الله عنه أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية ليس بمنسوخ بل حكمه باق، وقد قدمنا بيان الخلاف فيه. قوله صلى الله عليه وسلم: (مرحبا بالقوم) منصوب على المصدر استعملته العرب وأكثرت منه، تريد به البر وحسن اللقاء، ومعناه صادقت رحبا وسعة. قوله صلى الله عليه وسلم: (غير خزايا ولا الندامى) هكذا هو في الأصول الندامى بالألف واللام، وخزايا بحذفهما، وروي في غير هذا الموضع بالألف واللام فيهما، وروي بإسقاطهما فيهما، والرواية فيه غير بنصب الراء على
    الحال، وأشار صاحب التحرير إلى أنه يروى أيضا بكسر الراء على الصفة للقوم والمعروف الأول، ويدل عليه ما جاء في رواية البخاري: "مرحبا بالقوم الذين جاؤوا وغير خزايا ولا ندامى" والله أعلم. أما الخزايا فجمع خزيان كحيران وحيارى، وسكران وسكارى، والخزيان المستحي وقيل: الذليل المهان. وأما الندامى فقيل إنه جمع ندمان بمعنى نادم وهي لغة في نادم، حكاها القزاز صاحب جامع اللغة والجوهري في صحاحه، وعلى هذا هو على بابه، وقيل: هو جمع نادم اتباعا للخزايا، وكان الأصل نادمين فأتبع لخزايا تحسينا للكلام، وهذا الاتباع كثير في كلام العرب وهو من فصيحه، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ارجعن مأزورات غير مأجورات" أتبع مأزورات لمأجورات، ولو أفرد ولم يضم إليه مأجورات لقال: موزورات، كذا قاله الفراء وجماعات قالوا: ومنه قول العرب: إني لاَتية بالغدايا والعشايا، جمعوا الغداة على غدايا اتباعا لعشايا، ولو أفردت لم يجز إلا غدوات، وأما معناه فالمقصود أنه لم يكن منكم تأخر عن الإسلام ولا عناد، ولا أصابكم إسار ولا سبأ، ولا ما أشبه ذلك مما تستحيون بسببه أو تذلون أو تهانون أو تندمون والله أعلم. قوله: (فقالوا يا رسول الله
    إنا نأتيك من شقة بعيدة) الشقة بضم الشين وكسرها لغتان مشهورتان وأفصحهما الضم وهي التي جاء بها القرآن العزيز. قال الإمام أبو إسحاق الثعلبي: وقرأ عبيد بن عمير بكسر الشين وهي لغة قيس، والشقة السفر البعيد، كذا قاله ابن السكيت وابن قتيبة وقطرب وغيرهم، قيل: سميت شقة لأنها تشق على الإنسان، وقيل: هي المسافة، وقيل: الغاية التي يخرج الإنسان إليها، فعلى القول الأول يكون قولهم بعيدة مبالغة في بعدها والله أعلم. قولهم: (فمرنا بأمر فصل) هو بتنوين أمر، قال الخطابي وغيره: هو البين الواضح الذي ينفصل به المراد ولا يشكل. قوله صلى الله عليه وسلم: (وأخبروا به من ورائكم، وقال أبو بكر في روايته: من وراءكم) هكذا ضبطناه وكذا هو في الأصول الأول بكسر الميم، والثاني بفتحها، وهما يرجعان إلى معنى واحد. قوله: (وحدثنا نصر بن علي الجهضمي) هو بفتح الجيم والضاد المعجمة وإسكان الهاء بينهما، وقد تقدم بيانه في شرح المقدمة. قوله: (قالا جميعا) فلفظة جميعا منصوبة على الحال ومعناه: اتفقا واجتمعا على التحديث بما يذكره، إما مجتمعين في وقت واحد، وإما في وقتين، ومن اعتقد أنه لا بد أن يكون ذلك في وقت واحد فقد غلط غلطا بينا.
    قوله: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج أشج عبد القيس: إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) أما الأشج فإسمه المنذر بن عائذ بالذال المعجمة العصري بفتح العين والصاد المهملتين، هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله ابن عبد البر والأكثرون أو الكثيرون. وقال ابن الكلبي: اسمه المنذر بن الحارث بن زياد بن عصر بن عوف، وقيل: اسمه المنذر بن عامر، وقيل: المنذر بن عبيد، وقيل: اسمه عائذ بن المنذر، وقيل: عبد الله بن عوف. وأما الحلم فهو العقل. وأما الأناة. فهي التثبت وترك العجلة وهي مقصورة، وسبب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم له ما جاء في حديث الوفد: "أنهم لما وصلوا المدينة بادروا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأقام الأشج عند رحالهم فجمعها وعقل ناقته ولبس أحسن ثيابه ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقربه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبه، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: تبايعون على أنفسكم وقومكم؟ فقال القوم: نعم، فقال الأشج: يا رسول الله إنك لم تزاول الرجل عن شيء أشد عليه من دينه نبايعك على أنفسنا ونرسل من يدعوهم، فمن اتبعنا كان منا، ومن أبى قاتلناه، قال: صدقت إن فيك
    خصلتين" الحديث. قال القاضي عياض: فالأناة تربصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل. والحلم هذا القول الذي قاله الدال على صحة عقله وجودة نظره للعواقب، قلت: ولا يخالف هذا ما جاء في مسند أبي يعلى وغيره أنه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج: "إن فيك خصلتين" الحديث، قال: "يا رسول الله كانا في أم حدثا؟ قال: بل قديم، قال: قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما".
    قوله: (حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: حدثنا من لقي الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد القيس، قال سعيد: وذكر قتادة أبا نضرة عن أبي سعيد الخدري) معنى هذا الكلام أن قتادة حدث بهذا الحديث عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري كما جاء مبينا في الرواية التي بعد هذا من رواية ابن أبي عدي، وأما أبو عروبة بفتح العين فاسمه مهران، وهكذا يقوله أهل الحديث وغيرهم عروبة بغير ألف ولام، وقال ابن قتيبة في كتابه أدب الكاتب في باب ما تغير من أسماء الناس: هو ابن أبي العروبة بالألف واللام، يعني أن قولهم عروبة لحن. وذكره ابن قتيبة في كتابه المعارف كما ذكره غيره فقال: سعيد بن أبي عروبة يكنى أبا النضر لا عقب له، يقال أنه لم يمس امرأة قط، واختلط في آخر عمره، وهذا الذي قاله من اختلاطه كذا قاله غيره واختلاطه مشهور، قال يحيى بن معين: وخلط سعيد بن أبي عروبة بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن سنة ثنتين وأربعين يعني ومائة، ومن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء، ويزيد بن هارون صحيح السماع منه بواسط، وأثبت الناس سماعا منه عبدة بن سليمان، قلت: وقد مات سعيد بن أبي عروبة سنة ست وخمسين ومائة،
    وقيل: سنة سبع وخمسين، وقد تقرر من القاعدة التي قدمناها أن من علمنا أنه روى عن المختلط في حال سلامته قبلنا روايته واحتججنا بها، ومن روى في حال الاختلاط أو شككنا فيه لم نحتج بروايته، وقد قدمنا أيضا أن من كان من المختلطين محتجا به في الصحيحين فهو محمول على أنه ثبت أخذ ذلك عنه قبل الاختلاط والله أعلم. وأما أبو نضرة بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة فاسمه المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف وإسكان الطاء العوقي بفتح العين والواو وبالقاف، هذا هو المشهور الذي قاله الجمهور. وحكى صاحب المطالع أن بعضهم سكن الواو من العوقي، والعوقة بطن من عبد القيس وهو بصري والله أعلم. وأما أبو سعيد الخدري فاسمه سعد بن مالك بن سنان منسوب إلى بني خدرة، وكان أبوه مالك رضي الله عنه صحابيا أيضا قتل يوم أحد شهيدا. قوله صلى الله عليه وسلم: (فتقذفون فيه من القطيعاء) أما تقذفون فهو بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم قاف ساكنة ثم ذال معجمة مكسورة ثم فاء ثم واو ثم نون، كذا وقع في الأصول كلها في هذا الموضع الأول، ومعناه تلقون فيه وترمون. وأما قوله في الرواية الأخرى وهي رواية محمد بن المثنى وابن بشار عن ابن أبي عدي: وتذيفون به من
    القطيعاء فليست فيها قاف، وروي بالذال المعجمة وبالمهملة وهما لغتان فصيحتان وكلاهما بفتح التاء، وهو من ذاف يذيف بالمعجمة، كباع يبيع، وداف يدوف بالمهملة، كقال يقول، وإهمال الدال أشهر في اللغة، وضبطه بعض رواة مسلم بضم التاء على رواية المهملة، وعلى رواية المعجمة أيضا جعله من أذاف، والمعروف فتحها من ذاف وأذاف، ومعناه على الأوجه كلها خلط والله أعلم. وأما القطيعاء فبضم القاف وفتح الطاء وبالمد وهو نوع من التمر صغار يقال له الشهريز بالشين المعجمة والمهملة، وبضمهما وبكسرهما. قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى إن أحدكم أو إن أحدهم ليضرب ابن عمه بالسيف) معناه إذا شرب هذا الشراب سكر فلم يبق له عقل وهاج به الشر فيضرب ابن عمه الذي هو عنده من أحب أحبابه، وهذه مفسدة عظيمة ونبه بها على ما سواها من المفاسد. وقوله: أحدكم أو أحدهم شك من الراوي والله أعلم. قوله: (وفي القوم رجل أصابته جراحة) واسم هذا الرجل جهم وكانت الجراحة في ساقه. قوله صلى الله عليه وسلم: (في أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها) أما الأدم فبفتح الهمزة والدال جمع أديم وهو الجلد الذي تنم دباغه. وأما يلاث على أفواهها فبضم المثناة من تحت وتخفيف
    اللام وآخره ثاء مثلثة، كذا ضبطناه وكذا هو في أكثر الأصول، وفي أصل الحافظ: أبي عامر العبدري ثلاث بالمثناة فوق وكلاهما صحيح، فمعنى الأول: يلف الخيط على أفواهها ويربط به. ومعنى الثاني: تلف الأسقية على أفواهها، كما يقال: ضربته على رأسه. قوله: (إن أرضنا كثيرة الجرذان) كذا ضبطناه كثيرة بالهاء في آخره، ووقع في كثير من الأصول كثير بغير هاء، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: صح في أصولنا كثير من غير تاء التأنيث، والتقدير فيه على هذا أرضنا مكان كثير الجرذان، ومن نظائره قول الله عز وجل: {إن رحمة الله قريب من المحسنين}. وأما الجرذان فبكسر الجيم وإسكان الراء وبالذال المعجمة جمع جرذ بضم الجيم وفتح الراء كنغر ونغران، وصرد وصردان، والجرذ نوع من الفار، كذا قاله الجوهري وغيره. وقال الزبيدي في مختصر العين: هو الذكر من الفار، وأطلق جماعة من شراح الحديث أنه الفار. قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان) هكذا هو في الأصول مكرر ثلاث مرات.
    قوله: (قالا ثنا ابن أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم، وإبراهيم هو أبو عدي.
    (يتبع...)‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:26 pm

    كتاب الإيمان.
    باب الأمر بالإِيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين، والدعاء إليه، والسؤال عنه، وحفظه، وتَبليغه من لم يبلغه.

    (تابع... 1): حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ... ...
    قوله: (حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج) أما أبو عاصم فالضحاك بن مخلد النبيل. وأما ابن جريج فهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. قوله: (حدثني محمد بن رافع، ثنا عبد الرزاق، أنا ابن جريج قال: أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة أخبره وحسنا أخبرهما أن أبا سعيد الخدري أخبره) هذا الإسناد معدود في المشكلات، وقد اضطربت فيه أقوال الأئمة، وأخطأ فيه جماعات من كبار الحفاظ، والصواب فيه ما حققه وحرره وبسطه وأوضحه الإمام الحافظ أبو موسى الأصبهاني في الجزء الذي جمعه فيه وما أحسنه وأجوده، وقد لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله فقال: هذا الإسناد أحد المعضلات، ولإعضاله وقع فيه تعبيرات من جماعة واهمة، فمن ذلك رواية أبي نعيم الأصبهاني في مستخرجه على كتاب مسلم بإسناده: أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة وحسنا أخبرهما أن أبا سعيد الخدري أخبره، وهذا يلزم منه أن يكون أبو قزعة هو الذي أخبر أبا نضرة وحسنا عن أبي سعيد، ويكون أبو قزعة هو الذي سمع من أبي سعيد وذلك منتف بلا شك، ومن ذلك أن أبا علي الغساني صاحب تقييد المهمل رد رواية مسلم هذه، وقلده في ذلك صاحب المعلم، ومن شأنه تقليده فيما يذكره من علم الأسانيد، وصوبهما في
    ذلك القاضي عياض فقال أبو علي: الصواب في الإسناد عن ابن جريج قال: أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة وحسنا أخبراه أن أبا سعيد أخبره، وذكر أنه إنما قال أخبره ولم يقل أخبرهما لأنه رد الضمير إلى أبي نضرة وحده وأسقط الحسن لموضع الإرسال، فإنه لم يسمع من أبي سعيد ولم يلقه، وذكر أنه بهذا اللفظ الذي ذكره مسلم خرجه أبو علي بن السكن في مصنفه بإسناده قال: وأظن أن هذا من إصلاح ابن السكن، وذكر الغساني أيضا أنه رواه كذلك أبو بكر البزار في مسنده الكبير بإسناده، وحكى عنه وعن عبد الغني بن سعيد الحافظ أنهما ذكرا أن حسنا هذا هو الحسن البصري، وليس الأمر في ذلك على ما ذكروه، بل ما أورده مسلم في هذا الإسناد هو الصواب، وكما أورده أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن ابن جريج، وقد انتصر له الحافظ أبو موسى الأصبهاني رحمه الله، وألف في ذلك كتابا لطيفا تبجح فيه بإجادته وإصابته مع وهم غير واحد فيه، فذكر أن حسنا هذا هو الحسن بن مسلم بن يناق الذي روى عنه ابن جريج غير هذا الحديث، وأن معنى هذا الكلام أن أبا نضرة أخبره بهذا الحديث أبا قزعة وحسن بن مسلم كليهما، ثم أكد ذلك بأن أعاد فقال: أخبرهما أن أبا سعيد أخبره يعني أخبر
    أبو سعيد أبا نضرة، وهذا كما تقول: أن زيدا جاءني وعمرا جاءني فقالا كذا وكذا، وهذا من فصيح الكلام، واحتج على أن حسنا فيه هو الحسن بن مسلم بن يناق بن سلمة بن شبيب وهو ثقة، رواه عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة أخبره، وحسن بن مسلم بن يناق أخبرهما أن أبا سعيد أخبره الحديث. ورواه أبو الشيخ الحافظ في كتابه المخرج على صحيح مسلم، وقد أسقط أبو مسعود الدمشقي وغيره ذكر حسن من الإسناد لأنه مع إشكاله لا مدخل له في الرواية، وذكر الحافظ أبو موسى ما حكاه أبو علي الغساني وبين بطلانه وبطلان رواية من غير الضمير في قوله أخبرهما وغير ذلك من التغييرات، ولقد أجاد وأحسن رضي الله عنه، هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو رحمه الله، وفي هذا القدر الذي ذكره أبلغ كفاية، وإن كان الحافظ أبو موسى قد أطنب في بسطه وإيضاحه بأسانيده واستشهاداته، ولا ضرورة إلى زيادة على هذا القدر والله أعلم. وأما أبو قزعة المذكور فاسمه سويد بن حجير بحاء مهملة مضمومة ثم جيم مفتوحة وآخره راء وهو باهلي بصري، انفرد مسلم بالرواية له دون البخاري، وقزعة بفتح القاف وبفتح الزاي وإسكانها، ولم يذكر أبو علي الغساني في تقييد
    المهمل سوى الفتح، وحكى القاضي عياض فيه الفتح والإسكان، ووجد بخط ابن الأنباري بالإسكان، وذكر ابن مكي في كتابه فيما يلحن فيه أن الإسكان هو الصواب والله أعلم. قولهم: (جعلنا الله فداك) هو بالكسر الفاء وبالمد ومعناه يقيك المكاره. قوله صلى الله عليه وسلم: (وعليكم بالموكى) هو بضم الميم وإسكان الواو مقصور غير مهموز ومعناه: انبذوا في السقاء الدقيق الذي يوكى أي يربط فوه بالوكاء وهو الخيط الذي يربط به والله أعلم. هذا ما يتعلق بألفاظ هذا الحديث. وأما أحكامه ومعانيه فقد اندرج جمل منها فيما ذكرته، وأنا أشير إليها ملخصة مختصرة مرتبة. ففي هذا الحديث وفادة الرؤساء والأشراف إلى الأئمة عند الأمور المهمة، وفيه تقديم الاعتذار بين يدي المسألة، وفيه بيان مهمات الإسلام وأركانه ما سوى الحج، وقد قدمنا أنه لم يكن فرض، وفيه استعانة العالم في تفهيم الحاضرين، والفهم عنهم ببعض أصحابه كما فعله ابن عباس رضي الله عنهما، وقد يستدل به على أنه يكفي في الترجمة في الفتوى والخبر قول واحد، وفيه استحباب قول الرجل لزواره والقادمين عليه: مرحبا ونحوه، والثناء عليهم إيناسا وبسطا، وفيه جواز الثناء على الإنسان فيه وجهه إذا
    لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه، وأما استحبابه فيختلف بحسب الأحوال والأشخاص.
    وأما النهي عن المدح في الوجه فهو في حق من يخاف عليه الفتنة بما ذكرناه، وقد مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة في الوجه فقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: "لست منهم" وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر لا تبك إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر". "ولو كنت متخذا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً". وقال له: "وأرجو أن تكون منهم أي من الذين يدعون من أبواب الجنة". وقال صلى الله عليه وسلم: "ائذن له وبشره بالجنة. وقال صلى الله عليه وسلم: "اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" وقال صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة ورأيت قصرا فقلت لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك، فقال عمر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أعليك أغار؟" وقال له: "ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك". وقال صلى الله عليه وسلم: "افتح لعثمان وبشره بالجنة" وقال لعلي رضي الله عنه: "أنت مني وأنا منك" وفي الحديث الاَخر: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟" وقال صلى الله عليه وسلم لبلال: "سمعت دق نعليك في الجنة". وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله
    بن سلام: "أنت على الإسلام حتى تموت". وقال للأنصاري: "ضحك الله عز وجل أو عجب من فعالكما". وقال للأنصار: "أنتم من أحب الناس إلي". ونظائر هذا كثيرة من مدحه صلى الله عليه وسلم في الوجه. وأما مدح الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يقتدى بهم رضي الله عنهم أجمعين فأكثر من أن يحصر والله أعلم. وفي حديث الباب من الفوائد أنه لا عتب على طالب العلم والمستفتى إذا قال للعالم: أوضح لي الجواب، ونحو هذه العبارة وفيه: أنه لا بأس بقول رمضان من غير ذكر الشهر، وفيه جواز مراجعة العالم على سبيل الاسترشاد والاعتذار ليتلطلف له في جواب لا يشق عليه، وفيه تأكيد الكلام وتفخيمه ليعظم وقعه في النفس، وفيه جواز قول الإنسان لمسلم: جعلني الله فداك، فهذه أطراف مما يتعلق بهذا الحديث، وهي وإن كانت طويلة فهي مختصرة بالنسبة إلى طالبي التحقيق والله أعلم. وله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:35 pm

    كتاب الإيمان.
    باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.

    باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام
    حدّثنا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيُبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ، وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعا عَنْ وَكِيعٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ زَكَرِيّاءَ بْنِ إِسْحَقَ. قَالَ: حَدّثَنِي يَحْيَىَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَيْفِيَ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جبَلٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ربّمَا قَالَ وَكِيعٌ : عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ مُعَاذا قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "إِنّكَ تَأْتِي قَوْما مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله. وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ. فَأَعْلِمْهُمْ أَنّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ. وَاتّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللّهِ حِجَابٌ".
    حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ السّرِيّ. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ إِسْحَقَ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. عَن زَكَرِيّاءَ بْنِ إِسْحَقَ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ صَيْفِيّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذا إِلَى الْيَمنِ. فَقَالَ: "إِنّكَ سَتَأْتِي قَوْما" بِمثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ.
    حدّثنا أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيّ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدّثَنَا رَوْحٌ (وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ)، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيّةَ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَيْفِيَ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمّا بَعَثَ مُعَاذا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: "إِنّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ. فَلْيَكُنْ أَوّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ الله عَزّ وَجَلّ. فَإِذَا عَرَفُوا الله، فَأَخْبِرْهُمْ أَنّ الله فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ. فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدّ عَلَىَ فُقَرَائِهِمْ. فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ".
    فيه بعث معاذ إلى اليمن، وهو متفق عليه في الصحيحين. قوله: (عن أبي معبد عن ابن عباس عن معاذ قال أبو بكر، وربما قال وكيع عن ابن عباس أن معاذا قال) هذا الذي فعله مسلم رحمه الله نهاية التحقيق والاحتياط والتدقيق، فإن الرواية الأولى قال فيها عن معاذ، والثانية أن معاذا، وبين أن وعن فرق، فإن الجماهير قالوا: أن كعن فيحمل على الاتصال، وقال جماعة: لا تلتحق أن بعن، بل تحمل أن على الانقطاع ويكون مرسلاً، ولكنه هنا يكون مرسل صحابي له حكم المتصل على المشهور من مذاهب العلماء، وفيه قول الأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني الذي قدمناه في الفصول أنه لا يحتج به، فاحتاط مسلم رحمه الله وبين اللفظين والله أعلم. وأما أبو معبد فاسمه نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة وهو مولى ابن عباس، قال عمرو بن دينار: كان من أصدق موالي ابن عباس رضي الله عنهما. قوله صلى الله عليه وسلم: (إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم،
    فإن أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) أما الكرائم فجمع كريمة، قال صاحب المطالع: وهي جامعة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة، أو كثرة لحم أو صوف وهكذا الرواية، فإياك وكرائم بالواو في قوله وكرائم، قال ابن قتيبة: ولا يجوز إياك كرائم أموالهم بحذفها، ومعنى ليس بينها وبين الله حجاب أي أنها مسموعة لا ترد، وفي هذا الحديث قبول خبر الواحد ووجوب العمل به، وفيه أن الوتر ليس بواجب، لأن بعث معاذ إلى اليمن كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل بعد الأمر بالوتر والعمل به، وفيه أن السنة أن الكفار يدعون إلى التوحيد قبل القتال، وفيه أنه لا يحكم بإسلامه إلا بالنطق بالشهادتين، وهذا مذهب أهل السنة كما قدمنا بيانه في أول كتاب الإيمان، وفيه أن الصلوات الخمس تجب في كل يوم وليلة، وفيه بيان عظم تحريم الظلم، وأن الإمام ينبغي أن يعظ ولاته، ويأمرهم بتقوى الله تعالى، ويبالغ في نهيهم عن الظلم، ويعرفهم قبح عاقبته، وفيه أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم المال في أداء الزكاة بل يأخذ الوسط، ويحرم على رب المال إخراج شر المال، وفيه أن الزكاة لا تدفع
    إلى كافر، ولا تدفع أيضا إلى غني من نصيب الفقراء، واستدل به الخطابي وسائر أصحابنا على أن الزكاة لا يجوز نقلها عن بلد المال لقوله صلى الله عليه وسلم: "فترد في فقرائهم" وهذا الاستدلال ليس بظاهر، لأن الضمير في فقرائهم محتمل لفقراء المسلمين، ولفقراء أهل تلك البلدة والناحية، وهذا الاحتمال أظهر، واستدل به بعضهم على أن الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الشريعة من الصلاة والصوم والزكاة وتحريم الزنا ونحوها لكونه صلى الله عليه وسلم قال: "فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن عليهم" فدل على أنهم لم يطيعوا لا يجب عليهم، وهذا الاستدلال ضعيف، فإن المراد أعلمهم أنهم مطالبون بالصلوات وغيرها في الدنيا، والمطالبة في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام، وليس يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها يزاد في عذابهم بسببها في الاَخرة، ولأنه صلى الله عليه وسلم رتب ذلك في الدعاء إلى الإسلام وبدأ بالأهم فالأهم، ألا تراه بدأ صلى الله عليه وسلم بالصلاة قبل الزكاة؟ ولم يقل أحد أنه يصير مكلفا بالصلاة دون الزكاة والله اعلم. ثم أعلم أن المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به والمنهى عنه، هذا قول المحققين والأكثرين، وقيل:
    ليسوا مخاطبين بها، وقيل: مخاطبون بالمنهى دون المأمور والله أعلم. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: هذا الذي وقع في حديث معاذ من ذكر بعض دعائم الإسلام دون بعض هو من تقصير الراوي كما بيناه فيما سبق من نظائره والله أعلم.
    قوله: (في الرواية الثانية: حدثنا ابن أبي عمر) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني أبو عبد الله، سكن مكة، وفيها عبد بن حميد هو الإمام المعروف صاحب المسند يكنى أبا محمد قيل اسمه عبد الحميد، وفيها أبو عاصم هو النبيل الضحاك بن مخلد. قوله: (عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث معاذا) هذا اللفظ يقتضي أن الحديث من مسند ابن عباس، وكذلك الرواية التي بعده. وأما الأولى فمن مسند معاذ، ووجه الجمع بينهما أن يكون ابن عباس سمع الحديث من معاذ، فرواه تارة عنه متصلاً وتارة أرسله فلم يذكر معاذا، وكلاهما صحيح كما قدمناه أن مرسل الصحابي إذا لم يعرف المحذوف يكون حجة، فكيف وقد عرفناه في هذا الحديث أنه معاذ؟ ويحتمل أن ابن عباس سمعه من معاذ وحصر القضية، فتارة رواها بلا واسطة لحضوره إياها، وتارة رواها عن معاذ، إما لنسيانه الحضور، وإما لمعنى آخر، والله أعلم.
    قوله: (حدثنا أمية بن بسطام العيشي) أما بسطام فكسر الباء الموحدة هذا هو المشهور. وحكي صاحب المطالع أيضا فتحها، واختلف في صرفه، فمنهم من صرفه، ومنهم من لم يصرفه. قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله: بسطام عجمي لا ينصرف، قال ابن دريد: ليس من كلام العرب، قال: ووجدته في كتاب ابن الجواليقي في المعرب مصروفا وهو بعيد، هذا كلام الشيخ أبي عمرو. وقال الجوهري في الصحاح: بسطام ليس من أسماء العرب، وإنما سمى قيس بن مسعود ابنه بسطاما باسم ملك من ملوك فارس كما سموا قابوس فعربوه بكسر الباء والله أعلم. وأما العيشي فبالشين المعجمة وهو منسوب إلى بني عايش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة، وكان أصله العايشي ولكنهم خففوه، قال الحاكم أبو عبد الله الخطيب أبو بكر البغدادي: العيشيون بالشين المعجمة بصريون، والعبسيون بالياء الموحدة والسين المهملة كوفيون، والعنسيون بالنون والسين المهملة شاميون، وهذا الذي قالاه هو الغالب والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم إلى آخره) قال القاضي عياض رحمه الله: هذا يدل على أنهم ليسوا بعارفين الله تعالى، وهو مذهب
    حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله تعالى، وإن كانوا يعبدونه ويظهرون معرفته لدلالة السمع عندهم على هذا، وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى من كذب رسولاً. قال القاضي عياض رحمه الله: ما عرف الله تعالى من كذب رسولاً. قال القاضي عياض رحمه الله: ما عرف الله تعالى من شبهه وجسمه من اليهود، أو أجاز عليه البداء، أو أضاف إليه الولد منهم، أو أضاف إليه الصاحبة والولد، وأجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى، أو وصفه مما لا يليق به، أو أضاف إليه الشريك والمعاند في خلقه من المجوس والثنوية، فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به، إذ ليس موصوفا بصفات الإله الواجبة له، فإذن ما عرفوا الله سبحانه، فتحقق هذه النكتة واعتمد عليها، وقد رأيت معناها لمتقدمي أشياخنا، وبها قطع الكلام أبو عمران الفارسي بين عامة أهل القيروان عند تنازعهم في هذه المسألة، هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى. قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخيرة: (فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم) قد يستدل بلفظة من أموالهم، على أنه إذا امتنع من الزكاة أخذت من ماله بغير اختياره، وهذا
    الحكم لا خلاف فيه، ولكن هل تبرأ ذمته ويجزيه ذلك في الباطن؟ فيه وجهان لأصحابنا والله أعلم.‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:36 pm

    كتاب الإيمان.
    باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله.

    باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
    ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبيصلى الله عليه وسلم، وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى الله تعالى. وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الإسلام، واهتمام الإمام بشعائر الإسلام
    حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ الزّهْرِيّ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ لأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله. فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله فَقَدْ عَصَمَ مِنّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاّ بِحَقّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله؟" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالله لأُقَاتِلَنّ مَنْ فَرّقَ بَيْنَ الصّلاَةِ وَالزّكَاةِ، فَإِنّ الزّكَاةَ حَقّ الْمَالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: فَوَالله مَا هُوَ إِلاّ أَنْ رَأَيْتُ الله عَزّ وَجَلّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي
    بَكْرٍ لِلْقِتَالِ. فَعَرفتُ أَنّهُ الْحَقّ.
    وحدّثنا أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسىَ قَالَ: أَحْمَدُ: حَدّثَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسِ حَتّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ. فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، عَصَمَ مِنّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاّ بِحَقّهِ. وَحِسَابُهُ عَلَى اللّهِ".
    حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ)، عَنْ الْعَلاَءِ. ح وَحَدّثَنَا أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامَ، وَاللّفْظُ لَهُ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ابْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله. وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاّ بِحَقّهَا. وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله".
    وحدّثنا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ:. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ" بِمثْلِ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنِي مُحمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيَ) قَالاَ جَمِيعا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله. فَإِذَا قَالُوا: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله عَصَمُوا مِنّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاّ بِحَقّهَا. وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله". ثُمّ قَرَأَ: {إِنّمَا أَنْتَ مُذَكّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ}. (الغاشية الاَيتان: ).
    حدّثنا أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ، الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمِلكِ بْنُ الصّبّاحِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحمّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّ مُحَمّدا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَيُقِيمُوا الصّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزّكَاةَ. فَإِذَا فَعَلُوا عَصَمُوا مِنّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاّ بِحَقّهَا. وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللّهِ"..
    وحدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالاَ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِيَانِ الْفَزَارِيّ). عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللّهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ. وَحِسَابُهُ عَلَى اللّهِ".
    وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "مَنْ وَحّدَ اللّهَ" ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
    أما أسماء الرواة ففيه عقيل عن الزهري هو بضم العين وتقدم في الفصول بيانه، وفيه يونس وقد تقدم بيانه، وأن فيه ستة أوجه: ضم النون وكسرها وفتحها مع الهمز وتركه، وفيه سعيد بن المسيب وقد قدمنا أن المسيب بفتح الياء على المشهور وقيل بكسرها، وفيه أحمد بن عبدة بإسكان الباء، وفيه أمية بن بسطام تقدم بيانه في الباب قبله، وفيه حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، وعن أبي صالح عن أبي هريرة. فقوله: وعن أبي صالح يعني رواه الأعمش أيضا عن أبي صالح. وقد تقدم أن اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من نحو ثلاثين قولاً، وأن اسم أبي صالح ذكوان السمان، وأن اسم أبي سفيان طلحة بن نافع، وأن اسم الأعمش سليمان بن مهران. وأما غياث فبالغين المعجمة وآخره مثلثة. وفيه أبو الزبير وقد تقدم في كتاب الإيمان أن اسمه محمد بن مسلم بن تدرس بفتح المثناة فوق. وفيه أبو غسان المسمعي مالك بن عبد الواحد هو بكسر الميم الأولى وفتح الثانية وإسكان المهملة بينهما، منسوب إلى مسمع بن ربيعة، وتقدم بيان صرف غسان وعدمه وأنه يجوز الوجهان فيه. وفيه واقد بن محمد وهو بالقاف، وقد قدمنا في الفصول أنه ليس في الصحيحين وافد بالفاء
    بل كله بالقاف. وفيه أبو خالد الأحمر وأبو مالك عن أبيه، فأبو مالك اسمه سعد بن طارق وطارق صحابي، وقد تقدم ذكرهما في باب أركان الإسلام، وتقدم فيه أيضا أن أبا خالد اسمه سليمان بن حيان بالمثناة. وفيه عبد العزيز الدراوردي وهو بفتح الدال المهملة وبعدها راء ثم ألف ثم واو مفتوحة ثم راء أخرى ساكنة ثم دال أخرى ثم ياء النسب، واختلف في وجه نسبته، فالأصح الذي قاله المحققون أنه نسبة إلى درابجرد بفتح الدال الأولى وبعدها راء ثم ألف ثم باء موحدة مفتوحة ثم جيم مكسورة ثم راء ساكنة ثم دال، فهذا قول جماعات من أهل العربية واللغة منهم الأصمعي وأبو حاتم السجستاني، وقاله من المحدثين أبو عبد الله البخاري الإمام، وأبو حاتم بن حبان البستي، وأبو نصر الكلاباذي وغيرهم قالوا: وهو من شواذ النسب، قال أبو حاتم: وأصله درابي أو جردي ودرابي أجود، قالوا: ودرابجرد مدينة بفارس، قال البخاري والكلاباذي: كان جد عبد العزيز هذا منها، وقال البستي: كان أبوه منها، وقال ابن قتيبة وجماعة من أهل الحديث: هو منسوب إلى دراورد، ثم قيل: دراورد هي درابجرد، وقيل: بل هي قرية بخراسان. وقال السمعاني في كتاب الأنساب قيل: إنه من أندرابه يعني
    بفتح الهمزة وبعدها نون ساكنة ثم دال مهملة مفتوحة ثم راء ثم ألف ثم باء موحدة ثم هاء، وهي مدينة من عمل بلخ، وهذا الذي قاله السمعاني لائق بقول من يقول فيه الاندراوردي. وأما فقهه ومعانيه فقوله: (لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه بعده وكفر من كفر من العرب) قال الخطابي رحمه الله في شرح هذا الكلام كلاما حسنا لا بد من ذكره لما فيه من الفوائد، قال رحمه الله: مما يجب تقديمه في هذا أن يعلم أن أهل الردة كانوا صنفين: صنف ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة وعادوا إلى الكفر وهم الذين عناهم أبو هريرة بقوله: وكفر من كفر من العرب، وهذه الفرقة طائفتان: إحداهما أصحاب مسيلمة من بني حنيفة وغيرهم الذين صدقوه على دعواه في النبوة، وأصحاب الأسود العنسي ومن كان من مستجيبيه من أهل اليمن وغيرهم، وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مدعية النبوة لغيره، فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه حتى قتل الله مسيلمة باليمامة، والعنسي بصنعاء، وانفضت جموعهم، وهلك أكثرهم. والطائفة الأخرى ارتدوا عن الدين وأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة والزكاة وغيرها من أمور الدين، وعادوا إلى
    ما كانوا عليه في الجاهلية، فلم يكن يسجد لله تعالى في بسيط الأرض إلا في ثلاثة مساجد: مسجد مكة، ومسجد المدينة، ومسجد عبد القيس في البحرين في قرية يقال لها جواثا. ففي ذلك يقول الأعور الشني يفتخر بذلك:
    والمسجد الثالث الشرقي كان لنا والمنبران وفصل القول في الخطب
    أيام لا منبر للناس نعرفهإلا بطيبة والمحجوب ذي الحجب
    وكان هؤلاء المتمسكون بدينهم من الأزد محصورين بجواثا إلى أن فتح الله سبحانه على المسلمين اليمامة، فقال بعضهم وهو رجل من بني أبي بكر بن كلاب يستنجد أبا بكر الصديق رضي الله عنه:
    ألا أبلغ أبا بكر رسولا وفتيان المدينة أجمعينا
    فهل لكم إلى قوم كرام قعود في جواثا محصرينا
    كأن دماءهم في كل فجدماء البدن تغشى الناظرينا
    توكلنا على الرحمن أناوجدنا النصر للمتوكلينا والصنف الاَخر هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، فأقروا بالصلاة وأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها إلى الإمام، وهؤلاء على الحقيقة أهل بغي، وإنما لم يدعوا بهذا الاسم في ذلك الزمان خصوصا لدخولهم في غمار أهل الردة، فأضيف الاسم في الجملة إلى الردة إذ كانت أعظم الأمرين وأهمهما. وأرخ قتال أهل البغي في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ كانوا منفردين في زمانه لم يختلطوا بأهل الشرك، وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين للزكاة من كان يسمح بالزكاة ولا يمنعها، إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأي وقبضوا على أيديهم في ذلك كبني يربوع، فإنهم قد جمعوا صدقاتهم وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر رضي الله عنه فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم، وفي أمر هؤلاء عرض الخلاف ووقعت الشبهة لعمر رضي الله عنه، فراجع أبا بكر رضي الله عنه وناظره واحتج عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إلَه إلا الله، فمن قال لا إلَه إلا الله فقد عصم نفسه وماله" وكان هذا من عمر رضي الله عنه تعلقا بظاهر الكلام قبل أن ينظر في آخره ويتأمل شرائطه، فقال
    له أبو بكر رضي الله عنه: إن الزكاة حق المال، يريد أن القضية قد تضمنت عصمة دم ومال معلقة بإيفاء شرائطها، والحكم المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما والاَخر معدوم، ثم قايسه بالصلاة ورد الزكاة إليها، وكان في ذلك من قوله دليل على أن قتال الممتنع من الصلاة كان إجماعا من الصحابة، وكذلك رد المختلف فيه إلى المتفق عليه، فاجتمع في هذه القضية الاحتجاج من عمر رضي الله عنه بالعموم، ومن أبي بكر رضي الله عنه بالقياس، ودل ذلك على أن العموم يخص بالقياس، وأن جميع ما تضمنه الخطاب الوارد في الحكم الواحد من شرط واستثناء مراعى فيه ومعتبر صحته به، فلما استقر عند عمر صحة رأي أبي بكر رضي الله عنهما وبان له صوابه تابعه على قتال القوم وهو معنى قوله: فلما رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال عرفت أنه الحق، يشير إلى انشراح صدره بالحجة التي أدلى بها، والبرهان الذي أقامه نصا ودلالة، وقد زعم زاعمون من الرافضة أن أبا بكر رضي الله عنه أول من سبى المسلمون، وأن القوم كانوا متأولين في منع الصدقة، وكانوا يزعمون أن الخطاب في قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} خطاب خاص في مواجهة
    النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وأنه مقيد بشرائط لا توجد فيمن سواه، وذلك أنه ليس لأحد من التطهير والتزكية والصلاة على المتصدق ما للنبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه الشبهة إذا وجد كان مما يعذر فيه أمثالهم ويرفع به السيف عنهم، وزعموا أن قتالهم كان عسفا. قال الخطابي رحمه الله: وهؤلاء الذين زعموا ما ذكرناه قوم لا خلاق لهم في الدين، وإنما رأس مالهم البهت والتكذيب والوقيعة في السلف، وقد بينا أن أهل الردة كانوا أصنافا، منهم من ارتد عن الملة ودعا إلى نبوة مسيلمة وغيره، ومنهم من ترك الصلاة والزكاة وأنكر الشرائع كلها، وهؤلاء هم الذين سماهم الصحابة كفارا، ولذلك رأى أبو بكر رضي الله عنه سبي ذراريهم، وساعده على ذلك أكثر الصحابة، واستولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية من سبي بني حنيفة فولدت له محمد الذي يدعى ابن الحنفية، ثم لم ينقض عصر الصحابة حتى أجمعوا على أن المرتد لا يسبى، فأما مانعوا الزكاة منهم المقيمون على أصل الدين فإنهم أهل بغي ولم يسموا على الانفراد منهم كفارا، وإن كانت الردة قد أضيفت إليهم لمشاركتهم المرتدين في منع بعض ما منعوه من حقوق الدين، وذلك أن الردة اسم لغوي، وكل من
    انصرف عن أمر كان مقبلاً عليه فقد ارتد عنه، وقد وجد من هؤلاء القوم الانصراف عن الطاعة ومنع الحق، وانقطع عنهم اسم الثناء والمدح بالدين، وعلق بهم الاسم القبيح لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقا. وأما قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} وما ادعوه من كون الخطاب خاصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن خطاب كتاب الله تعالى على ثلاثة أوجه: خطاب عام كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} الاَية. وكقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} وخطاب خاص للنبي صلى الله عليه وسلم لا يشركه فيه غيره، وهو ما أبين به عن غيره بسمة التخصيص وقطع التشريك كقوله تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} وكقوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} وخطاب مواجهة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو وجميع أمته في المراد به سواء كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} وكقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} وكقوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} ونحو ذلك من خطاب المواجهة، فكل ذلك غير مختص برسول الله صلى الله عليه وسلم بل تشاركه فيه الأمة.
    فكذا قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} فعلى القائم بعده صلى الله عليه وسلم بأمر الأمة أن يحتذي حذوه في أخذها منهم، وإنما الفائدة في مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب أنه هو الداعي إلى الله تعالى والمبين عنه معنى ما أراد، فقدم اسمه في الخطاب ليكون سلوك الأمر في شرائع الدين على حسب ما ينهجه ويبينه لهم، وعلى هذا المعنى قوله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} فافتتح بالخطاب بالنبوة باسمه خصوصا، ثم خاطبه وسائر أمته بالحكم عموما، وربما كان الخطاب له مواجهة والمراد غيره كقوله تعالى: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك، إلى قوله: فلا تكونن من الممترين} ولا يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم قد شك قط في شيء مما أنزل إليه، فأما التطهير والتزكية والدعاء من الإمام لصاحب الصدقة فإن الفاعل فيها قد ينال ذلك كله بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيها، وكل ثواب موعود على عمل بركان في زمنه صلى الله عليه وسلم فإنه باق غير منقطع، ويستحب للإمام وعامل الصدقة أن يدعو للمصدق بالنماء والبركة في ماله، ويرجى أن يستجيب الله ذلك ولا يخيب مسألته،
    فإن قيل: كيف تأولت أمر الطائفة التي منعت الزكاة على الوجه الذي ذهبت إليه وجعلتهم أهل بغي؟ وهل إذا أنكرت طائفة من المسلمين في زماننا فرض الزكاة وامتنعوا من أدائها يكون حكمهم حكم أهل البغي؟ قلنا: لا، فإن من أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافرا بإجماع المسلمين، والفرق بين هؤلاء وأولئك أنهم إنما عذروا لأسباب وأمور لا يحدث مثلها في هذا الزمان: منها قرب العهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنسخ. ومنها: أن القوم كانوا جهالاً بأمور الدين، وكان عهدهم بالإسلام قريبا فدخلتهم الشبهة فعذروا، فأما اليوم وقد شاع دين الإسلام واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة حتى عرفها الخاص والعام، واشترك فيه العالم والجاهل، فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها، وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين إذا كان علمه منتشرا، كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة، وتحريم الزنا والخمر، ونكاح ذوات المحارم، ونحوها من الأحكام، إلا أن يكون رجلاً حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده، فإنه إذا أنكر شيئا منها جهلاً به لم يكفر، وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء
    اسم الدين عليه، فأما ما كان الإجماع فيه معلوما من طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وأن القاتل عمدا لا يرث، وأن للجدة السدس، وما أشبه ذلك من الأحكام، فإن من أنكرها لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة. قال الخطابي رحمه الله: وإنما عرضت الشبهة لمن تأوله على الوجه الذي حكيناه عنه لكثرة ما دخله من الحذف في رواية أبي هريرة، وذلك لأن القصد به لم يكن سياق الحديث على وجهه وذكر القصة في كيفية الردة منهم، وإنما قصد به حكاية ما جرى بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وما تنازعاه في استباحة قتالهم، ويشبه أن يكون أبو هريرة إنما لم يعن بذكر جميع القصة اعتمادا على معرفة المخاطبين بها إذ كانوا قد علموا كيفية القصة، ويبين لك أن حديث أبي هريرة مختصر أن عبد الله بن عمر وأنسا رضي الله عنهم روياه بزيادة لم يذكرها أبو هريرة. ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلَه إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"
    وفي رواية أنس رضي الله عنه: "أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلَه إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين" والله أعلم. هذا آخر كلام الخطابي رحمه الله. قلت: وقد ثبت في الطريق الثالث المذكور في الكتاب من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلَه إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماؤهم وأموالهم إلا بحقها". وفي استدلال أبي بكر واعتراض عمر رضي الله عنهما دليل على أنهما لم يحفظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن عمر وأنس وأبو هريرة، وكأن هؤلاء الثلاثة سمعوا هذه الزيادات التي في رواياتهم في مجلس آخر، فإن عمر رضي الله عنه لو سمع ذلك لما خالف ولما كان احتج بالحديث، فإنه بهذه الزيادة حجة عليه، ولو سمع أبو بكر رضي الله عنه هذه الزيادة لاحتج بها ولما احتج بالقياس والعموم والله أعلم.
    قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلَه إلا الله، فمن قال لا إلَه إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله) قال الخطابي رحمه الله: معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون: لا إلَه إلا الله ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف، قال: ومعنى "وحسابه على الله" أي فيما يستسرون به ويخفونه دون ما يخلون به في الظاهر من الأحكام الواجبة، قال: ففيه أن من أظهر الإسلام وأسر الكفر قبل إسلامه في الظاهر وهذا قول أكثر العلماء. وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل. ويحكى ذلك أيضا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما، هذا كلام الخطابي. وذكر القاضي عياض معنى هذا وزاد عليه وأوضحه فقال: اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال: لا إلَه إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بهذا مشركوا العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحد، وهم كانوا أول من دعي إلى الإسلام وقوتل عليه، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقوله: لا إلَه إلا الله، إذ كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده، فلذلك جاء في الحديث الاَخر: "وأني رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة" هذا كلام القاضي. قلت: ولا
    بد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الرواية الأخرى لأبي هريرة هي مذكورة في الكتاب: "حتى يشهدوا أن لا إلَه إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به" والله أعلم. قلت: اختلف أصحابنا في قبول توبة الزنديق وهو الذي ينكر الشرع جملة، فذكروا فيه خمسة أوجه: لأصحابنا أصحها، والأصوب منها قبولها مطلقا للأحاديث الصحيحة المطلقة. والثاني: لا تقبل ويتحتم قتله، لكنه إن صدق في توبته نفعه ذلك في الدار الاَخرة وكان من أهل الجنة. والثالث: إن تاب مرة واحدة قبلت توبته، فإن تكرر ذلك منه لم تقبل. والرابع: إن أسلم ابتداء من غير طلب قبل منه، وإن كان تحت السيف فلا. والخامس: إن كان داعيا إلى الضلال لم يقبل منه وإلا قبل منه، والله أعلم. قوله رضي الله عنه: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة) ضبطنا بوجهين: فرق وفرق بتشديد الراء وتخفيفها ومعناه: من أطاع في الصلاة وجحد الزكاة أو منعها، وفيه جواز الحلف وإن كان في غير مجلس الحاكم، وأنه ليس مكروها إذا كان لحاجة من تفخيم أمر ونحوه. قوله: (والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه) هكذا
    في مسلم عقالاً، وكذا في بعض روايات البخاري، وفي بعضها: عناقا بفتح العين وبالنون وهي الأنثى من ولد المعز، وكلاهما صحيح، وهو محمول على أنه كرر الكلام مرتين، فقال في مرة: عقالاً، وفي الأخرى: عناقا، فروي عنه اللفظان. فأما رواية العناق فهي محمول على ما إذا كانت الغنم صغارا كلها بأن ماتت أماتها في بعض الحول، فإذا حال حول الأمات زكى السخال الصغار بحول الأمات، سواء بقي من الأمات شيء أم لا، هذا هو الصحيح المشهور. وقال أبو القاسم الأنماطي من أصحابنا: لا يزكى الأولاد بحول الأمات إلا أن يبقى من الأمات نصاب. وقال بعض أصحابنا: إلا أن يبقى من الأمهات شيء. ويتصور ذلك فيما إذا مات معظم الكبار وحدثت صغار فحال حول الكبار على بقيتها وعلى الصغار والله أعلم. وأما رواية عقالاً فقد اختلف العلماء قديما وحديثا فيها، فذهب جماعة منهم إلى أن المراد بالعقال زكاة عام وهو معروف في اللغة بذلك، وهذا قول النسائي والنضر بن شميل وأبي عبيدة والمبرد وغيرهم من أهل اللغة، وهو قول جماعة من الفقهاء، واحتج هؤلاء على أن العقال يطلق على زكاة العام بقول عمرو بن العداء:
    سعى عقالاً فلم يترك لنا سيدافكيف لو قد سعى عمرو عقالين
    أراد مدة عقال فنصبه على الظرف، وعمرو هذا الساعي هو عمرو بن عتبة بن أبي سفيان ولاه عمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما صدقات كلب، فقال فيه قائلهم ذلك، قالوا: ولأن العقال الذي هو الحبل الذي يعقل به البعير لا يجب دفعه في الزكاة فلا يجوز القتال عليه فلا يصح حمل الحديث عليه. وذهب كثيرون من المحققين إلى أن المراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير، وهذا القول يحكى عن مالك وابن أبي ذئب وغيرهما، وهو اختيار صاحب التحرير وجماعة من حذاق المتأخرين، قال صاحب التحرير: قول من قال المراد صدقة عام تعسف وذهاب عن طريقة العرب، لأن الكلام خرج مخرج التضييق والتشديد والمبالغة، فتقتضي قلة ما علق به القتال وحقارته، وإذا حمل على صدقة العام لم يحصل هذا المعنى، قال: ولست أشبه هذا إلا بتعسف من قال في قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده" أن المراد بالبيضة بيضة الحديد التي يغطى بها الرأس في الحرب، وبالحبل الواحد من حبال السفينة، وكل واحد من هذين يبلغ دنانير كثيرة، قال بعض المحققين: إن هذا القول لا يجوز عند من يعرف اللغة ومخارج كلام العرب، لأن هذا ليس موضع
    تكثير لما يسرقه، فيصرف إليه بيضة تساوي دنانير، وحبل لا يقدر السارق على حمله، وليس من عادة العرب والعجم أن يقولوا: قبح الله فلانا عرض نفسه للضرب في عقد جوهر، وتعرض لعقوبة الغلول في جراب مسك، وإنما العادة في مثل هذا أن يقال: لعنه الله تعرض لقطع اليد في حبل رث، أو في كبة شعر، وكل ما كان من هذا أحقر كان أبلغ، فالصحيح هنا أنه أراد به العقال الذي يعقل به البعير ولم يرد عينه وإنما أراد قدر قيمته، والدليل على هذا أن المراد به المبالغة، ولهذا قال في الرواية الأخرى: عناقا، وفي بعضها: "لو منعوني جديا أذوط" والأذوط صغير الفك والذقن، هذا آخر كلام صاحب التحرير، وهذا الذي اختاره هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره، وعلى هذا اختلفوا في المراد بمنعوني عقالاً فقيل: قدر قيمته وهو ظاهر متصور في زكاة الذهب والفضة والمعشرات والمعدن والزكاة وزكاة الفطر، وفي المواشي أيضا في بعض أحوالها، كما إذا وجب عليه سن فلم يكن عنده ونزل إلى سن دونها، واختار أن يرد عشرين درهما فمنع من العشرين قيمة عقال، وكما إذا كانت غنمه سخالاً وفيها سخلة فمنعها وهي تساوي عقالاً، ونظائر ما ذكرته كثيرة معروفة في كتب الفقه، وإنما ذكرت هذه
    الصورة تنبيها بها على غيرها، وعلى أنه متصور ليس بصعب، فإني رأيت كثيرين ممن لم يعان الفقه يستصعب تصوره، حتى حمله بعضهم وربما وافقه بعض المتقدمين، على أن ذلك للمبالغة وليس متصورا، وهذا غلط قبيح وجهل صريح. وحكى الخطابي عن بعض العلماء أن معناه: منعوني زكاة لعقال إذا كان من عروض التجارة، وهذا تأويل صحيح أيضا. ويجوز أن يراد: منعوني عقالاً أي منعوني الحبل نفسه، على مذهب من يجوز القيمة ويتصور على مذهب الشافعي رحمه الله على أحد أقواله، فإن للشافعي في الواجب في عروض التجارة ثلاثة أقوال: أحدها: يتعين أن يأخذ منها عرضا حبلاً أو غيره كما يأخذ من الماشية من جنسها. والثاني: أنه لا يأخذ إلا دراهم أو دنانير ربع عشر قيمته كالذهب والفضة. والثالث: يتخير بين العرض والنقد والله أعلم. وحكى الخطابي عن بعض أهل العلم أن العقال يؤخذ مع الفريضة لأن على صاحبها تسليمها، وإنما يقع قبضها التام برباطها. قال الخطابي قال ابن عائشة: كان من عادة المصدق إذا أخذ الصدقة أن يعمد إلى قرن وهو بفتح القاف والراء وهو حبل فيقرن به بين بعيرين أي يشده في أعناقهم لئلا تشرد الإبل. وقال أبو عبيد: وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم
    محمد بن مسلمة على الصدقة فكان يأخذ مع كل فريضتين عقالهما وقرانهما. وكان عمر رضي الله عنه أيضا يأخذ مع كل فريضة عقالاً والله أعلم. قوله: (فما هو إلا أن رأيت الله تعالى قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق) معنى رأيت علمت وأيقنت، ومعنى شرح فتح ووسع ولين، ومعناه: علمت بأنه جازم بالقتال لما ألقى الله سبحانه وتعالى في قلبه من الطمأنينة لذلك واستصوابه ذلك. ومعنى قوله: عرفت أنه الحق أي بما أظهر من الدليل وأقامه من الحجة، فعرفت بذلك أن ما ذهب إليه هو الحق لا أن عمر قلد أبا بكر رضي الله عنهما، فإن المجتهد لا يقلد المجتهد، وقد زعمت الرافضة أن عمر رضي الله عنه إنما وافق أبا بكر تقليدا، وبنوه على مذهبهم الفاسد في وجوب عصمة الأئمة، وهذه جهالة ظاهرة منهم والله أعلم.
    قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: (أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلَه إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به) فيه بيان ما اختصر في الروايات الأخر من الاقتصار على قول: لا إلَه إلا الله، وقد تقدم بيان هذا، وفيه دلالة ظاهرة لمذهب المحققين والجماهير من السلف والخلف أن الإنسان إذا اعتقد دين الإسلام اعتقادا جازما لا تردد فيه كفاه ذلك وهو مؤمن من الموحدين، ولا يجب عليه تعلم أدلة المتكلمين ومعرفة الله تعالى بها، خلافا لمن أوجب ذلك وجعله شرطا في كونه من أهل القبلة، وزعم أنه لا يكون له حكم المسلمين إلا به، وهذا المذهب هو قول كثير من المعتزلة وبعض أصحابنا المتكلمين، وهو خطأ ظاهر، فإن المراد التصديق الجازم وقد حصل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالتصديق بما جاء به صلى الله عليه وسلم ولم يشترط المعرفة بالدليل، فقد تظاهرت بهذا أحاديث في الصحيحين يحصل بمجموعها التواتر بأصلها والعلم القطعي، وقد تقدم ذكر هذه القاعدة في أول الإيمان والله أعلم.
    قوله: (ثم قرأ: {إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر}) قال المفسرون معناه: إنما أنت واعظ، ولم يكن صلى الله عليه وسلم أمر إذ ذاك إلا بالتذكير، ثم أمر بعد بالقتال، والمسيطر المسلط، وقيل: الجبار، وقيل: الرب، والله أعلم. واعلم أن هذا الحديث بطرقه مشتمل على أنواع من العلوم وجمل من القواعد، وأنا أشير إلى أطراف منها مختصرة، ففيه أدل دليل على شجاعة أبي بكر رضي الله عنه وتقدمه في الشجاعة والعلم على غيره، فإنه ثبت للقتال في هذا الموطن العظيم الذي هو أكبر نعمة أنعم الله تعالى بها على المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستنبط رضي الله عنه من العلم بدقيق نظره ورصانة فكره ما لم يشاركه في الابتداء به غيره، فلهذا وغيره مما أكرمه الله تعالى به أجمع أهل الحق على أنه أفضل أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صنف العلماء رضي الله عنهم في معرفة رجحانه أشياء كثيرة مشهورة في الأصول وغيرها، ومن أحسنها كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم للإمام أبي المظفر منصور بن محمد السمعاني الشافعي، وفيه جواز مراجعة الأئمة والأكابر ومناظرتهم لإظهار الحق، وفيه أن الإيمان شرطه الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما واعتقاد
    جميع ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جمع ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: "أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إلَه إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به". وفيه وجوب الجهاد، وفيه صيانة مال من أتى بكلمة التوحيد ونفسه ولو كان عند السيف، وفيه أن الأحكام تجري على الظاهر، والله تعالى يتولى السراء، وفيه جواز القياس والعمل به، وفيه وجوب قتال مانعي الزكاة أو الصلاة أو غيرهما من واجبات الإسلام، قليلاً كان أو كثيرا، لقوله رضي الله عنه: "لو منعوني عقالاً أو عناقا" وفيه جواز التمسك بالعموم لقوله: فإن الزكاة حق المال، وفيه وجوب قتال أهل البغي، وفيه وجوب الزكاة في السخال تبعا لأمهاتها، وفيه اجتهاد الأئمة في النوازل وردها إلى الأصول، ومناظرة أهل العلم فيها، ورجوع من ظهر له الحق إلى قول صاحبه، وفيه ترك تخطئة المجتهدين المختلفين في الفروع بعضهم بعضا، وفيه أن الإجماع لا ينعقد إذا خالف من أهل الحل والعقد واحد، وهذا هو الصحيح المشهور، وخالف فيه بعض أصحاب الأصول، وفيه قبول توبة الزنديق، وقد قدمت الخلاف فيه واضحا، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة والفضل والمنة، وبه التوفيق والعصمة.‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:37 pm

    كتاب الإيمان.
    باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرع في النزع.

    باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرع في النزع
    وهو الغرغرة ونسخ جواز الاستغفار للمشركين. والدليل على أن من مات على الشرك فهو في أصحاب الجحيم. ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل
    وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ التّجِيبِيّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ. جَاءَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللّهِ ابْنَ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَمّ! قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله. كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله" فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللّهِ ابْنُ أَبِي أُمَيّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ! أَتَرْغَبُ عَنْ مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالةَ، حَتّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. وَأَبىَ أَنْ يَقُولَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَما وَالله! لأَسْتَغْفِرَنّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ" فَأَنْزَلَ الله عَزّ وَجَلّ: {مَا كَانَ
    لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (التوبة الاَية: 3). وَأَنْزَلَ الله تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنّ الله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. (القصَصَ آية: ).
    وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ. كِلاَهُما عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنِادِ مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ صَالِحٍ انْتَهَى عِنْدَ قوله: فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ. ولَمْ يَذْكُرِ الاَيَتَيْنِ. وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: وَيَعُودَانِ فِي تِلَكَ المَقَالةِ. وَفِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ مَكَانَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. فَلَمْ يَزَالاَ بِهِ.
    حدّثنا مُحمّدُ بْنُ عَبّادٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا مَرْوَانَ عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمّهِ، عِنْدَ الْمَوتِ "قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ" فَأَبىَ. فَأَنْزَلَ اللّهُ: {إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الاَية. (القصص آية: ).
    حدّثنا مُحمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَزِيِدُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشّجَعِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمّهِ "قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَالَ: لَوْلاَ أَنْ تُعَيّرِنِي قُرَيْشٌ. يَقُولُونَ: إِنّمَا حَمَلَهُ، عَلَى ذَلِكَ، الْجَزَعُ، لأَقْرَرْتُ بِها عَيْنَكَ. فَأَنْزَل اللّه: {إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنّ الله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. (القصَصَ آية: ).
    فيه حديث وفاة أبي طالب، وهو حديث اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في صحيحهيما من رواية سعيد بن المسيب عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يروه عن المسيب إلا ابنه سعيد، كذا قاله الحفاظ. وفي هذا رد على الحاكم أبي عبد الله بن البيع الحافظ رحمه الله في قوله: لم يخرج البخاري ولا مسلم رحمهما الله عن أحد ممن لم يرو عنه إلا راو واحد، ولعله أراد من غير الصحابة والله أعلم. أما أسماء رواة الباب ففيه حرملة التجيبي وقد تقدم بيانه في المقدمة، وأن الأشهر فيه ضم التاء ويقال بفتحها واختاره بعضهم، وتقدمت اللغات الست في يونس فيها، وتقدم فيها الخلاف في فتح الياء من المسيب والد سعيد هذا خاصة وكسرها وأن الأشهر الفتح، واسم أبي طالب عبد مناف، واسم أبي جهل عمرو بن هشام. وفيه صالح عن الزهري عن ابن المسيب هو صالح بن كيسان وكان أكبر سنا من الزهري، وابتدأ بالتعلم من الزهري، ولصالح تسعون سنة مات بعد الأربعين ومائة، واجتمع في الإسناد طرفتان: إحداهما: رواية الأكابر عن الأصاغر، والأخرى ثلاثة تابعين بعضهم عن بعض. وفيه أبو حازم عن سهل عن أبي هريرة، وقد تقدم أن أبا حازم الراوي عن أبي هريرة اسمه سلمان مولى
    عزة، وأما أبو حازم عن سهل بن سعد فاسمه سلمة بن دينار. وأما قوله: (لما حضرت أبا طالب الوفاة) فالمراد قربت وفاته وحضرت دلائلها، وذلك قبل المعاينة والنزع، ولو كان في حال المعاينة والنزع لما نفعه الإيمان، ولقول الله تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الاَن} ويدل على أنه قبل المعاينة محاورته للنبي صلى الله عليه وسلم ومع كفار قريش قال القاضي عياض رحمه الله: وقد رأيت بعض المتكلمين على هذا الحديث جعل الحضور هنا على حقيقة الاحتضار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رجا بقوله ذلك حينئذ أن تناله الرحمة ببركته صلى الله عليه وسلم. قال القاضي رحمه الله: وليس هذا بصحيح لما قدمناه. وأما قوله: (فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة) فهكذا وقع في جميع الأصول ويعيد له يعني أبا طالب، وكذا نقله القاضي رحمه الله عن جميع الأصول والشيوخ، قال: وفي نسخة ويعيدان له على التثنية لأبي جهل وابن أبي أمية، قال القاضي: وهذا أشبه، وقوله: يعرضها بفتح الياء وكسر الراء. وأما قوله: (قال أبو طالب آخر ما كلمهم به هو على ملة عبد المطلب) فهذا من أحسن
    الاَداب والتصرفات. وهو أن من حكى قول غيره القبيح أتى به بضمير الغيبة لقبح صورة لفظة الواقع. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أم والله لأستغفرن لك) فهكذا ضبطناه أم من غير ألف بعد الميم، وفي كثير من الأصول أو أكثرها أما والله بألف بعد الميم وكلاهما صحيح. قال الإمام أبو السعادات هبة الله بن علي بن محمد العلوي الحسني المعروف بابن الشجري في كتابه الأمالي: ما المزيدة للتوكيد، ركبوها مع همزة الاستفهام واستعملوا مجموعهما على وجهين: قوله: أحدهما: أن يراد به معنى حقا في قولهم: أما والله لأفعلن، والاَخر أن يكون افتتاحا للكلام بمنزلة ألا، كقولك: أما أن زيدا منطلق، وأكثر ما تحذف ألفها إذا وقع بعدها القسم، ليدلوا على شدة اتصال الثاني بالأول، لأن الكلمة إذا بقيت على حرف واحد لم تقم بنفسها، فعلم بحذف ألف ما افتقارها إلى الاتصال بالهمزة، والله تعالى أعلم. وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، وكان الحلف هنا لتوكيد العزم على الاستغفار وتطييبا لنفس أبي طالب، وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل، قال ابن فارس: مات أبو طالب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما، وتوفيت
    خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام. وأما قول الله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} فقال المفسرون وأهل المعاني معناه: ما ينبغي لهم، قالوا: وهو نهي، والواو في قوله تعالى: {ولو كانوا أولي قربى} واو الحال، والله أعلم. وأما قوله (عز وجل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}) فقد أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وكذا نقل إجماعهم على هذا الزجاج وغيره وهي عامة، فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى، قال الفراء وغيره: قوله تعالى: {من أحببت} يكون على وجهين: أحدهما: معناه من أحببته لقرابته. والثاني: من أحببت أن يهتدي. قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم: {وهو أعلم بالمهتدين} أي بمن قدر له الهدى والله أعلم.
    أما قوله: (يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك) فهكذا هو في جميع الأصول، وجميع روايات المحدثين في مسلم وغيره الجزع بالجيم والزاي، وكذا نقله القاضي عياض وغيره عن جميع روايات المحدثين وأصحاب الأخبار أي التواريخ والسير، وذهب جماعات من أهل اللغة إلى أنه الخرع بالخاء المعجمة والراء المفتوحتين أيضا، وممن نص عليه كذلك الهروي في الغريبين، ونقله الخطابي عن ثعلب مختارا له، وقاله أيضا شمر، ومن المتأخرين أبو القاسم الزمخشري، قال القاضي عياض رحمه الله: ونبهنا غير واحد من شيوخنا على أنه الصواب، قالوا: والخرع هو الضعف والخور، قال الأزهري: وقيل الخرع الدهش، قال شمر: كل رخو ضعيف خريع وخرع، قال: والخرع الدهش، قال: ومنه قول أبي طالب والله أعلم. وأما قوله: لأقررت بها عينك، فأحسن ما يقال فيه ما قاله أبو العباس ثعلب قال: معنى أقر الله عينه أي بلغه الله أمنيته حتى ترضى نفسه وتقر عينه فلا تستشرف لشيء. وقال الأصمعي معناه: أبرد الله دمعته لأن دمعة الفرح باردة، وقيل معناه: أراه الله ما يسره والله أعلم.‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:38 pm

    كتاب الإيمان.
    باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا.

    باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا
    هذا الباب فيه أحاديث كثيرة، وتنتهي إلى حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا. واعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحدا دخل الجنة قطعا على كل حال، فإن كان سالما من المعاصي كالصغير والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلاً، فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلاً، لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود، والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه. وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى، فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولاً وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذي يريده سبحانه وتعالى ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة. وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من
    يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي، فإذا تقررت هذه القاعدة حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره، فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة وجب تأويله عليها ليجمع بين نصوص الشرع، وسنذكر من تأويل بعضها ما يعرف به تأويل الباقي إن شاء الله تعالى، والله أعلم. وأما شرح أحاديث الباب فنتكلم عليها مرتبة لفظا ومعنى، إسنادا ومتنا.
    حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلاَهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ عَنْ خَالِدٍ. قَالَ: حَدّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حُمْرَانَ، عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله دَخَلَ الْجَنّةَ".
    حدّثنا مُحمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ. حَدّثَنَا بِشَرُ بْنُ الْمُفَضّلِ. حَدّثَنَا خَالِدٌ الْحذّاءُ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مِثْلَهُ سَوَاءً.
    حدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ النّضْرِ ابْنِ أَبِي النّضْرِ. قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو النّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ الأَشْجَعِيّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ. قَالَ فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ. قَالَ حَتّى هَمّ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ. قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ، فَدَعَوْتَ الله عَلَيْهَا. قَالَ فَفَعَلَ. قَالَ فَجَاءَ ذُو الْبُرّ بِبُرّهِ. وَذُو التّمْرِ بِتَمْرِهِ. قَالَ (وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَذُو النّوَاةِ بِنَوَاهُ) قُلْتُ: وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنّوَى؟ قَالَ: كانُوا يَمُصّونَهُ وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ. قَالَ فَدعا عَلَيْهَا. حَتّى مَلأَ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ. قَالَ فَقال عِنْدَ ذَلِكَ: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ. لاَ يَلْقَى الله بِهِمَا عَبْدٌ، غَيْرَ شَاكٍ فِيهِمَا، إِلاّ دَخَلَ الْجَنّةَ".
    حدّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ وَ أَبُو كُرَيبٍ مُحمّدُ بْنُ الْعَلاءِ، جَمِيعا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (شَكّ الأَعْمَشُ) قَالَ: لَمّا كَانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ، أَصَابَ النّاسَ مَجَاعَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ! لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا، فَأَكَلْنَا وَادّهَنّا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "افْعَلُوا" قَالَ فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلّ الظّهْرُ. وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ. ثُمّ ادْعُ الله لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ. لَعَلّ الله أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ" قَالَ فَدَعَا بِنِطَعٍ فَبَسَطَهُ. ثُمّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ. قَالَ فَجَعَلَ الرّجُلُ يَجِيءُ بِكَفّ ذُرَةٍ. قَالَ وَيَجِيءُ الاَخَرُ بِكَفّ تَمْرٍ. قَالَ وَيَجِيءُ الاَخَرُ بِكِسْرَةٍ. حَتّى اجْتَمَعَ عَلَى النّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ. قَالَ
    فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ. ثُمّ قَالَ: "خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ" قَالَ: فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ. حَتّى مَا تَرَكوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلاّ مَلأُوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا، وَفَضلَتْ فَضْلَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ، لاَ يَلْقَى الله بِهِمَا عَبْدٌ، غَيْرَ شَاكٍ، فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنّةِ".
    حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ: حَدّثَنَا الْوَلِيدُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنِ ابْنِ جَابِرٍ. قَالَ: حَدّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ. قَالَ: حَدّثَنِي جُنَادَةُ ابْنُ أَبِي أُمَيّةَ. حَدّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنّ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنّ مُحَمّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنّ عِيسَىَ عَبْدُ اللّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنّ الْجَنّةَ حَقّ، وَأَنّ النّارَ حَقّ، أَدْخَلَهُ الله مِنْ أَيّ أَبْوَابِ الْجَنّةِ الثّمَانِيَةِ شَاءَ".
    وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ: حَدّثَنَا مُبَشّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الأَوْزَاعِيّ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئ فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ غٍيْرَ أَنّه قَالَ "أَدْخَلَهُ الله الْجَنّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ" وَلَمْ يَذْكُرْ "مِنْ أَيّ أَبْوَابِ الْجَنّةِ الثّمَانِيَةِ شَاءَ".
    حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ مُحمّدٍ بْنِ يَحْيَىَ بْنُ حَبّانَ، عَنِ ابْنِ مْحْيْرِيزٍ، عَنِ الصّنَابِحِيّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ أَنّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَبَكَيْتُ. فَقَالَ: مَهْلاً. لِمَ تَبْكِي؟ فَوَالله لَئِنِ اسْتُشْهِدْتُ لأَشْهَدَنّ لَكَ. وَلَئِنْ شُفّعْتُ لأَشْفَعَنّ لَكَ. وَلَئِنْ اسْتَطَعْتُ لأَنْفَعَنّكَ. ثُمّ قَالَ: وَالله مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلاّ حَدّثْتُكُمُوهُ. إِلاّ حَدِيثا وَاحِدا. وَسَوْفَ أُحَدّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ، وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي. سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّ مُحَمّدا رَسُولُ اللّهِ. حَرّمَ الله عَلَيْهِ النّارَ".
    حدّثنا هَدّاب بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيّ: حَدّثَنَا هَمّامٌ: حَدّثَنَا قَتَادَةُ: حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ليس بيني وبينه إِلا مؤخرة الرّحْلِ. فقال: "يا معاذ بن جبل" قلت: لبيك رسول اللّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمّ سَارَ سَاعَةً. ثُمّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ" قُلْتُ: لَبّيْكَ رَسُولَ اللّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمّ سَارَ سَاعَةً. ثُمّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ!" قُلْتُ: لَبّيْكَ رَسُولَ اللّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: "هل تَدْرِي مَا حَقّ الله عَلَى الْعِبَادِ؟" قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنّ حَقّ الله عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا" ثُمّ سَارَ سَاعَةً. ثُمّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ!" قُلْتُ: لَبّيْكَ رَسولَ اللّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقّ الْعِبَادِ عَلَى الله إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ" قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "أَنْ لاَ يُعَذّبَهُمْ".
    حدّثنا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلاّمُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ. قَالَ: فَقَالَ: يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقّ العبادِ عَلَى الله؟ قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنّ حَقّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا. وَحَقّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ أَنْ لاَ يُعَذّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئا" قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشّرُ النّاسَ؟ قَالَ: "لاَ تُبَشّرْهُمْ. فَيَتّكِلُوا".
    حدّثنا مُحمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ وَ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنّهُمَا سَمِعَا الأَسْوَدَ بْنَ هِلاَلٍ يُحَدّثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟" قَالَ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ "أَن يُعْبَدَ اللّهُ وَلاَ يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ" قَالَ: "أَتَدْرِي مَا حَقّهُمْ عَلَيْهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟" فَقَالَ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعَلَمْ. قَالَ "أَنْ لاَ يُعَذّبَهُمْ".
    حدّثنا الْقَاسِمْ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ هِلاَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَا يَقُولُ: دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجَبْتُهُ. فَقَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقّ اللّهِ عَلَى النّاسِ" نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
    حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيّ: حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ. قَالَ حَدّثَنِي أَبُو كَثيرٍ قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنّا قُعُودا حَوْلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فِي نَفَرٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا. فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا. وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا. وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا. فَكُنْتُ أَوّلَ مَنْ فَزِعَ. فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتّى أَتَيْتُ حَائِطَا لِلأَنْصَارِ لِبَنِي النّجّار. فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابا. فَلَمْ أَجِدْ.فَإِذَا رَبيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئرٍ خَارِجَةٍ (وَالرّبِيعُ الْجَدْوَلُ) فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثّعْلَبُ. فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ "أَبُو هُرَيْرَةَ؟" فَقُلْتُ: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟" قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا. فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا. فَخَشِينَا أَنْ تُقْتطَعَ دُونَنَا.
    فَفَزِعْنَا. فَكُنْتُ أَوّلَ مَنْ فَزِعَ. فَأَتَيْتَ هَذَا الْحَائِطَ. فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثّعْلَبُ. وَهَؤُلاءِ النّاسُ وَرَائِي فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ"(وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ) قَالَ "اذْهَبْ بِنَعْلَيّ هَاتَينِ. فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاء هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ. مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلُبُهُ. فَبَشّرْهُ بِالْجَنّةِ" فَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ. فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النّعَلاَنِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟!فَقُلْتُ: هَاتَيْنِ نَعْلاَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بَعثَنِي بِهِمَا. مَنْ لَقِيِتُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلْبُهُ، بَشّرْتُهُ بِالْجَنّةِ. فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيّ. فَخَرَرْتُ لاِسْتِي. فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً. وَرَكِبَنِي عُمَرُ فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَالَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟" قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ
    بِالّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ. فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيّ ضَرْبَةً. خَرَرْتُ لاِسْتِي. قَالَ: ارْجِعْ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عُمَرُ! مَا حَمَلك على ما فَعَلْتَ؟" قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي. أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ، مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ مُسْتَيْقِنا بِهَا قَلْبُهُ، بَشّرَهُ بِالْجَنّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ. فَإِنّي أَخْشَىَ أَنْ يَتّكِلَ النّاسُ عَلَيْهَا. فَخَلّهِمْ يَعْمَلُونَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَخَلّهِمْ".
    حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ نَبِيّ اللهَ صلى الله عليه وسلم، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرّحْلِ، قَالَ "يَا مُعَاذُ" قَالَ: لَبّيْكَ رَسُولَ اللّهِ وَسَعْدَيْكَ. قالَ: "يا مُعَاذُ"، قال: لبّيْكَ رَسُولَ اللّهِ وسَعْدَيْكَ. قالَ: "يا مُعَاذُ" قال: لَبّيْكَ رَسُولَ اللّهِ وسَعْديْكَ قال: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّ مُحَمّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلاّ حَرّمَهُ الله عَلَى النّارِ" قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهَا النّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: "إِذا يَتّكِلُوا" فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ، تَأَثّما.
    حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ) قَالَ: حَدّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. فَلَقِيتُ عِتْبَانَ. فَقُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ. قَالَ: أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشّيْءِ. فَبَعَثْتُ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّي أُحِبّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلّيَ فِي مَنْزِلِي فَأَتّخِذَهُ مُصَلّى. قَالَ: فَأَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ شَاءَ الله مِنْ أَصْحَابِهِ. فَدَخَلَ وَهُوَ يُصَلّي فِي مَنْزِلِي. وَأَصْحَابُهُ يَتَحَدّثُونَ بَيْنَهُمْ. ثُمّ أَسْنَدُوا عُظْمَ ذَلِكَ وَكُبْرَهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ دُخْشُمٍ. قَالُوا: وَدّوا أَنه دَعَا عَلَيْهِ فهلك. وَوَدّوا أَنّهُ أَصَابَهُ شَرّ. فَقَضىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الصّلاَةَ. وَقَالَ: "أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ؟" قَالُوا: إِنّهُ يَقُولُ ذَلِكَ. وَمَا هُوَ فِي قَلْبِهِ. قَالَ: "لاَ يَشْهَدُ أَحَدٌ أَنْ
    لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ فَيَدْخُلَ النّارَ، أَوْ تَطْعَمَهُ". قَالَ أَنَسٌ: فَأَعْجَبَنِي هَذَا الْحَدِيثُ. فَقُلْتُ لاِبْنِي: اكْتُبْهُ. فَكَتَبَهُ.
    حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيّ: حَدّثَنَا بَهْزٌ: حَدّثَنَا حَمّادٌ: حَدّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَدّثَنِي عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، أَنّهُ عَمِيَ. فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: تَعَالَ فَخُطّ لِي مَسْجِدا. فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَجَاءَ قَوْمُهُ. ونُعِتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ. ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
    فقوله في الإسناد الأول: (عن إسماعيل بن إبراهيم، وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن علية عن خالد قال: حدثني الوليد بن مسلم عن حمران عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يعلم أن لا إلَه إلا الله دخل الجنة). أما إسماعيل بن إبراهيم فهو ابن علية، وهذا من احتياط مسلم رحمه الله، فإن أحد الراويين قال: ابن علية، والاَخر قال: إسماعيل بن إبراهيم فبينهما ولم يقتصر على أحدهما، وعليه أم إسماعيل وكان يكره أن يقال له ابن علية وقد تقدم بيانه. وأما خالد فهو ابن مهران الحذاء كما بينه في الرواية الثانية وهو ممدود، وكنيته أبو المنازل بالميم المضمومة والنون والزاي واللام، قال أهل العلم: لم يكن خالد حذاء قط، ولكنه كان يجلس إليهم فقيل له الحذاء لذلك هذا هو المشهور. وقال فهد بن حيان بالفاء: إنما كان قول: احذوا على هذا النحو فلقب بالحذاء، وخالد يعد في التابعين. وأما الوليد بن مسلم بن شهاب العنبري البصري أبو بشر فروى عن جماعة من التابعين، وربما اشتبه على بعض من لم يعرف الأسماء بالوليد بن مسلم الأموي مولاهم الدمشقي أبي العباس صاحب الأوزاعي، ولا يشتبه ذلك على العلماء
    به، فإنهما مفترقان في النسب إلى القبيلة والبلدة والكنية كما ذكرنا، وفي الطبقة فإن الأول أقدم طبقة وهو في طبقة كبار شيوخ الثاني، ويفترقان أيضا في الشهرة والعلم والجلالة، فإن الثاني متميز بذلك كله، قال العلماء: انتهى علم الشام إليه وإلى إسماعيل بن عياش، وكان أجل من ابن عياش رحمهم الله أجمعين والله أعلم. وأما حمران فبضم الحاء المهملة وإسكان الميم، وهو حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، كنية حمران أبو يزيد كان من سبي عين التمر. وأما معنى الحديث وما أشبه فقد جمع فيه القاضي عياض رحمه الله كلاما حسنا جمع فيه نفائس، فأنا أنقل كلامه مختصرا ثم أضم بعده إليه ما حضرني من زيادة. قال القاضي عياض رحمه الله: اختلف الناس فيمن عصى الله تعالى من أهل الشهادتين فقالت المرجئة: لا تضره المعصية مع الإيمان، وقالت الخوارج: تضره ويكفر بها، وقالت المعتزلة: يخلد في النار إذا كانت معصيته كبيرة، ولا يوصف بأنه مؤمن ولا كافر، ولكن يوصف بأنه فاسق، وقالت الأشعرية: بل هو مؤمن وإن لم يغفر له وعذب فلا بد من إخراجه من النار وإدخاله الجنة. قال: وهذا الحديث حجة على الخوارج والمعتزلة، وأما المرجئة فإن احتجت
    بظاهره قلنا محمله على أنه غفر له أو أخرج من النار بالشف اعة ثم أدخل الجنة، فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: دخل الجنة أي دخلها بعد مجازاته بالعذاب، وهذا لا بد من تأويله لما جاء في ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة، فلا بد من تأويل هذا لئلا تتناقض نصوص الشريعة. وفي قوله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم إشارة إلى الرد على من قال من غلاة المرجئة أن مظهر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه، وقد قيد ذلك في حديث آخر بقوله صلى الله عليه وسلم غير شاك فيهما، وهذا يؤكد ما قلناه، قال القاضي: وقد يحتج به أيضا من يرى أن مجرد معرفة القلب نافعة دون النطق بالشهادتين لاقتصاره على العلم، ومذهب أهل السنة أن المعرفة مرتبطة بالشهادتين، لا تنفع إحداهما ولا تنجي من النار دون الأخرى إلا لمن لم يقدر على الشهادتين لاَفة بلسانه أو لم تمهله المدة ليقولها بل اخترمته المنية، ولا حجة لمخالف الجماعة بهذا اللفظ، إذ قد ورد مفسرا في الحديث الاَخر: "من قال لا إلَه إلا الله ومن شهد أن لا إلَه إلا الله وأني رسول الله" وقد جاء هذا الحديث وأمثاله كثيرة في ألفاظها اختلاف، ولمعانيها عند أهل التحقيق ائتلاف، فجاء هذا
    اللفظ في هذا الحديث. وفي رواية معاذ عنه صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إلَه إلا الله دخل الجنة". وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم: "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة". وعنه صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يشهد أن لا إلَه إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرمه الله على النار". ونحوه في حديث عبادة بن الصامت وعتبان بن مالك. وزاد في حديث عبادة: على ما كان من عمل. وفي حديث أبي هريرة: "لا يلقى الله تعالى بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق". وفي حديث أنس: "حرم الله على النار من قال لا إلَه إلا الله يبتغي بذلك وجه الله تعالى". وهذه الأحاديث كلها سردها مسلم رحمه الله في كتابه. فحكى عن جماعة من السلف رحمهم الله منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي. وقال بعضهم: هي مجملة تحتاج إلى شرح ومعناه: من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها، وهذا قول الحسن البصري.
    وقيل: إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة ومات على ذلك، وهذا قول البخاري، وهذه التأويلات إنما هي إذا حملت الأحاديث على ظاهرها، وأما إذا نزلت منازلها فلا يشكل تأويلها على ما بينه المحققون، فنقرر أولاً أن مذهب أهل السنة بأجمعهم من السلف الصالح وأهل الحديث والفقهاء والمتكلمين على مذهبهم من الأشعريين أن أهل الذنوب في مشيئة الله تعالى، وأن كل من مات على الإيمان وتشهد مخلصا من قلبه بالشهادتين فإنه يدخل الجنة، فإن كان تائبا أو سليما من المعاصي دخل الجنة برحمة ربه وحرم على النار بالجملة، فإن حملنا اللفظين الواردين على هذا فيمن هذه صفته كان بينا، وهذا معنى تأويلي الحسن والبخاري، وإن كان هذا من المخلطين بتضييع ما أوجب الله تعالى عليه أو بفعل ما حرم عليه فهو في المشيئة، لا يقطع في أمره بتحريمه على النار، ولا باستحقاقه الجنة لأول وهلة، بل يقطع بأنه لا بد من دخوله الجنة آخرا، وحاله قبل ذلك في خطر المشيئة، إن شاء الله تعالى عذبه بذنبه، وإن شاء عفا عنه بفضله، ويمكن أن تستقل الأحاديث بنفسها ويجمع بينها، فيكون المراد باستحقاق الجنة ما قدمناه من إجماع أهل السنة أنه لا بد من دخولها لكل موحد إما
    معجلاً معافى، وإما مؤخرا بعد عقابه، والمراد بتحريم النار تحريم الخلود، خلافا للخوارج والمعتزلة في المسألتين، ويجوز في حديث: "من كان آخر كلامه لا إلَه إلا الله دخل الجنة" أن يكون خصوصا لمن كان هذا آخر نطقه وخاتمة لفظه وإن كان قبل مخلطا، فيكون سببا لرحمة الله تعالى إياه ونجاته رأسا من النار وتحريمه عليها، بخلاف من لم يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلطين، وكذلك ما ورد في حديث عبادة من مثل هذا، ودخوله من أي أبواب الجنة شاء، يكون خصوصا لمن قال ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته، ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة إن شاء الله تعالى، والله أعلم. هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله وهو في نهاية الحسن. وأما ما حكاه عن ابن المسيب وغيره فضعيف باطل، وذلك لأن راوي أحد هذه الأحاديث أبو هريرة رضي الله عنه وهو متأخر الإسلام أسلم عام خيبر سنة سبع بالاتفاق، وكانت أحكام الشريعة مستقرة، وأكثر هذه الواجبات كانت فروضها مستقرة، وكانت الصلاة والصيام والزكاة وغيرها من الأحكام قد تقرر فرضها، وكذا
    الحج على قول من قال: فرض سنة خمس أو ست، وهما أرجح من قول من قال سنة تسع والله أعلم. وذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى تأويلاً آخر في الظواهر الواردة بدخول الجنة بمجرد الشهادة فقال: يجوز أن يكون ذلك اقتصارا من بعض الرواة نشأ من تقصيره في الحفظ والضبط، لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدلالة مجيئه تاما في رواية غيره، وقد تقدم نحو هذا التأويل. قال: ويجوز أن يكون اختصارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما خاطب به الكفار عبدة الأوثان الذين كان توحيدهم لله تعالى مصحوبا بسائر ما يتوقف عليه الإسلام ومستلزما له، والكافر إذا كان لا يقر بالوحدانية كالوثني والثنوي فقال: لا إلَه إلا الله وحاله الحال التي حكيناها حكم بإسلامه، ولا نقول والحالة هذه ما قاله بعض أصحابنا من أن من قال: لا إلَه إلا الله يحكم بإسلامه ثم يجبر على قبول سائر الأحكام، فإن حاصله راجع إلى أنه يجبر حينئذٍ على إتمام الإسلام، ويجعل حكمه حكم المرتد إن لم يفعل من غير أن يحكم بإسلامه بذلك في نفس الأمر وفي أحكام الاَخرة، ومن وصفناه مسلم في نفس الأمر وفي أحكام الاَخرة، والله أعلم.
    قوله: (حدثنا عبيد الله الأشجعي عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث. وفي الرواية الأخرى عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد شك الأعمش قال: لما كان يوم غزوة تبوك الحديث) هذان الإسنادان مما استدركه الدارقطني وعلله. أما الأول فعلله من جهة أن أبا أسامة وغيره خالفوا عبيد الله الأشجعي فرووه عن مالك بن مغول عن طلحة عن أبي صالح مرسلاً. وأما الثاني فعلله لكونه اختلف فيه عن الأعمش فقيل فيه أيضا عنه عن أبي صالح عن جابر، وكان الأعمش يشك فيه. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: هذان الاستدراكان من الدارقطني، مع أكثر استدراكاته على البخاري ومسلم قدح في أسانيدهما غير مخرج لمتون الأحاديث من حيز الصحة، وقد ذكر في الحديث أبو مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي الحافظ، فيما أجاب الدارقطني عن استدراكاته على مسلم رحمه الله أن الأشجعي ثقة مجود، فإذا جود ما قصر فيه غيره حكم له به، ومع ذلك فالحديث له أصل ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برواية الأعمش له مسندا، وبرواية يزيد بن أبي عبيد وإياس بن سلمة بن
    الأكوع عن سلمة، قال الشيخ: رواه البخاري عن سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما شك الأعمش فهو غير قادح في متن الحديث فإنه شك في عين الصحابي الراوي له وذلك غير قادح، لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول، هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو رحمه الله: قلت: وهذان الاستدراكان لا يستقيم واحد منهما. أما الأول فلأنا قدمنا في الفصول السابقة أن الحديث الذي رواه بعض الثقات موصولاً وبعضهم مرسلاً، فالصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين أن الحكم لرواية الوصل، سواء كان راويها أقل عددا من رواية الإرسال أو مساويا لأنها زيادة ثقة، فهذا موجود هنا وهو كما قال الحافظ أبو مسعود الدمشقي: جود وحفظ ما قصر فيه غيره. وأما الثاني فلأنهم قالوا: إذا قال الراوي حدثني فلان أو فلان وهما ثقتان احتج به بلا خلاف، لأن المقصود الرواية عن ثقة مسمى وقد حصل، وهذه قاعدة ذكرها الخطيب البغدادي في الكفاية وذكرها غيره، وهذا في غير الصحابة ففي الصحابة أولى فإنهم كلهم عدول، فلا غرض في تعيين الراوي منهم والله أعلم. وأما ضبط لفظ الإسناد فمغول بكسر الميم وإسكان الغين المعجمة وفتح الواو. وأما مصرف فبضم الميم
    وفتح الصاد المهملة وكسر الراء، هذا هو المشهور المعروف في كتب المحدثين وأصحاب المؤتلف وأصحاب أسماء الرجال وغيرهم. وحكى الإمام أبو عبد الله القعلي الفقيه الشافعي في كتابه ألفاظ المهذب أنه يروى بكسر الراء وفتحها، وهذا الذي حكاه من رواية الفتح غريب منكر ولا أظنه يصح، وأخاف أن يكون قلد فيه بعض الفقهاء أو بعض النسخ أو نحو ذلك، وهذا كثير يوجد مثله في كتب الفقه وفي الكتب المصنفة في شرح ألفاظها، فيقع فيها تصحيفات ونقول غريبة لا تعرف، وأكثر هذه الغريبة أغاليط، لكون الناقلين لها لم يتحروا فيها والله أعلم. قوله: (حتى هم بنحر بعض حمائلهم) روي بالحاء وبالجيم، وقد نقل جماعة من الشراح الوجهين لكن اختلفوا في الراجح منهما، فممن نقل الوجهين صاحب التحرير والشيخ أبو عمرو بن الصلاح وغيرهما، واختار صاحب التحرير الجيم، وجزم القاضي عياض بالحاء ولم يذكر غيرها. قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: وكلاهما صحيح، فهو بالحاء جمع حمولة بفتح الحاء وهي الإبل التي تحمل، وبالجيم جمع جمالة بكسرها جمع جمل، ونظيره حجر وحجارة، والجمل هو الذكر دون الناقة، وفي هذا الذي هم به النبي صلى الله عليه وسلم بيان لمراعاة المصالح، وتقديم
    الأهم فالأهم، وارتكاب أخف الضررين لدفع أضرهما، والله أعلم. قوله: (فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم) هذا فيه بيان جواز عرض المفضول على الفاضل ما يراه مصلحة لينظر الفاضل فيه، فإن ظهرت له مصلحة فعله، ويقال بقي بكسر القاف وفتحها والكسر لغة أكثر العرب وبها جاء القرآن الكريم، والفتح لغة طي، وكذا يقولون فيما أشبهه والله أعلم. قوله: (فجاء ذو البر ببره، وذو التمر بتمره، قال: وقال مجاهد: وذو النواة بنواه) هكذا هو في أصولنا وغيرها، الأول النواة بالتاء في آخره، والثاني بحذفها، وكذا نقله القاضي عياض عن الأصول كلها ثم قال: ووجهه ذو النوى بنواه، كما قال: ذو التمر بتمره، قال الشيخ أبو عمرو: وجدته في كتاب أبي نعيم المخرج على صحيح مسلم ذو النوى بنواه، قال: وللواقع في كتاب مسلم وجه صحيح وهو أن يجعل النواة عبارة عن جملة من النوى أفردت عن غيرها، كما أطلق اسم الكلمة على القصيدة، أو تكون النواة من قبيل ما يستعمل في الواحد والجمع، ثم أن القائل قال مجاهد: هو طلحة بن مصرف، قاله الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري والله أعلم. وفي هذا الحديث جواز خلط المسافرين أزوادهم وأكلهم
    منها مجتمعين، وإن كان بعضهم يأكل أكثر من بعض، وقد نص أصحابنا على أن ذلك سنة والله أعلم.
    قوله: (كانوا يمصونها) هو بفتح الميم هذه اللغة الفصيحة المشهورة، ويقال: مصصت الرمانة والتمرة وشبههما بكسر الصاد أمصها بفتح الميم. وحكى الأزهري عن بعض العرب ضم الميم. وحكى أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح عن ثعلب عن ابن الأعرابي هاتين اللغتين: مصصت بكسر الصاد أمص بفتح الميم، ومصصت بفتح الصاد أمص بضم الميم، مصافيهما، فأنا ماص، وهي ممصوصة، وإذا أمرت منهما قلت: مص الرمانة ومصها ومصها ومصها ومصها، فهذه خمس لغات في الأمر: فتح الميم مع الصاد ومع كسرها، وضم الميم مع فتح الصاد ومع كسرها وضمها، هذا كلام ثعلب. والفصيح المعروف في مصها ونحوه مما يتصل به هاء التأنيث لمؤنث، أنه يتعين فتح ما يلي الهاء ولا يكسر ولا يضم. قوله: (حتى ملأ القوم أزودتهم) هكذا الرواية فيه في جميعها الأصول، وكذا نقله عن الأصول جميع القاضي عياض وغيره. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: الأزودة جمع زاد وهي لا تملأ إنما تملأ بها أوعيتها، قال: ووجهه عندي أن يكون المراد حتى ملأ القوم أوعية أزودتهم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. قال القاضي عياض: ويحتمل أنه سمى الأوعية أزوادا باسم ما فيها كما في نظائره، والله أعلم. وفي هذا
    الحديث علم من أعلام النبوة الظاهرة، وما أكثر نظائره التي يزيد مجموعها على شرط التواتر ويحصل العلم القطعي، وقد جمعها العلماء وصنفوا فيها كتبا مشهورة والله أعلم.
    قوله: (لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة) هكذا ضبطناه يوم غزوة تبوك، والمراد باليوم هنا الوقت والزمان، لا اليوم الذي هو ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس، وليس في كثير من الأصول أو أكثرها ذكر اليوم هنا. وما الغزوة فيقال فيها أيضا الغزاة. وأما تبوك فهي من أدنى أرض الشام. والمجاعة: بفتح الميم وهو الجوع الشديد.
    قوله: (فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا) النواضح من الإبل التي يستقى عليها، قال أبو عبيد: الذكر منها ناضح، والأنثى ناضحة. قال صاحب التحرير: قوله وادهنا ليس مقصوده ما هو المعروف من الأدهان، وإنما معناه اتخذنا دهنا من شح ومها. وقولهم: لو أذنت لنا هذا من أحسن آداب خطاب الكبار والسؤال منهم، فيقال: لو فعلت كذا أو أمرت بكذا، لو أذنت في كذا وأشرت بكذا، ومعناه لكان خيرا، أو لكان صوابا ورأيا متينا، أو مصلحة ظاهرة، وما أشبه هذا. فهذا أجمل من قولهم للكبير: افعل كذا بصيغة الأمر، وفيه أنه لا ينبغي لأهل العسكر من الغزاة أن يضيعوا دوابهم التي يستعينون بها في القتال بغير إذن الإمام، ولا يأذن لهم إلا إذا رأى مصلحة أو خاف مفسدة ظاهرة، والله أعلم. قوله: (فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلت قل الظهر) فيه جواز الإشارة على الأئمة والرؤساء، وأن للمفضول أن يشير عليهم بخلاف ما رأوه إذا ظهرت مصلحته عنده، وأن يشير عليهم بإبطال ما أمروا بفعله، والمراد بالظهر هنا الدواب، سميت ظهرا لكونها يركب على ظهرها، أو لكونها يستظهر بها ويستعان على السفر. قوله: (ثم ادع
    الله تعالى لهم عليها بالبركة لعل الله تعالى أن يجعل في ذلك) هكذا وقع في الأصول التي رأينا، وفيه محذوف تقديره: يجعل في ذلك بركة أو خيرا أو نحو ذلك، فحذف المفعول به لأنه فضلة، وأصل البركة كثرة الخير وثبوته، وتبارك الله ثبت الخير عنده، وقيل غير ذلك. قوله: (فدعا بنطع) فيه أربع لغات مشهورة: أشهرها كسر النون مع فتح الطاء، والثانية بفتحهما، والثالثة بفتح النون مع إسكان الطاء، والرابعة بكسر النون مع إسكان الطاء. قوله: (وفضلت فضلة) يقال: فضل وفضل بكسر الضاد وفتحها لغتان مشهورتان.
    قوله: (حدثنا داود بن رشيد، حدثنا الوليد يعني ابن مسلم عن ابن جابر قال: حدثني عمير بن هانئ قال: حدثني جنادة بن أبي أمية قال: حدثنا عبادة بن الصامت) أما رشيد فبضم الراء وفتح الشين. وأما الوليد بن مسلم فهو الدمشقي صاحب الأوزاعي، وقد قدمنا في أول هذا الباب بيانه. وقوله: يعني ابن مسلم قد قدمنا مرات فائدته، وأنه لم يقع نسبه في الرواية فأراد إيضاحه من غير زيادة في الرواية. وأما ابن جابر فهو عبد الرحمن بن يزيد جابر الدمشقي الجليل. وأما هانئ فهو بهمز آخره. وأما جنادة بضم الجيم فهو جنادة بن أمية، واسم أبي أمية كبير بالباء الموحدة، وهو دوسي أزدي نزل فيهم شامي، وجنادة وأبوه صحابيان، هذا هو الصحيح الذي قاله الأكثرون. وقد روى له النسائي حديثا في صوم يوم الجمعة: "أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في ثمانية أنفس وهم صيام" وله غير ذلك من الحديث الذي فيه التصريح بصحبته. قال أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر: كان من الصحابة وشهد فتح مصر، وكذا قال غيره، ولكن أكثر رواياته عن الصحابة. وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي: قال ابن عبد الله العجلي: هو تابعي من كبار التابعين، وكنية جنادة أبو عبد الله كان صاحب
    غزو رضي الله عنه، والله أعلم. وهذا الإسناد كله شاميون إلا داود بن رشيد فإنه خوارزمي سكن بغداد. قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء) هذا حديث عظيم الموقع، وهو أجمع أو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد، فإنه صلى الله عليه وسلم جمع فيه ما يخرج عن جميع ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدها، فاختصر صلى الله عليه وسلم في هذه الأحرف على ما يباين به جميعهم، وسمى عيسى عليه السلام كلمة لأنه كان بكلمة كن، فحسب من غير أب، بخلاف غيره من بني آدم. قال الهروي: سمي كلمة لأنه كان عن الكلمة فسمي بها، كما يقال للمطر رحمة. قال الهروي: وقوله تعالى: {وروح منه} أي رحمة، قال: وقال ابن عرفة: أي ليس من أب إنما نفخ في أمه الروح. وقال غيره: وروح منه أي مخلوقة من عنده، وعلى هذا يكون إضافتها إليه إضافة تشريف كناقة الله، وبيت الله، وإلا فالعالم له سبحانه وتعالى ومن عنده، والله أعلم.
    قوله: (حدثنا إبراهيم الدورقي) هو بفتح الدال، وقد تقدم بيانه في المقدمة، وتقدم أن اسم الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو مع بيان الاختلاف في الأوزاع التي نسب إليها. قوله صلى الله عليه وسلم: (أدخله الله الجنة على ما كان من عمل) هذا محمول على إدخاله الجنة في الجملة، فإن كانت له معاص من الكبائر فهو في المشيئة، فإن عذب ختم له بالجنة، وقد تقدم هذا في كلام القاضي وغيره مبسوطا مع بيان الاختلاف فيه، والله أعلم.
    (يتبع...)‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:39 pm

    كتاب الإيمان.
    باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا.

    (تابع... 1): هذا الباب فيه أحاديث كثيرة، وتنتهي إلى حديث العباس بن عبد المطلب رضي... ...
    قوله: (عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن الصنابحي، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: دخلت عليه وهو في الموت فبكيت فقال: مهلاً) أما ابن عجلان بفتح العين فهو الإمام أبو عبد الله محمد بن عجلان المدني مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، كان عابدا فقيها، وكان له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يفتي، وهو تابعي أدرك أنسا وأبا الطفيل، قاله أبو نعيم. روى عن أنس والتابعين. ومن طرف أخباره أنه حملت به أمه أكثر من ثلاث سنين. وقد قال الحاكم أبو أحمد في كتاب الكنى: محمد بن عجلان يعد في التابعين ليس هو بالحافظ عنده ووثقه غيره. وقد ذكره مسلم هنا متابعة، قيل: إنه لم يذكر له في الأصول شيئا، والله أعلم. وأما حبان ففتح الحاء وبالموحدة، ومحمد بن يحيى هذا تابعي سمع أنس بن مالك رضي الله عنه. وأما ابن محيريز فهو عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب القرشي الجمحي، من أنفسهم المكي أبو عبد الله التابعي الجليل، سمع جماعة من الصحابة منهم عبادة بن الصامت، وأبو محذورة وأبو سعيد الخدري وغيرهم رضي الله عنهم، سكن بيت المقدس. قال الأوزاعي: من كان مقتديا فليقتد بمثل
    ابن محيريز، فإن الله تعالى لم يكن ليضل أمة فيها مثل ابن محيريز. وقال رجاء بن حيوة بعد موت ابن محيريز: والله إن كنت لأعد بقاء ابن محيريز أمانا ولأهل الأرض. وأما الصنابحي بضم الصاد المهملة فهو أبو عبد الرحمن بن عسيلة بضم العين وفتح السين المهملتين المرادي، والصنابح بطن من مراد، وهو تابعي جليل، رحل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقبض النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق وهو بالجحفة قبل أن يصل بخمس ليال أو ست، فسمع أبا بكر الصديق وخلائق من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وقد يشتبه على غير المشتغل بالحديث الصنابحي هذا بالصنابح بن الأعسر الصحابي رضي الله عنه، والله أعلم. واعلم أن هذا الإسناد فيه لطيفة مستطرفة من لطائف الإسناد، وهي أنه اجتمع فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض ابن عجلان وابن حبان وابن محيريز والصنابحي، والله أعلم. وأما قوله: (عن الصنابحي عن عبادة أنه قال: دخلت عليه) فهذا كثير يقع مثله، وفيه صنعة حسنة، وتقديره عن الصنابحي أنه حدث عن عبادة بحديث قال فيه: دخلت عليه. ومثله ما سيأتي قريبا في كتاب الإيمان في حديث: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين. قال مسلم رحمه الله: حدثنا يحيى بن
    يحيى قال: أنا هشيم عن صالح بن صالح عن الشعبي قال: رأيت رجلاً سأل الشعبي فقال: يا أبا عمرو إن من قبلنا من أهل خراسان ناس يقولون كذا، فقال الشعبي: حدثني أبو بردة عن أبيه. فهذا الحديث من النوع الذي نحن فيه، فتقديره قال هشيم: حدثني صالح عن الشعبي بحديث قال فيه صالح: رأيت رجلاً سأل الشعبي، ونظائر هذا كثيرة سننبه على كثير منها في مواضعها إن شاء الله تعالى، والله أعلم. وقوله: (مهلاً) هو بإسكان الهاء ومعناه أنظرني، قال الجوهري: يقال مهلاً يا رجل بالسكون، وكذلك للإثنين والجمع، والمؤنث وهي موحدة بمعنى أمهل، فإذا قيل لك مهلاً، قلت: لا مهل والله، ولا تقل: لا مهلاً، وتقول: ما مهل والله بمغنية عنك شيئا، والله أعلم. قوله: (ما من حديث لكم فيه خير إلا وقد حدثتكموه) قال القاضي عياض رحمه الله: فيه دليل على أنه كتم ما خشي الضرر فيه والفتنة مما لا يحتمله عقل كل واحد، وذلك فيما ليس تحته عمل، ولا فيه حد من حدود الشريعة، وقال: ومثل هذا عن الصحابة رضي الله عنهم كثير في ترك الحديث بما ليس تحته عمل ولا تدعو إليه ضرورة، أو لا تحمله عقول العامة، أو خشيت مضرته على قائله أو سامعه، لا سيما ما يتعلق بأخبار المنافقين
    والإمارة وتعيين قوم وصفوا بأوصاف غير مستحسنة، وذم آخرين ولعنهم، والله أعلم. قوله: (وقد أحيط بنفسي) معناه قربت من الموت وأيست من النجاة والحياة، قال صاحب التحرير: أصل الكلمة في الرجل يجتمع عليه أعداؤه فيقصدونه فيأخذون عليه جميع الجوانب بحيث لا يبقى له في الخلاص مطمع فيقال: أحاطوا به أي أطافوا به من جوانبه ومقصوده رب موتى، والله أعلم.
    قوله: (هداب بن خالد) هو بفتح الهاء وتشديد الدال المهملة وآخره باء موحدة، ويقال: هدبة بضم الهاء وإسكان الدال، وقد ذكره مسلم رحمه الله في مواضع من الكتاب يقول في بعضها: هدبة، وفي بعضها: هداب، واتفقوا على أن أحدهما اسم والاَخر لقب، ثم اختلفوا في الاسم منهما، فقال أبو علي الغساني وأبو محمد عبد الله بن الحسن الطبسي وصاحب المطالع والحافظ عبد الغني المقدسي المتأخر: هدبة هو الاسم، وهداب لقب. وقال غيرهم: هداب اسم، وهدبة لقب، واختار الشيخ أبو عمرو هذا وأنكر الأول. وقال أبو الفضل الفلكي الحافظ: أنه كان يغضب إذا قيل له هدبة. وذكره البخاري في تاريخه فقال: هدبة بن خالد ولم يذكره هدابا، فظاهره أنه اختار أن هدبة هو الاسم، والبخاري أعرف من غيره فإنه شيخ البخاري ومسلم رحمهم الله أجمعين، والله أعلم. قوله: (كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، إلى آخر الحديث) أما قوله: ردف فهو بكسر
    الراء وإسكان الدال، هذه الرواية المشهورة التي ضبطها معظم الرواة. وحكى القاضي عياض رحمه الله أن أبا علي الطبري الفقيه الشافعي أحد رواة الكتاب ضبطه بفتح الراء وكسر الدال، والردف والرديف هو الراكب خلف الراكب، يقال منه ردفته بكسر الدال في الماضي وفتحها في المضارع إذا ركبت خلفه، وأردفته أنا، وأصله من ركوبه على الردف وهو العجز، قال القاضي: ولا وجه لرواية الطبري إلا أن يكون فعل هنا اسم فاعل مثل عجل وزمن إن صحت رواية الطبري، والله تعالى أعلم. قوله: ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل. أراد المبالغة في شدة قربه ليكون أوقع في نفس سامعه لكونه أضبط. وأما مؤخرة الرحل فبضم الميم بعده همزة ساكنة ثم خاء مكسورة هذا هو الصحيح، وفيه لغة أخرى مؤخرة بفتح الهمزة والخاء المشددة، قال القاضي عياض رحمه الله: أنكر ابن قتيبة فتح الخاء، وقال ثابت: مؤخرة الرحل ومقدمته بفتحهما، ويقال: آخرة الرحل بهمزة ممدودة وهذه أفصح وأشهر، وقد جمع الجوهري في صحاحه فيها ست لغات، فقال في قادمتي الرحل ست لغات: مقدم ومقدمة بكسر الدال مخففة، ومقدم ومقدمة بفتح الدال مشددة، وقادم وقادمة. قال: وكذلك هذه اللغات كلها في آخرة الرحل، وهي
    العود الذي يكون خلف الراكب. ويجوز في يا معاذ بن جبل وجهان لأهل العربية: أشهرهما وأرجحهما فتح معاذ، والثاني ضمه، ولا خلاف في نصب ابن. وقوله: لبيك وسعديك، في معنى لبيك أقوال نشير هنا إلى بعضها، وسيأتي إيضاحها في كتاب الحج إن شاء الله تعالى، والأظهر أن معناها إجابة لك بعد إجابة للتأكيد. وقيل معناه: قربا منك وطاعة لك. وقيل: أنا مقيم على طاعتك. وقيل: محبتي لك. وقيل غير ذلك. ومعنى سعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة. وأما تكريره صلى الله عليه وسلم نداء معاذ رضي الله عنه فلتأكيد الاهتمام بما يخبره، وليكمل تنبه معاذ فيما يسمعه. وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لهذا المعنى، والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (هل تدري ما حق الله على العباد؟ وهل تدري ما حق العباد على الله تعالى؟) قال صاحب التحرير: اعلم أن الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة، والله سبحانه وتعالى هو الحق الموجود الأزلي الباقي الأبدي، والموت والساعة والجنة والنار حق لأنها واقعة لا محالة، وإذا قيل للكلام: الصدق حق فمعناه: أن الشيء المخبر عنه بذلك الخبر واقع متحقق لا تردد فيه،
    وكذلك الحق المستحق على العبد غير أن يكون فيه تردد وتحير، فحق الله تعالى على العباد معناه ما يستحقه عليهم متحتما عليهم، وحق العباد على الله تعالى معناه أنه متحقق لا محالة، هذا كلام صاحب التحرير. وقال غيره: إنما قال حقهم على الله تعالى على جهة المقابلة لحقه عليهم، ويجوز أن يكون من نحو قول الرجل لصاحبه: حقك واجب علي، أي متأكد قيامي به. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام" والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) فقد تقدم في أواخر الباب الأول من كتاب الإيمان بيانه ووجه الجمع بين هذين اللفظين، والله أعلم.
    قوله: (كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير) بعين مهملة مضمومة ثم فاء مفتوحة، هذا هو الصواب في الرواية، وفي الأصول المعتمدة، وفي كتب أهل المعرفة بذلك. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: وقول القاضي عياض رحمه الله أنه بغين معجمة متروك، قال الشيخ: وهو الحمار الذي كان له صلى الله عليه وسلم، قيل: إنه مات في حجة الوداع، قال: وهذا الحديث يقتضي أن يكون هذا في مرة أخرى غير المرة المتقدمة في الحديث السابق، فإن مؤخرة الرحل تختص بالإبل ولا تكون على حمار، قلت: ويحتمل أن يكونا قضية واحدة، وأراد بالحديث الأول قدر مؤخرة الرحل، والله أعلم.
    قوله: (عن أبي حصين) هو بفتح الحاء وكسر الصاد واسمه عاصم، وقد تقدم بيانه في أول مقدمة الكتاب. قوله صلى الله عليه وسلم في حديث محمد بن مثنى وابن بشار: (أن يعبد الله ولا يشرك به شيء) هكذا ضبطناه يعبد بضم المثناة تحت وشيء بالرفع وهذا ظاهر. وقال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: ووقع في الأصول شيئا بالنصب وهو صحيح على التردد في قوله: يعبد الله ولا يشرك به شيئا، بين وجوه ثلاثة: أحدها يعبد الله بفتح الياء التي هي للمذكر الغائب، أي يعبد العبد الله ولا يشرك به شيئا، قال: وهذا الوجه أوجه الوجوه. والثاني: تعبد بفتح المثناة فوق للمخاطب على التخصيص لمعاذ لكونه المخاطب والتنبيه على غيره. والثالث: يعبد بضم أوله ويكون شيئا كناية عن المصدر لا عن المفعول به، أي لا يشرك به إشراكا، ويكون الجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل. قال: وإذا لم تعين الرواية شيئا من هذه الوجوه فحق على من يروي هذا الحديث منا أن ينطق بها كلها واحدا بعد واحد، ليكون آتيا بما هو المقول منها في نفس الأمر جزما والله أعلم. هذا آخر كلام الشيخ. وما ذكرناه أولاً صحيح في الرواية والمعنى، والله أعلم. قوله في آخر روايات حديث أبي ذر رضي الله
    عنه: (نحو حديثهم) يعني أن القاسم بن زكريا شيخ مسلم في الرواية الرابعة رواه نحو رواية شيوخ مسلم الأربعة المذكورين في الروايات الثلاث المتقدمة وهم: هداب، وأبو بكر ابن أبي شيبة، ومحمد بن مثنى، وابن بشار، والله أعلم. وقوله في رواية القاسم هذه: (حدثنا القاسم، حدثنا حسين عن زائدة) هكذا هو في الأصول كلها حسين بالسين وهو الصواب. وقال القاضي عياض: وقع في بعض الأصول حصين بالصاد وهو غلط، وهو حسين بن علي الجعفي، وقد تكررت روايته عن زائدة في الكتاب، ولا يعرف حصين بالصاد عن زائدة، والله أعلم.
    قوله: (حدثني أبو كثير، هو بالمثلثة واسمه يزيد بالزاي ابن عبد الرحمن بن أذينة، ويقال: ابن غفيلة بضم الغين المعجمة وبالفاء، ويقال: ابن عبد الله بن أذينة، قال أبو عوانة الاسفرايني في مسنده: غفيلة أصح من أذينة. قوله: (كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر) قال أهل اللغة: يقال قعدنا حوله وحوليه وحواليه وحواله بفتح الحاء واللام في جميعهما أي على جوانبه، قالوا: ولا يقال حواليه بكسر اللام. وأما قوله: ومعنا أبو بكر وعمر فهو من فصيح الكلام وحسن الأخبار، فإنهم إذا أرادوا الإخبار عن جماعة فاستكثروا أن يذكروا جميعهم بأسمائهم ذكروا أشرافهم أو بعض أشرافهم ثم قالوا: وغيرهم. وأما قوله: معنا بفتح العين هذه اللغة المشهورة، ويجوز تسكينها في لغة حكاها صاحب المحكم والجوهري وغيرهما وهي للمصاحبة، قال صاحب المحكم مع اسم معناه الصحبة، وكذلك مع بإسكان العين، غير أن المحركة تكون اسما وحرفا، والساكنة لا تكون إلا حرفا. قال اللحياني قال الكسائي: ربيعة وغنم يسكنون فيقولون: معكم ومعنا، فإذا جاءت الألف واللام أو ألف الوصل اختلفوا، فبعضهم يفتح العين وبعضهم يكسرها
    فيقولون: مع القوم ومع ابنك. وبعضهم يقول: مع القوم ومع ابنك. أما من فتح فبناه على قولك كنا معا ونحن معا، فلما جعلها حرفا وأخرجها عن الاسم حذف الألف وترك العين على فتحتها، وهذه لغة عامة العرب. وأما من سكن ثم كسر عند ألف الوصل فأخرجه مخرج الأدوات مثل هل وبل، فقال مع القوم كقولك هل القوم وبل القوم، وهذه الأحرف التي ذكرتها في مع وإن لم يكن هذا موضعها فلا ضرر في التنبيه عليها لكثرة تردادها، والله أعلم. قوله: (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا) وقال بعده: كنت بين أظهرنا، هكذا هو في الموضعين أظهرنا. وقال القاضي عياض رحمه الله: ووقع الثاني في بعض الأصول ظهرينا، وكلاهما صحيح، قال أهل اللغة: يقال نحن بين أظهركم وظهريكم وظهرانيكم بفتح النون أي بينكم. قوله: (وخشينا أن يقتطع دوننا) أي يصاب بمكروه من عدو، إما بأسر، وإما بغيره. قوله: (وفزعنا وقمنا فكنت أول من فزع) قال القاضي عياض رحمه الله: الفزع يكون بمعنى الروع، وبمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به، وبمعنى الأغاثة، قال: فتصح هذه المعاني الثلاثة، أي ذعرنا لاحتباس النبيّ صلى الله عليه وسلم عنا، ألا تراه كيف قال: وخشينا أن يقتطع دوننا.
    ويدل على الوجهين الاَخرين قوله: فكنت أول من فزع. قوله: (حتى أتيت حائطا للأنصار) أي بستانا، وسمي بذلك لأنه حائط لا سقف له. قوله: (فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة والربيع الجدول) أما الربيع فبفتح الراء على لفظ الربيع الفصل المعروف، والجدول بفتح الجيم وهو النهر الصغير، وجمع الربيع أربعاء كنبي وأنبياء. وقوله: بئر خارجة هكذا ضبطناه بالتنوين في بئر وفي خارجة، على أن خارجة صفة لبئر، كذا نقله الشيخ أبو عمرو بن الصلاح عن الأصل الذي هو بخط الحافظ أبي عامر العبدري والأصل المأخوذ عن الجلودي. وذكر الحافظ أبو موسى الأصبهاني وغيره أنه روي على ثلاثة أوجه: أحدها هذا. والثاني: من بئر خارجه بتنوين بئر وبهاء في آخر خارجه مضمومة وهي هاء ضمير الحائط أي البئر في موضع خارج عن الحائط. والثالث: من بئر خارجة بإضافة بئر إلى خارجة آخره تاء التأنيث وهو اسم رجل، والوجه الأول هو المشهور الظاهر، وخالف هذا صاحب التحرير فقال: الصحيح هو الوجه الثالث. قال: والأول تصحيف. قال: والبئر يعنون بها البستان. قال: وكثيرا ما يفعلون هذا فيسمون البساتين بالاَبار التي فيه، يقولون: بئر أريس، وبئر بضاعة، وبئر حاء، وكلها
    بساتين. هذا كلام صاحب التحرير، وأكثره أو كله لا يوافق عليه، والله أعلم. والبئر مؤنثة مهمزوة يجوز تخفيف همزتها وهي مشتقة من بأرت أي حفرت، وجمعها في القلة أبؤر وأبآر بهمزة بعد الباء فيهما، ومن العرب من يقلب الهمزة في آبآر وينقل فيقول: آبار، وجمعها في الكثرة بئار بكسر الباء بعدها همزة، والله أعلم. قوله: (فاحتفزت كما يحتفز الثعلب) هذا قد روي على وجهين: روي بالزاي وروي بالراء. قال القاضي عياض: رواه عامة شيوخنا بالراء عن العبدري وغيره. قال: وسمعنا عن الأسدي عن أبي الليث الشاشي عن عبد الغافر الفارسي عن الجلودي بالزاي وهو الصواب، ومعناه: تضاممت ليسعني المدخل، وكذا قال الشيخ أبو عمرو أنه بالزاي في الأصل الذي بخط أبي عامر العبدري، وفي الأصل المأخوذ عن الجلودي، وأنها رواية الأكثرين، وأن رواية الزاي أقرب من حيث المعنى، ويدل عليه تشبيهه بفعل الثعلب وهو تضامه في المضايق، وأما صاحب التحرير فأنكر الزاي وخطأ رواتها واختار الراء وليس اختياره بمختار، والله تعالى أعلم. قوله: (فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو هريرة: فقلت نعم) معناه أنت أبو هريرة.
    قوله: (فقال: يا أبا هريرة، وأعطاني نعليه وقال: اذهب بنعلي هاتين) في هذا الكلام فائدة لطيفة فإنه أعاد لفظة قال، وإنما أعادها لطول الكلام وحصول الفصل بقوله: يا أبا هريرة وأعطاني نعليه وهذا حسن وهو موجود في كلام العرب، بل جاء أيضا في كلام الله تعالى. قال الله تبارك وتعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على لذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} قال الإمام أبو الحسن الواحدي. قال محمد بن يزيد: قوله تعالى: {فلما جاءهم} تكرير للأول لطول الكلام. قال: ومثله قوله تعالى: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون} أعاد أنكم لطول الكلام، والله أعلم. وأما إعطاؤه النعلين فلتكون علامة ظاهرة معلومة عندهم يعرفون بها أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم ويكون أوقع في نفوسهم لما يخبرهم به عنه صلى الله عليه وسلم، ولا ينكر كون مثل هذا يفيد تأكيدا وإن كان خبره مقبولاً من غير هذا، والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة) معناه أخبرهم أن من كانت هذه صفته فهو من أهل الجنة، وإلا
    فأبو هريرة لا يعلم استيقان قلوبهم، وفي هذا دلالة ظاهرة لمذهب أهل الحق أنه لا ينفع اعتقاد التوحيد دون النطق، ولا النطق دون الاعتقاد، بل لا بد من الجمع بينهما، وقد تقدم إيضاحه في أول الباب، وذكر القلب هنا للتأكيد ونفي توهم المجاز، وإلا فالاستيقان لا يكون إلا بالقلب. قوله: (فقال ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتين نعلا رسول الله صلى اللهعليه وسلم بعثني بهما) هكذا هو في جميع الأصول فقلت هاتين نعلا بنصب هاتين ورفع نعلا وهو صحيح، معناه فقلت يعني هاتين هما نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصب هاتين بإضمار يعني وحذف هما التي هي المبتدأ للعلم به، وأما قوله: بعثني بهما فهكذا ضبطناه بهما على التثنية وهو ظاهر، ووقع في كثير من الأصول أو أكثرها بها من غير ميم وهو صحيح أيضا، ويكون الضمير عائدا إلى العلامة، فإن النعلين كانتا علامة، والله أعلم. قوله: (فضرب عمر رضي الله عنه بين ثديي فخررت لإستي فقال: ارجع يا أبا هريرة) أما قوله ثديي فتثنية ثدي بفتح الثاء وهو مذكر، وقد يؤنث في لغة قليلة، واختلفوا في اختصاصه بالمرأة فمنهم من قال: يكون للرجل والمرأة، ومنهم من قال: هو للمرأة خاصة، فيكون إطلاقه
    في الرجل مجازا واستعارة، وقد كثر إطلاقه في الأحاديث للرجل، وسأزيده إيضاحا إن شاء الله تعالى في باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه. وأما قوله لإستي فهو اسم من أسماء الدبر، والمستحب في مثل هذا الكناية عن قبيح الأسماء واستعمال المجاز والألفاظ التي تحصل الغرض، ولا يكون في صورتها ما يستحيا من التصريح بحقيقة لفظه، وبهذا الأدب جاء القرآن العزيز والسنن كقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن أو جاء أحد منكم من الغائط فاعتزلوا النساء في المحيض} وقد يستعملون صريح الاسم لمصلحة راجحة، وهي إزالة اللبس أو الاشتراك أو نفي المجاز أو نحو ذلك كقوله تعالى: {الزانية والزاني} وكقوله صلى الله عليه وسلم: "أنكحتها" وكقوله صلى الله عليه وسلم: "أدبر الشيطان وله ضراط" وكقول أبي هريرة رضي الله عنه: "الحدث فساء أو ضراط" ونظائر ذلك كثيرة. واستعمال أبي هريرة هنا لفظ الإست من هذا القبيل، والله أعلم. وأما دفع عمر رضي الله عنه له فلم يقصد به سقوطه وإيذاءه، بل قصد رده عما هو عليه، وضرب بيده في صدره ليكون أبلغ في زجره، قال القاضي عياض
    وغيره من العلماء رحمهم الله: وليس فعل عمر رضي الله عنه ومراجعته النبيّ صلى الله عليه وسلم اعتراضا عليه وردا لأمره، إذ ليس فيما بعث به أبا هريرة غير تطييب قلوب الأمة وبشراهم، فرأى عمر رضي الله عنه أن كتم هذا أصلح لهم وأحرى أن لا يتكلوا، وأنه أعود عليهم بالخير من معجل هذه البشرى، فلما عرضه على النبيّ صلى الله عليه وسلم صوبه فيه، والله تعالى أعلم. وفي هذا الحديث أن الإمام والكبير مطلقا إذا رأى شيئا ورأى بعض أتباعه خلافه أنه ينبغي للتابع أن يعرضه على المتبوع لينظر فيه، فإن ظهر له أن ما قاله التابع هو الصواب رجع إليه، وإلا بين للتابع جواب الشبهة التي عرضت له، والله أعلم. قوله: (فأجهشت بكاء وركبني عمر رضي الله عنه وإذا هو على أثري) أما قوله: أجهشت فهو بالجيم والشين المعجمة والهمزة والهاء مفتوحتان، هكذا وقع في الأصول التي رأيناها، ورأيت في كتاب القاضي عياض رحمه الله فجهشت بحذف الألف وهما صحيحان، قال أهل اللغة: يقال جهشت جهشا وجهوشا، وأجهشت إجهاشا، قال القاضي عياض رحمه الله: وهو أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو متغير الوجه متهيء للبكاء ولما يبك بعد، قال الطبري: هو الفزع والاستغاثة، وقال
    أبو زيد: جهشت للبكاء والحزن والشوق، والله أعلم.
    وأما قوله بكاء فهو منصوب على المفعول له، وقد جاء في رواية للبكاء والبكا يمد ويقصر لغتان. وأما قوله: وركبني عمر فمعناه تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة. وأما قوله: على أثري ففيه لغتان فصيحتان مشهورتان: بكسر الهمزة وإسكان الثاء وبفتحهما، والله أعلم. قوله: (بأبي أنت وأمي) معناه أنت مفدى أو أفديك بأبي وأمي. واعلم أن حديث أبي هريرة هذا مشتمل على فوائد كثيرة تقدم في أثناء الكلام منه جمل، ففيه جلوس العالم لأصحابه ولغيرهم من المستفتين وغيرهم يعلمهم ويفيدهم ويفتيهم، وفيه ما قدمناه أنه إذا أراد ذكر جماعة كثيرة فاقتصر على ذكر بعضهم ذكر أشرافهم أو بعض أشرافهم ثم قال وغيرهم، وفيه بيان ما كانت الصحابة رضي الله عنهم عليه من القيام بحقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامه والشف قة عليه والانزعاج البالغ لما يطرقه صلى الله عليه وسلم، وفيه اهتمام الأتباع بحقوق متبوعهم، والاعتناء بتحصيل مصالحه ودفع المفاسد عنه، وفيه جواز دخول الإنسان ملك غيره بغير إذنه إذا علم أنه يرضى ذلك لمودة بينهما أو غير ذلك، فإن أبا هرية رضي الله عنه دخل الحائط وأقره النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم ينقل أنه أنكر
    عليه، وهذا غير مختص بدخول الأرض، بل يجوز له الانتفاع بأدواته وأكل طعامه والحمل من طعامه إلى بيته وركوب دابته، ونحو ذلك من التصرف الذي يعلم أنه لا يشق على صاحبه، هذا هو المذهب الصحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف من العلماء رحمة الله عليهم، وصرح به أصحابنا. قال أبو عمر بن عبد البر: وأجمعوا على أنه لا يتجاوز الطعام وأشباهه إلى الدراهم والدنانير وأشباههما، وفي ثبوت الإجماع في حق من يقطع بطيب قلب صاحبه بذلك نظر، ولعل هذا يكون في الدراهم الكثيرة التي يشك أو قد يشك في رضاه بها، فإنهم اتفقوا على أنه إذا تشكك لا يجوز التصرف مطلقا فيما تشكك في رضاه به، ثم دليل الجواز في الباب الكتاب والسنة وفعل وقول أعيان الأمة، فالكتاب قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم، إلى قوله تعالى: أو صديقكم} والسنة هذا الحديث وأحاديث كثيرة معروفة بنحوه، وأفعال السلف وأقوالهم في هذا أكثر من أن تحصى، والله تعالى أعلم. وفيه إرسال الإمام والمتبوع إلى أتباعه بعلامة يعرفونها ليزدادوا بها طمأنينة، وفيه ما قدمناه من الدلالة لمذهب أهل الحق
    أن الإيمان المنجي من الخلود في النار لا بد فيه من الاعتقاد والنطق، وفيه جواز إمساك بعض العلوم التي لا حاجة إليها للمصلحة أو خوف المفسدة، وفيه إشارة بعض الأتباع على المتبوع بما يراه مصلحة، وموافقة المتبوع له إذا رآه مصلحة، ورجوعه عما أمر به بسببه، وفيه جواز قول الرجل للاَخر: بأبي أنت وأمي، قال القاضي عياض رحمه الله: وقد كرهه بعض السلف وقال: لا يفدى بمسلم، والأحاديث الصحيحة تدل على جوازه، سواء كان المفدي به مسلما أو كافرا، حيا كان أو ميتا وفيه غير ذلك، والله أعلم.
    قول مسلم رحمه الله: (حدثني إسحاق بن منصور، أخبرني معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه) هذا الإسناد كله بصريون إلا إسحاق فإنه نيسابوري، فيكون الإسناد بيني وبين معاذ بن هشام نيسابوريين وباقيه بصريون.
    قوله: (فأخبر بها معاذ عند موته تأثما) هو بفتح الهمزة وضم المثلثة المشددة، قال أهل اللغة، تأثم الرجل إذا فعل فعلاً يخرج به من الإثم، وتحرج أزال عنه الحرج، وتحنث أزال عنه الحنث، ومعنى تأثم معاذ أنه كان يحفظ علما يخاف فواته وذهابه بموته، فخشي أن يكون ممن كتم علما، وممن لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ سنته فيكون آثما، فاحتاط وأخبر بهذه السنة مخافة من الإثم، وعلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن الإخبار بها نهي تحريم. قال القاضي عياض رحمه الله: لعل معاذا لم يفهم من النبيّ صلى الله عليه وسلم النهي، لكن كسر عزمه عما عرض له من بشراهم بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا قلبه فبشره بالجنة" قال: أو يكون معناه بلغه بعد ذلك أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وخاف أن يكتم علما علمه فيأثم أو يكون حمل النهي على إذاعته، وهذا الوجه ظاهر، وقد اختاره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله فقال: منعه من التبشير العام خوفا من أن يسمع ذلك من لا خبرة له ولا علم فيغتر ويتكل، وأخبر به صلى الله عليه وسلم على الخصوص من أمن عليه الاغترار
    والاتكال من أهل المعرفة، فإنه أخبر به معاذا فسلك معاذ هذا المسلك، فأخبر به من الخاصة من رآه أهلاً لذلك، قال: وأما أمره صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة بالتبشير فهو من تغير الاجتهاد، وقد كان الاجتهاد جائزا له وواقعا منه صلى الله عليه وسلم عند المحققين، وله مزية على سائر المجتهدين بأنه لا يقر على الخطأ في اجتهاده، ومن نفى ذلك وقال: لا يجوز له صلى الله عليه وسلم القول في الأمور الدينية إلا عن وحي فليس يمتنع أن يكون قد نزل عليه صلى الله عليه وسلم عند مخاطبته عمر رضي الله عنه وحي بما أجابه به ناسخ لوحي سبق بما قاله أولاً صلى الله عليه وسلم، هذا كلام الشيخ، وهذه المسألة وهي اجتهاده صلى الله عليه وسلم فيها تفصيل معروف. فأما أمور الدنيا فاتفق العلماء رضي الله عنهم على جواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم فيها ووقوعه منه. وأما أحكام الدين فقال أكثر العلماء بجواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم لأنه إذا جاز لغيره فله صلى الله عليه وسلم أولى، وقال جماعة: لا يجوز له لقدرته على اليقين، وقال بعضهم: كان يجوز في الحروب دون غيرها، وتوقف في كل ذلك آخرون، ثم الجمهور الذين جوزوه اختلفوا في وقوعه،
    فقال الأكثرون منهم: وجد ذلك، وقال آخرون: لم يوجد، وتوقف آخرون، ثم الأكثرون الذين قالوا بالجواز والوقوع اختلفوا هل كان الخطأ جائزا عليه صلى الله عليه وسلم؟ فذهب المحققون إلى أنه لم يكن جائزا عليه صلى الله عليه وسلم، وذهب كثيرون إلى جوازه ولكن لا يقر عليه بخلاف غيره، وليس هذا موضع استقصاء هذا، والله أعلم.
    قوله: (حدثنا شيبان بن فروخ) هو بفتح الفاء وضم الراء وبالخاء المعجمة، وهو غير مصروف للعجمة والعلمية، قال صاحب كتاب العين: فروخ اسم ابن لإبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم هو أبو العجم، وكذا نقل صاحب المطالع وغيره أن فروخ ابن لإبراهيم صلى الله عليه وسلم وأنه أبو العجم، وقد نص جماعة من الأئمة على أنه لا ينصرف لما ذكرناه، والله أعلم. قوله: (حدثني ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال: قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت حديث بلغني عنك) هذا اللفظ شبيه بما تقدم في هذا الباب من قوله: عن ابن محيريز عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وقد قدمنا بيانه واضحا. وتقرير هذا الذي نحن فيه: حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بحديث قال فيه محمود: قدمت المدينة فلقيت عتبان، وفي هذا الإسناد لطيفتان من لطائفه: إحداهما أنه اجتمع فيه ثلاثة صحابيون بعضهم عن بعض وهم: أنس ومحمود وعتبان. والثانية أنه من رواية الأكابر عن الأصاغر، فإن أنسا أكبر من محمود سنا وعلما ومرتبة رضي الله عنهم أجمعين. وقد قال في الرواية الثانية: عن ثابت عن أنس قال: حدثني عتبان بن مالك، وهذا
    لا يخالف الأول، فإن أنسا سمعه أولاً من محمود عن عتبان، ثم اجتمع أنس بعتبان فسمعه منه، والله أعلم. وعتبان بكسر العين المهملة وبعدها تاء مثناة من فوق ساكنة ثم باء موحدة، وهذا الذي ذكرناه من كسر العين هو الصحيح المشهور الذي لم يذكر الجمهور سواه. وقال صاحب المطالع: وقد ضبطناه من طريق ابن سهل بالضم أيضا، والله أعلم. قوله: (أصابني في بصري بعض الشيء) وقال في الرواية الأخرى: عمي، يحتمل أنه أراد ببعض الشيء العمى وهو ذهاب البصر جميعه، ويحتمل أنه أراد به ضعف البصر وذهاب معظمه، وسماه عمى في الرواية الأخرى لقربه منه ومشاركته إياه في فوات بعض ما كان حاصلاً في حال السلامة، والله أعلم. قوله: (ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم) أما عظم فهو بضم العين وإسكان الظاء أي معظمه. وأما كبره فبضم الكاف وكسرها لغتان فصيحتان مشهورتان، وذكرهما في هذا الحديث القاضي عياض وغيره لكنهم رجحوا الضم، وقرئ قول الله سبحانه وتعالى: {والذي تولى كبره} بكسر الكاف وضمها، الكسر قراءة القراء السبعة، والضم في الشواذ، قال الإمام أبو إسحاق الثعلبي المفسر رحمه الله: قراءة العامة بالكسر، وقراءة حميد الأعرج ويعقوب الحضرمي
    بالضم، قال أبو عمرو بن العلاء: هو خطأ، وقال الكسائي: هما لغتان، والله أعلم. ومعنى قوله: أسندوا عظم ذلك وكبره أنهم تحدثوا وذكروا شأن المنافقين وأفعالهم القبيحة وما يلقون منهم، ونسبوا معظم ذلك إلى مالك. وأما قوله: ابن دخشم فهو بضم الدال المهملة وإسكان الخاء المعجمة وضم الشين المعجمة وبعدها ميم، هكذا ضبطناه في الرواية الأولى، وضبطناه في الثانية بزيادة ياء بعد الخاء على التصغير، وهكذا هو في معظم الأصول. وفي بعضها في الثانية مكبر أيضا، ثم إنه في الأولى بغير ألف ولام، وفي الثانية بالألف واللام، قال القاضي عياض رحمه الله: رويناه دخشم مكبرا، ودخيشم مصغرا، قال: ورويناه في غير مسلم بالنون بدل الميم مكبرا ومصغرا. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: ويقال أيضا ابن الدخشن بكسر الدال والشين، والله أعلم. واعلم أن مالك بن دخشم هذا من الأنصار، ذكر أبو عمر بن عبد البر اختلافا بين العلماء في شهوده العقبة، قال: ولم يختلفوا أنه شهد بدرا وما بعدها من المشاهد، قال: ولا يصح عنه النفاق، فقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه، هذا كلام أبي عمر رحمه الله: قلت: وقد نص النبيّ صلى الله عليه وسلم على إيمانه باطنا
    وبراءته من النفاق بقوله صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري رحمه الله: "ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله تعالى" فهذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأنه قالها مصدقا بها معتقدا صدقها، متقربا بها إلى الله تعالى، وشهد له في شهادته لأهل بدر بما هو معروف، فلا ينبغي أن يشك في صدق إيمانه رضي الله عنه. وفي هذه الزيادة رد على غلاة المرجئة القائلين بأنه يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد، فإنهم تعلقوا بمثل هذا الحديث، وهذه الزيادة تدمغهم، والله أعلم. قوله: (ودوا أنه دعا عليه فهلك، وودوا أنه أصابه شر) هكذا هو في بعض الأصول شر، وفي بعضها بشر بزيادة الباء الجارة، وفي بعضها شيء وكله صحيح، وفي هذا دليل على جواز تمني هلاك أهل النفاق والشقاق ووقوع المكروه بهم. قوله: (فخط لي مسجدا) أي أعلم لي على موضع لأتخذه مسجدا أي موضعا أجعل صلاتي فيه متبركا بآثارك، والله أعلم.
    وفي هذا الحديث أنواع من العلم تقدم كثير منها، ففيه التبرك بآثار الصالحين، وفيه زيارة العلماء والفضلاء والكبراء أتباعهم وتبريكم إياهم، وفيه جواز استدعاء المفضول للفاضل لمصلحة تعرض، وفيه جواز الجماعة في صلاة النافلة، وفيه أن السنة في نوافل النهار ركعتان كالليل، وفيه جواز الكلام والتحدث بحضرة المصلين ما لم يشغلهم ويدخل عليهم لبسا في صلاتهم أو نحوه، وفيه جواز إمامة الزائر المزور برضاه، وفيه ذكر من يتهم بريبة أو نحوها للأئمة وغيرهم ليتحرز منه، وفيه جواز كتابة الحديث وغيره من العلوم الشرعية لقول أنس لابنه: اكتبه، بل هي مستحبة. وجاء في الحديث النهي عن كتب الحديث، وجاء الإذن فيه، فقيل: كان النهي لمن خيف اتكاله على الكتاب وتفريطه في الحفظ مع تمكنه منه، والإذن لمن لا يتمكن من الحفظ. وقيل: كان النهي أولاً لما خيف اختلاطه بالقرآن، والإذن بعده لما تأمن من ذلك، وكان بين السلف من الصحابة والتابعين خلاف في جواز كتابة الحديث، ثم أجمعت الأمة على جوازها واستحبابها، والله أعلم. وفيه البدائة بالأهم فالأهم، فإنه صلى الله عليه وسلم في حديث عتبان هذا بدأ أول قدومه بالصلاة ثم أكل. وفي حديث زيارته لأم
    سليم بدأ بالأكل ثم صلى، لأنه المهم في حديث عتبان هو الصلاة فإنه دعاه لها. وفي حديث أم سليم دعته للطعام، ففي كل واحد من الحديثين بدأ بما دعي إليه، والله أعلم. وفيه جواز استتباع الإمام والعالم أصحابه لزيارة أو ضيافة أو نحوها، وفيه غير ذلك مما قدمناه وما حذفناه والله أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة والفضل والمنة، وبه التوفيق والعصمة.‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:40 pm

    كتاب
    باب الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإِسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، فهو مؤمن، وإن ارتكب المعاصي الكبائر
    حدّثنا مُحمّدُ بْنُ يَحْيَىَ ابْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكّيّ، وَ بِشْرُ بْنُ الْحَكَم. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ مُحمّدٍ) الدّرَاوَرْدِيّ، عَنْ يَزيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ، مَنْ رَضِيَ بِالله رَبّا، وَبِالإِسْلامَ دِينا، وَبِمُحَمّدٍ رَسُولاً".
    قوله صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً) قال صاحب التحرير رحمه الله: معنى رضيت بالشيء قنعت به واكتفيت به ولم أطلب معه غيره، فمعنى الحديث: لم يطلب غير الله تعالى، ولم يسع في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا شك في أن من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه وذاق طعمه. وقال القاضي عياض رحمه الله: معنى الحديث صح إيمانه، واطمأنت به نفسه، وخامر باطنه، لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته، ونفاذ بصيرته، ومخالطة بشاشته قلبه، لأن من رضي أمرا سهل عليه، فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له، والله أعلم. وفي الإسناد الدراوردي وقد تقدم بيانه في المقدمة، وفيه يزيد بن عبد الله بن الهاد، هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، هكذا يقوله المحدثون الهاد من غير ياء، والمختار عند أهل العربية فيه وفي نظائره بالياء كالعاصي وابن أبي الموالي، والله أعلم. وهذا الحديث من أفراد مسلم رحمه الله، لم يروه البخاري رحمه الله في صحيحه.‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:41 pm

    كتاب.
    باب بيان عدد شعب الإِيمان وأفضلها وأدناها، وفضيلة الحياء، وكونه من الإِيمان.

    باب بيان عدد شعب الإِيمان وأفضلها وأدناها، وفضيلة الحياء، وكونه من الإِيمان
    حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَ عبد بنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الاْيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً. وَالْحَيَاءُ شْعْبَةٌ مِنَ الاْيمَانِ".
    حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ".
    حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ، وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ: "الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ".
    حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الاْسْنَادِ وَقَالَ: مَرّ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَعِظُ أَخَاهُ.
    حدّثنا مُحمّدُ بْنُ الْمُثَنّى، وَ مُحمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا السّوّارِ يُحَدّثُ، أَنّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاّ بِخَيْرٍ" فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: أَنّ مِنْهُ وَقَارَا وَمِنْهُ سَكِينَةً. فَقَالَ عِمْرَانُ: أُحَدّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُحَدّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ؟.
    حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ إِسْحَقَ (وَهُوَ ابْنُ سُوَيْدٍ) أَنّ أَبَا قَتَادَةَ حَدّثَ، قَالَ: كُنّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي رَهْطٍ مِنّا. وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ. فَحَدّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئٍذٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلّهُ" قَالَ أَوْ قَالَ: "الْحَيَاءُ كُلّهُ خَيْرٌ" فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ أَنّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارا لله، وَمِنْهُ ضَعْفٌ، قَالَ: فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتّى احْمَرّتَا عَيْنَاهُ. وَقَالَ: أَلاَ أُرَانِي أُحَدّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُعَارِضُ فِيهِ؟ قَالَ فَأَعَادَ عِمْرَانُ الْحَدِيثَ. قَالَ فَأَعَادَ بُشَيْرٌ. فَغَضِبَ عِمْرَانُ. قَالَ: فَمَا زِلْنَا نَقُولُ فِيهِ: إِنّهُ مِنّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ إِنّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ.
    حدّثنا إِسْحَقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخبرنا النضر. حدّثنا أبو نعامة العدوي. قال: سمعت حجير بن الربيع العدوي يقول، عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم. نحو حديث حمّادُ بْنُ زَيْدٍ.
    قوله: (أبو عامر العقدي) هو بفتح العين والقاف، واسمه عبد الملك بن عمرو بن قيس، وقد تقدم بيانه واضحا في أول المقدمة في باب النهي عن الرواية عن الضعفاء. قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة) هكذا رواه عن أبي عامر العقدي عن سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية زهير عن جرير عن سهيل عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة بضع وسبعون أو بضع وستون، كذا وقع في مسلم من رواية سهيل بضع وسبعون أو بضع وستون على الشك. ورواه البخاري في أول الكتاب من رواية العقدي بضع وستون بلا شك. ورواه أبو داود والترمذي وغيرهما من رواية سهيل بضع وسبعون بلا شك. ورواه الترمذي من طريق آخر وقال فيه أربعة وستون بابا. واختلف العلماء في الراجحة من الروايتين، فقال القاضي عياض: الصواب ما وقع في سائر الأحاديث ولسائر الرواة بضع وستون. وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: هذا الشك الواقع في رواية سهيل هو من سهيل، كذا قاله الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله. وقد روي عن سهيل بضع وسبعون من غير شك. وأما سليمان بن بلال فإنه رواه عن عمرو
    بن دينار على القطع من غير شك وهي الرواية الصحيحة أخرجاها في الصحيحين، غير أنها فيما عندنا من كتاب مسلم بضع وسبعون، وفيما عندنا من كتاب البخاري بضع وستون، وقد نقلت كل واحدة عن كل واحد من الكتابين، ولا إشكال في أن كل واحدة منهما رواية معروفة في طرق روايات هذا الحديث، واختلفوا في الترجيح قال: والأشبه بالإتقان والاحتياط ترجيح رواية الأقل، قال: ومنهم من رجح رواية الأكثر وإياها اختار أبو عبد الله الحليمي فإن الحكم لمن حفظ الزيادة جازما بها. قال الشيخ: ثم إن الكلام في تعيين هذه الشعب يطول، وقد صنفت في ذلك مصنفات، ومن أغزرها فوائد كتاب المنهاج لأبي عبد الله الحليمي إمام الشافعيين ببخارى وكان من رفعاء أئمة المسلمين، وحذا حذوه الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله في كتابه الجليل الحفيل كتاب شعب الإيمان، هذا كلام الشيخ. قال القاضي عياض رحمه الله: البضع والبضعة بكسر الباء فيهما وفتحها هذا في العدد، فأما بضعة اللحم فبالفتح لا غير، والبضع في العدد ما بين الثلاث والعشر، وقيل: من ثلاث إلى تسع. وقال الخليل: البضع سبع، وقيل: ما بين اثنين إلى عشرة، وما بين اثني عشر إلى عشرين، ولا يقال في اثني عشر.
    قلت: وهذا القول هو الأشهر الأظهر. وأما الشعبة فهي القطعة من الشيء، فمعنى الحديث بضع وسبعون خصلة. قال القاضي عياض رحمه الله: وقد تقدم أن تقدم أن أصل الإيمان في اللغة التصديق. وفي الشرع تصديق القلب واللسان. وظواهر الشرع تطلقه على الأعمال كما وقع هنا، أفضلها لا إلَه إلا الله، وآخرها إماطة الأذى عن الطريق، وقد قدمنا أن كمال الإيمان بالأعمال، وتمامه بالطاعات، وأن التزام الطاعات وضم هذه الشعب من جملة التصديق ودلائل عليه، وأنها خلق أهل التصديق، فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعي ولا اللغوي، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على أن أفضلها التوحيد المتعين على كل أحد، والذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته، وأدناها ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بين هذين الطرفين إعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن وشدة التتبع لأمكنه، وقد فعل ذلك بعض من تقدم، وفي الحكم بأن ذلك مراد النبي صلى الله عليه وسلم صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان، إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأنها هذا العدد واجب في الجملة، هذا كلام القاضي رحمه الله. وقال الإمام
    الحافظ أبو حاتم بن حبان بكسر الحاء: تتبعت معنى هذا الحديث مدة وعددت الطاعات فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئا كثيرا، فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فرجعت إلى كتاب الله تعالى فقرأته بالتدبر وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن وأسقطت المعاد فإذا كل شيء عده الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان تسع وسبعون شعبة لا يزيد عليها ولا تنقص، فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد في الكتاب والسنن. وذكر أبو حاتم رحمه الله جميع ذلك في كتاب وصف الإيمان وشعبه، وذكر أن رواية من روى بضع وستون شعبة أيضا صحيحة، فإن العرب قد تذكر للشيء عددا ولا تريد نفي ما سواه، وله نظائره أوردها في كتابه منها في أحاديث الإيمان والإسلام، والله تعالى أعلم.
    قوله: (والحياء شعبة من الإيمان) وفي الرواية الأخرى: الحياء من الإيمان. وفي الأخرى: الحياء لا يأتي إلا بخير. وفي الأخرى: الحياء خير كله، أو قال: كله خير الحياء ممدود وهو الاستحياء. قال الإمام الواحدي رحمه الله تعالى: قال أهل اللغة: الاستحياء من الحياة، واستحيا الرجل من قوة الحياة فيه لشدة علمه بمواقع الغيب. قال: فالحياء من قوة الحس ولطفه وقوة الحياة. وروينا في رسالة الإمام الأستاذ أبي القاسم القشيري عن السيد الجليل أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه قال: الحياء رؤية الاَلاء أي النعم ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء. وقال القاضي عياض وغيره من الشراح: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة، لأنه قد يكون تخلقا واكتسابا كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة، ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم فهو من الإيمان بهذا، ولكونه باعثا على أفعال البر ومانعا من المعاصي، وأما كون الحياء خيرا كله ولا يأتي إلا بخير، فقد يشكل على بعض الناس من حيث إن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يجله فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق
    وغير ذلك مما هو معروف في العادة. وجواب هذا ما أجاب به جماعة من الأئمة منهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله أن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة بل هو عجز وخور ومهانة، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف، أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء الحقيقي، وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ونحو هذا، ويدل عليه ما ذكرناه عن الجنيد رضي الله عنه والله أعلم.
    قوله صلى الله عليه وسلم: (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) أي تنحيته وإبعاده، والمراد بالأذى كل ما يؤذي من حجر أو مدر أو شوك أو غيره.
    قوله: (يعظ أخاه في الحياء) أي ينهاه عنه ويقبح له فعله ويزجره عن كثرته، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: دعه فإن الحياء من الإيمان، أي دعه على فعل الحياء وكف عن نهيه، ووقعت لفظة دعه في البخاري ولم تقع في مسلم.
    قول مسلم رحمه الله: (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أبا السوار يحدث أنه سمع عمران بن الحصين) وقال مسلم في الطريق الثاني: حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا حماد بن زيد عن إسحاق وهو ابن سويد أن أبا قتادة حدث قال: كنا عند عمران بن الحصين في رهط فحدثنا إلى آخره. هذان الإسنادان كلهم بصريون، وهذا من النفائس اجتماع الإسنادين في الكتاب متلاصقين جميعهم بصريون، وشعبة وإن كان واسطيا فهو بصري أيضا فكان واسطيا بصريا، فإنه انتقل من واسط إلى البصرة واستوطنها. وأما أبو السوار فهو بفتح السين المهملة وتشديد الواو وآخره راء واسمه حسان بن حريث العدوي. وأما أبو قتادة هذا فاسمه تميم بن نذير بضم النون وفتح الذال المعجمة العدوي، ويقال تميم بن الزبير، ويقال ابن يزيد بالزاي، ذكره الحاكم أبو أحمد. وأما الرهط فهو ما دون العشرة من الرجال خاصة لا يكون فيهم امرأة، وليس له واحد من اللفظ، والجمع أرهط وأرهاط وأراهط وأراهيط.
    قوله: (فقال بشير بن كعب: إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارا لله تعالى ومنه ضعف، فغضب عمران حتى احمرتا عيناه وقال: أنا أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه، إلى قوله: فما زلنا نقول إنه منا يا أبا نجيد إنه لا بأس به) أما بشير فبضم الباء وفتح الشين وقد تقدم بيانه وبيان أمثاله في آخر الفصول، وقد تقدم هو أيضا في أول المقدمة. وأما نجيد فبضم النون وفتح الجيم وآخره دال مهملة، وأبو نجيد هو عمران بن الحصين كني بابنه نجيد. وأما الضعف فبفتح الضاد وضمها لغتان مشهورتان. وقوله: حتى احمرتا عيناه كذا هو في أُلاصول وهو صحيح جار على لغة أكلوني البراغيث. ومثله وأسروا النجوى الذين ظلموا، على أحد المذاهب فيها، ومثله يتعاقبون فيكم ملائكة. وأشباهه كثيرة معروفة. ورويناه في سنن أبي داود: واحمرت عيناه من غير ألف، وهذا ظاهر. وأما إنكار عمران رضي الله عنه فلكونه قال: منه ضعف بعد سماعه قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير كله، ومعنى تعارض تأتي بكلام في مقابلته وتعترض بما يخالفه. وقولهم: إنه منا لا بأس به، معناه: ليس هو ممن يتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أو غيرها مما يخالف به أهل
    الاستقامة، والله أعلم.
    قول مسلم رحمه الله: (أنبأنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا النضر، حدثنا أبو نعامة العدوي قال: سمعت حجير بن الربيع العدوي يقول عن عمران بن الحصين) هذا الإسناد أيضا كله بصريون إلا إسحاق فإنه مروزي. فأما النضر فهو ابن شميل الإمام الجليل. وأما أبو نعامة فبفتح النون واسمه عمرو بن عيسى بن سويد وهو من الثقات الذين اختلطوا قبل موتهم، وقد قدمنا في الفصول وبعدها أن ما كان في الصحيحين عن المختلطين فهو محمول على أنه علم أنه أخذ عنهم قبل الاختلاط. وأما حجير فبضم الحاء وبعدها جيم مفتوحة وآخره راء، والله أعلم بالصواب وله الحمد والمنة.
    جامع أوصاف الإسلام
    حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ: ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ إِسْحَقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعا عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، كُلّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الله الثّقَفِيّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً، لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحدا بَعْدَكَ (وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ) قَالَ: "قُلْ آمَنْتُ بِالله فَاسْتَقِمْ".
    قوله: (قلت يا رسول الله. قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه غيرك، قال قل: آمنت بالله ثم استقم) قال القاضي عياض رحمه الله: هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وهو مطابق لقوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا ثم استقاموا} أي وحدوا الله وآمنوا به ثم استقاموا، فلم يحيدوا عن التوحيد والتزموا طاعته سبحانه وتعالى إلى أن توفوا على ذلك، وعلى ما ذكرناه أكثر المفسرين من الصحابة فمن بعدهم، وهو معنى الحديث إن شاء الله تعالى، هذا آخر كلام القاضي رحمه الله. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {فاستقم كما أمرت} ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الاَية، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قالوا: قد أسرع إليك الشيب، فقال: شيبتني هود وأخواتها. قال الأستاذ أبو القاسم القشيري في رسالته: الاستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها، وبوجودها حصول الخيرات ونظامها، ومن لم يكن مستقيما في حالته ضاع سعيه وخاب جهده، قال وقيل: الاستقامة لا يطيقها إلا الأكابر لأنها الخروج عن المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات، والقيام بين يدي الله تعالى حقيقة
    الصدق، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا". وقال الواسطي: الخصلة التي بها كملت المحاسن وبفقدها قبحت المحاسن، والله أعلم. ولم يرو مسلم رحمه الله في صحيحه لسفيان بن عبد الله الثقفي راوي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا. وروى الترمذي هذا الحديث وزاد فيه: "قلت: يا رسول الله ما أخوف ما أخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: هذا" والله أعلم.‏
    avatar
    الصوفي


    نقاط : 5551
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف الصوفي الإثنين أكتوبر 26, 2009 5:42 pm

    كتاب.
    باب بيان تفاضل الإسلام، وأي أموره أفضل.

    باب بيان تفاضل الإسلام، وأي أموره أفضل
    حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ: أَخْبَرَنَا اللْيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو أَنّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطّعَامَ. وَتَقْرَأُ السّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ".
    وحدّثنا أَبُو الطّاهِرِ بْنِ عَمْرِو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عمرِو بْنِ سَرْحٍ الْمَصْرِيّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".
    حدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: جَمِيعا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ: قَالَ عَبْدٌ: أَنْبَأَنَا بُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا الزّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرا يَقُولُ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".
    وحدّثني سَعِيدُ بْنُ يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ الاْمَوِيّ: قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي: حَدّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بُرَدَةَ بْنِ أَبِي مُوْسَىَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسىَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَيّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".
    وحدّثنيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيّ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدّثَنِي بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بِهَذَا الاْسْنَادِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
    فيه: (عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) وفي رواية: "أي المسلمين خير؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده". وفي رواية جابر: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" قال العلماء رحمهم الله: قوله أي الإسلام خير؟ معناه أي خصاله وأموره وأحواله؟ قالوا: وإنما وقع اختلاف الجواب في خير المسلمين لاختلاف حال السائل والحاضرين، فكان في أحد الموضعين الحاجة إلى إفشاء السلام وإطعام الطعام أكثر وأهم، لما حصل من إهمالهما والتساهل في أمورهما ونحو ذلك، وفي الموضع الاَخر إلى الكف عن إيذاء المسلمين.
    وقوله صلى الله عليه وسلم: (من سلم المسلمون من لسانه ويده) معناه من لم يؤذ مسلما بقول ولا فعل، وخص اليد بالذكر لأن معظم الأفعال بها، وقد جاء القرآن العزيز بإضافة الاكتساب والأفعال إليها لما ذكرناه، والله تعالى أعلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "من سلم المسلمون من لسانه ويده" قالوا معناه: المسلم الكامل، وليس المراد نفي أصل الإسلام عن من لم يكن بهذه الصفة، بل هذا كما يقال: العلم ما نفع، أو العالم زيد أي الكامل أو المحبوب، وكما يقال: الناس العرب، والمال الإبل، فكله على التفضيل لا للحصر، ويدل على ما ذكرناه من معنى الحديث قوله: أي المسلمين خير؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. ثم إن كمال الإسلام والمسلم متعلق بخصال أخر كثيرة، وإنما خص ما ذكر لما ذكرناه من الحاجة الخاصة، والله أعلم. ومعنى تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف، أي تسلم على كل من لقيته عرفته أم لم تعرفه، ولا تخص به من تعرفه كما يفعله كثيرون من الناس. ثم إن هذا العموم مخصوص بالمسلمين فلا يسلم ابتداء على كافر، وفي هذه الأحاديث جمل من العلم، ففيها الحث على إطعام الطعام والجود والاعتناء بنفع المسلمين والكف عما يؤذيهم بقول
    أو فعل، بمباشرة أو سبب، والإمساك عن احتقارهم، وفيها الحث على تألف قلوب المسلمين واجتماع كلمتهم وتوادهم واستجلاب ما يحصل ذلك. قال القاضي رحمه الله: والألفة إحدى فرائض الدين وأركان الشريعة ونظام شمل الإسلام، قال: وفيه بذل السلام لمن عرفت ولمن لم تعرف، وإخلاص العمل فيه لله تعالى لا مصانعة ولا ملقا، وفيه مع ذلك استعمال خلق التواضع وإفشاء شعار هذه الأمة، والله تعالى أعلم. وأما أسماء رجال الباب فقال مسلم رحمه الله في الإسناد الأول: وحدثنا محمد بن رمح بن المهاجر، حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو يعني ابن العاصي قال مسلم رحمه الله: وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو المصري، أخبرنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وهذان الإسنادان كلهم مصريون أئمة جلة، وهذا من عزيز الأسانيد في مسلم بل في غيره، فإن اتفاق جميع الرواة في كونهم مصريين في غاية القلة، ويزداد قلة باعتبار الجلالة. فأما عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما فجلالته وفقهه وكثرة حديثه وشدة ورعه وزهادته وإكثاره من الصلاة والصيام وسائر
    العبادات وغير ذلك من أنواع الخير فمعروفة مشهورة لا يمكن استقصاؤها فرضي الله عنه. وأما أبو الخير بالخاء المعجمة واسمه مرثد بالمثلثة ابن عبد الله اليزني. بفتح المثناة تحت والزاي منسوب إلى يزن بطن من حمير، قال أبو سعيد بن يونس: كان أبو الخير مفتي أهل مصر في زمانه، مات سنة سبعين من الهجرة. وأما يزيد بن أبي حبيب فكنيته أبو رجاء وهو تابعي، قال ابن يونس: وكان مفتي أهل مصر في زمانه، وكان حليما عاقلاً، وكان أول من أظهر العلم بمصر، والكلام في الحلال والحرام، وقبل ذلك كانوا يتحدثون بالفتن والملاحم والترغيب في الخير. وقال الليث بن سعد: يزيد سيدنا وعالمنا، واسم أبي حبيب سويد. وأما الليث بن سعد رضي الله عنه فإمامته وجلالته وصيانته وبراعته وشهادة أهل عصره بسخائه وسيادته وغير ذلك من جميل حالاته أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر، ويكفي في جلالته شهادة الإمامين الجليلين الشافعي وابن بكير رحمهما الله تعالى أن الليث أفقه من مالك رضي الله عنهم أجمعين. فهذان صاحبا مالك رحمه الله، وقد شهدا بما شهدا، وهما بالمنزلة المعروفة من الإتقان والورع، وإجلال مالك ومعرفتها بأحواله، هذا كله مع ما قد علم من جلالة
    مالك وعظم فقهه رضي الله عنه. قال محمد بن رمح: كان دخل الليث ثمانين ألف دينار ما أوجب الله تعالى عليه زكاة قط. وقال قتيبة: لما قدم الليث أهدى له مالك من طرف المدينة فبعث إليه الليث ألف دينار، وكان الليث مفتي أهل مصر في زمانه. وأما محمد بن رمح فقال ابن يونس: هو ثقة ثبت في الحديث، وكان أعلم الناس بأخبار البلد وفقهه، وكان إذا شهد في كتاب دار علم أهل البلد أنها طيبة الأصل. وذكره النسائي فقال: ما أخطأ في حديث، ولو كتب عن مالك لأثبته في الطبقة الأولى من أصحاب مالك وأثنى عليه غيرهما، والله أعلم. وأما عبد الله بن وهب فعلمه وورعه وزهده وحفظه وإتقانه وكثرة حديثه واعتماد أهل مصر عليه وإخبارهم بأن حديث أهل مصر وما والاها يدور عليه، فكله أمر معروف مشهور في كتب أئمة هذا الفن، وقد بلغنا عن مالك بن أنس رضي الله عنه أنه لم يكتب إلى أحد وعنونه بالفقه إلا إلى ابن وهب رحمه الله. وأما عمرو بن الحارث فهو مفتي أهل مصر في زمنه وقاريهم. قال أبو زرعة رحمه الله: لم يكن له نظير في الحفظ في زمنه. وقال أبو حاتم: كان أحفظ الناس في زمانه. وقال مالك بن أنس: عمرو بن الحارث درة الغواص، وقال: هو مرتفع الشان. وقال
    ابن وهب: سمعت من ثلاثمائة وسبعين شيخا فما رأيت أحفظ من عمرو بن الحارث رحمه الله، والله أعلم.
    قوله في الإسناد الاَخر: (أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير) أما أبو عاصم فهو الضحاك بن مخلد. وأما ابن جريج فهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. وأما أبو الزبير فهو محمد بن مسلم بن تدرس، وقد تقدم بيانهم.
    وفي الإسناد الاَخر: أبو بردة عن أبي بردة عن أبي موسى. فأبو بردة الأول اسمه بريد بضم الموحدة وقد سماه في الرواية الأخرى وأبو بردة الثاني اختلف في اسمه فقال الجمهور: اسمه عامر، وقال يحيى بن معين في إحدى الروايتين عنه عامر كما قال الجمهور، وفي الأخرى الحارث. وأما أبو موسى فهو الأشعري واسمه عبد الله بن قيس، وإنما نقص بذكر مثل هذا، وإن كان عند أهل هذا الفن من الواضحات المشهورات التي لا حاجة إلى ذكرها، لكون هذا الكتاب ليس مختصا بالفضلاء، بل هو موضوع لإفادة من لم يتمكن في هذا الفن، والله تعالى أعلم بالصواب.‏
    القلب التائب
    القلب التائب
    نائب المدير
    نائب المدير


    الهاتف دوليا : 0
    السنة الدراسية : ثالثة
    الجنس : انثى العمر : 35
    نقاط : 6341
    تاريخ التسجيل : 17/03/2009

    مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي Empty رد: مقتطفات من صحيح مسلم بشرح النووي

    مُساهمة من طرف القلب التائب الثلاثاء أكتوبر 27, 2009 8:24 pm

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    جزاك الله كل خير أخي الكريم الصوفي على هذا الجهد الكبيرالأكثر من مفيد وجعله الله في ميزان حسناتك

    تقبل مروري
    أختك "القلب التائب"

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 1:26 pm