((..... أزمة المعارضة السياسية السورية....... ))
بقلم : جمعة محمد لهيب
عضو الهيئة العامة للعلماء المسلمين في سوريا:
...........................................................................
(علام نعطي الدنية في ديننا يا رسول الله ) ؟
كلمة قالها عملاق الإسلام وفاروقه عمر رضي الله عنه لما عقد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ( صلح الحديبية) فكان من قراراته ما ظنه الصحابة الكرام دنية وضعة , وحصلت أزمة داخل بنية الدولة الحديثة الإسلامية .
لقد نظر الصحابة وعلى رأسهم الفاروق للتضحيات والشهداء التي قدمتهم ثورة الحرية الأولى للأمة , الحرية التي تعتق العبد من كل سيادة إلا سيادة الخالق المهيمن .
نظر الصحابة لموضعهم .. فهم على الحق المبين , و(محمد) رسول الله الصادق الذي يسري بين يدي مالك الملك جل وعلا .
نظر الصحابة لقوتهم وعددهم وقارنوا بماسبق من (بدر) و (أحد الثانية) وكيف كان النصر حليفهم رغم التضحيات .
نظر الصحابة لقوة قريش المتآكلة المهزوزة مقارنة بما كانت عليه سابقا .
نظر الصحابة لرسول رسول الله (عثمان بن عفان) الذي قتلته قريش - حسب ما أشيع - فكانت صعقة واهانة للأمة .
نظر الصحابة للتأييد الذي سيحصلون عليه من العرب , فهم معتمرون وسلميون وقادمون للعبادة فقط , فتعرضت لهم قريش ومنعتهم وقاتلتهم واضطرتهم لحمل السلاح.
نظر الصحابة لكل ذلك ,فرفضوا بداية الأمر صلح الحديبية الذي عقده رسول الله , وقد كاد قومٌ أن يرفض أمر النبي بالتحلل لولا النصيحة السياسية التي قدمتها أم سلمة (امرأة) لرئيس الدولة والأمة محمد رسول الله عليه السلام.
نظر الصحابة لذلك كله فعدّوا الصلح تنازلا عن مبادئ , وحاشا رسول الله يفعل ذلك .
وهنا خرجت حنكة رسول الله السياسية , فقد عقد صلح الحديبية من غير وحي , وهذا ما جعل الصحابة ينكرون على الرسول فعله , إذا لو كان وحيا لما تجرأ أحد على الإنكار ولكنها الحرب والسياسة .
كانت نظرة الرسول ومن وافقه من الصحابة بعيدة النظر والعمق .
فقد رأى بأبي هو وأمي أن المكاسب أكثر من المغارم التي سيتم الحصول عليها .
فأن يرجع للمدينة هذا العام والعودة بالعام المقبل أمر ليس فيه خطر كبير رغم ما فيه من دلالات سياسية أمام الرأي العام والمجتمع الدولي آنذاك .
وأن يحصل على سلام مع قريش لعدة سنوات أمر يجعله بأريحية لتبليغ دعوته للناس , وإن كان الذي سيسلم ويأتيه , ترجعه دولة الإسلام لقريش رغم ما في هذا الأمر من (فتنة) عن الدين .
وأن تعترف قريش أمام العالم كله أن للإسلام دولة قائمة بذاتها يُقام معها المعاهدات والمواثيق أكبر انتصار سياسي وواقعي , فلم تعد قريش بعد هذا تنظر للـ(المدينة) أول بلد يقام فيه دستور بالعالم العربي (صحيفة المدينة) بلدا يحوي خارجيين عن القانون وارهابيين ومرتزقة .
صحيح أن رسول الله قال لعمر ( إني رسول الله ولن يضيعني ) يحمل بطياته وبين سطوره ما يلمح إلى أن الصلح وحي من قبل الله , إلا أن الواقع ينفي ذلك .
فرسول الله لم ينكر على من خالفه الرأي من الصحابة و انكارهم .
كما أنه قدّر الوضع العاطفي والمشحون الذي وصل له اتباعه مما قد تغفو عندهم الحنكة والتروي والتعقل .
فرغم ظلم قريش , ورغم الشهداء الذين تم قتلهم بغير وجه حق إلا أن يقولوا ( ربنا الله ) رغم كل هذه الهزات التي تهز كل غيور عربي كان بيوم من أيامه يقتل قوما لأجل كلمة تسيئه أو تسيء لعشيرته وقومه .
رغم كل ذلك عقد رسول الله الصلح الذي رأى أنه يحقق بعضا من مكاسب لم يرها البعض , ولهذا لما نزل الوحي مؤيدا لرسول الله بنظرته السياسية ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) استغرب الفاروق أن يكون الفتح والنصر قد يأتي من قبل صلح وسلام مع أشد الأعداء وألدهم سطوة , وهذا ما تعلمه لمستقبل يكون فيه خليفة يقوم فينافح عن (عمرو بن العاص ) الذي فتح ( مصر) سلما , فيقول الفاروف أن خير الفتوح ما كانت بلا خسائر ولا دم ولا صراع .
إن هذه اللفتة الهامة لتاريخنا تعطينا درسين اثنين للمعارضة السياسية السورية :
الدرس الأول : أن الحالة الثورية الإنقلابية غيرها الحالة السياسية , والتي وإن كانت مغايرة عن الأولى إلا أنها النظرة العقلانية الأقل خسارة والأكثر ربحا .
الدرس الثاني : أن التنازل الذي لا يذهب بأصل الثورة و أسها ألا وهو (اسقاط النظام) لأجل مكاسب ولو كانت بعيدة الزمن قليلا أمر مستحسن إذا كان من وراءه حقن للدماء وسلام يستغرق الأنحاء .
ولهذا فتصرف بعض السياسين السورين للاسف -والذين يمثلون الحالة الثورية بتصرفاتهم وتصريحاتهم- لا يليق بهم كسياسين ليس أحد مبادئهم (كل شيء أو لا شيء) , بل التروي والتعمق وأخذ النفس قبل كل كلمة هو المنهج الأصح للسياسين .
رفض الحوار مع روسيا -برايي- أمر يدل على طفولية سياسية وللاسف , الحوار السياسي لا يجوز أن ينقطع حتى مع ألد الأعداء , فهذا واجب السياسي , وإلا فلينزل الساحات وليحمل السلاح .
إن الرسول محمد رفض عرضا من السفير الأول لقريش لما رأى بشروطه تنازلات مهينة و ليس بها مكاسب ولو مستقبلية , ولكنه لم يرفض مبدأ الحوار مع من قتلوا صحابته واخوانه ومؤيدوه , ولما أتى( سهل بن عمرو ) وهو السفير الثاني لقريش استبشر باسمه ورحب وعقد معه الصلح على ما يراه مكسبا وإن أعطى بعض التنازلات .
ومن واجب المعارضة السياسية السورية أن تفرض هي أوراق اللعبة الحوارية , وأن تشتري وتبيع ببازار السياسة ما تجده مكسبا لها .
ولتعلم أنه لا ربا بالبيع السياسي , ولكنها المصالح والمفاسد .
فأزمة المعارضة السياسية السورية أنها تتكلم بلسان أحد قادة الكتائب أو أحد إعلامي الثورة !.
اللسان السياسي النزيه ليس كاذبا , بل ذكيا حاذقا يوازن الأمور الاستراتيجية , والأمور الوطنية , والأمور الثورية , والأمور الإنسانية , والأمور المستقبلية لبلده قبل كل كلمة ينطقها .
ويبقى الثوري شخصا لا يمكن رفض مبدأه ورأيه , ولكن يجب تهذيبه وافهامه قدر المستطاع أن يبقي يده على الزناد وأن يستعد لأي حالة تنعدم معها سبل الحوار وأفق الحل السياسي , أو اي حالة خيانة ونقض للعهد والمواثيق كما نقضت قريش صلح الحديبية, فحينها يتكلم السلاح , ولكن بقيادة سياسية تقول لكل ثوري حتى لا يقع بفخ العاطفة العمياء ( من دخل داره فهو آمن , ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن , ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ) .
بقلم : جمعة محمد لهيب
عضو الهيئة العامة للعلماء المسلمين في سوريا:
...........................................................................
(علام نعطي الدنية في ديننا يا رسول الله ) ؟
كلمة قالها عملاق الإسلام وفاروقه عمر رضي الله عنه لما عقد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ( صلح الحديبية) فكان من قراراته ما ظنه الصحابة الكرام دنية وضعة , وحصلت أزمة داخل بنية الدولة الحديثة الإسلامية .
لقد نظر الصحابة وعلى رأسهم الفاروق للتضحيات والشهداء التي قدمتهم ثورة الحرية الأولى للأمة , الحرية التي تعتق العبد من كل سيادة إلا سيادة الخالق المهيمن .
نظر الصحابة لموضعهم .. فهم على الحق المبين , و(محمد) رسول الله الصادق الذي يسري بين يدي مالك الملك جل وعلا .
نظر الصحابة لقوتهم وعددهم وقارنوا بماسبق من (بدر) و (أحد الثانية) وكيف كان النصر حليفهم رغم التضحيات .
نظر الصحابة لقوة قريش المتآكلة المهزوزة مقارنة بما كانت عليه سابقا .
نظر الصحابة لرسول رسول الله (عثمان بن عفان) الذي قتلته قريش - حسب ما أشيع - فكانت صعقة واهانة للأمة .
نظر الصحابة للتأييد الذي سيحصلون عليه من العرب , فهم معتمرون وسلميون وقادمون للعبادة فقط , فتعرضت لهم قريش ومنعتهم وقاتلتهم واضطرتهم لحمل السلاح.
نظر الصحابة لكل ذلك ,فرفضوا بداية الأمر صلح الحديبية الذي عقده رسول الله , وقد كاد قومٌ أن يرفض أمر النبي بالتحلل لولا النصيحة السياسية التي قدمتها أم سلمة (امرأة) لرئيس الدولة والأمة محمد رسول الله عليه السلام.
نظر الصحابة لذلك كله فعدّوا الصلح تنازلا عن مبادئ , وحاشا رسول الله يفعل ذلك .
وهنا خرجت حنكة رسول الله السياسية , فقد عقد صلح الحديبية من غير وحي , وهذا ما جعل الصحابة ينكرون على الرسول فعله , إذا لو كان وحيا لما تجرأ أحد على الإنكار ولكنها الحرب والسياسة .
كانت نظرة الرسول ومن وافقه من الصحابة بعيدة النظر والعمق .
فقد رأى بأبي هو وأمي أن المكاسب أكثر من المغارم التي سيتم الحصول عليها .
فأن يرجع للمدينة هذا العام والعودة بالعام المقبل أمر ليس فيه خطر كبير رغم ما فيه من دلالات سياسية أمام الرأي العام والمجتمع الدولي آنذاك .
وأن يحصل على سلام مع قريش لعدة سنوات أمر يجعله بأريحية لتبليغ دعوته للناس , وإن كان الذي سيسلم ويأتيه , ترجعه دولة الإسلام لقريش رغم ما في هذا الأمر من (فتنة) عن الدين .
وأن تعترف قريش أمام العالم كله أن للإسلام دولة قائمة بذاتها يُقام معها المعاهدات والمواثيق أكبر انتصار سياسي وواقعي , فلم تعد قريش بعد هذا تنظر للـ(المدينة) أول بلد يقام فيه دستور بالعالم العربي (صحيفة المدينة) بلدا يحوي خارجيين عن القانون وارهابيين ومرتزقة .
صحيح أن رسول الله قال لعمر ( إني رسول الله ولن يضيعني ) يحمل بطياته وبين سطوره ما يلمح إلى أن الصلح وحي من قبل الله , إلا أن الواقع ينفي ذلك .
فرسول الله لم ينكر على من خالفه الرأي من الصحابة و انكارهم .
كما أنه قدّر الوضع العاطفي والمشحون الذي وصل له اتباعه مما قد تغفو عندهم الحنكة والتروي والتعقل .
فرغم ظلم قريش , ورغم الشهداء الذين تم قتلهم بغير وجه حق إلا أن يقولوا ( ربنا الله ) رغم كل هذه الهزات التي تهز كل غيور عربي كان بيوم من أيامه يقتل قوما لأجل كلمة تسيئه أو تسيء لعشيرته وقومه .
رغم كل ذلك عقد رسول الله الصلح الذي رأى أنه يحقق بعضا من مكاسب لم يرها البعض , ولهذا لما نزل الوحي مؤيدا لرسول الله بنظرته السياسية ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) استغرب الفاروق أن يكون الفتح والنصر قد يأتي من قبل صلح وسلام مع أشد الأعداء وألدهم سطوة , وهذا ما تعلمه لمستقبل يكون فيه خليفة يقوم فينافح عن (عمرو بن العاص ) الذي فتح ( مصر) سلما , فيقول الفاروف أن خير الفتوح ما كانت بلا خسائر ولا دم ولا صراع .
إن هذه اللفتة الهامة لتاريخنا تعطينا درسين اثنين للمعارضة السياسية السورية :
الدرس الأول : أن الحالة الثورية الإنقلابية غيرها الحالة السياسية , والتي وإن كانت مغايرة عن الأولى إلا أنها النظرة العقلانية الأقل خسارة والأكثر ربحا .
الدرس الثاني : أن التنازل الذي لا يذهب بأصل الثورة و أسها ألا وهو (اسقاط النظام) لأجل مكاسب ولو كانت بعيدة الزمن قليلا أمر مستحسن إذا كان من وراءه حقن للدماء وسلام يستغرق الأنحاء .
ولهذا فتصرف بعض السياسين السورين للاسف -والذين يمثلون الحالة الثورية بتصرفاتهم وتصريحاتهم- لا يليق بهم كسياسين ليس أحد مبادئهم (كل شيء أو لا شيء) , بل التروي والتعمق وأخذ النفس قبل كل كلمة هو المنهج الأصح للسياسين .
رفض الحوار مع روسيا -برايي- أمر يدل على طفولية سياسية وللاسف , الحوار السياسي لا يجوز أن ينقطع حتى مع ألد الأعداء , فهذا واجب السياسي , وإلا فلينزل الساحات وليحمل السلاح .
إن الرسول محمد رفض عرضا من السفير الأول لقريش لما رأى بشروطه تنازلات مهينة و ليس بها مكاسب ولو مستقبلية , ولكنه لم يرفض مبدأ الحوار مع من قتلوا صحابته واخوانه ومؤيدوه , ولما أتى( سهل بن عمرو ) وهو السفير الثاني لقريش استبشر باسمه ورحب وعقد معه الصلح على ما يراه مكسبا وإن أعطى بعض التنازلات .
ومن واجب المعارضة السياسية السورية أن تفرض هي أوراق اللعبة الحوارية , وأن تشتري وتبيع ببازار السياسة ما تجده مكسبا لها .
ولتعلم أنه لا ربا بالبيع السياسي , ولكنها المصالح والمفاسد .
فأزمة المعارضة السياسية السورية أنها تتكلم بلسان أحد قادة الكتائب أو أحد إعلامي الثورة !.
اللسان السياسي النزيه ليس كاذبا , بل ذكيا حاذقا يوازن الأمور الاستراتيجية , والأمور الوطنية , والأمور الثورية , والأمور الإنسانية , والأمور المستقبلية لبلده قبل كل كلمة ينطقها .
ويبقى الثوري شخصا لا يمكن رفض مبدأه ورأيه , ولكن يجب تهذيبه وافهامه قدر المستطاع أن يبقي يده على الزناد وأن يستعد لأي حالة تنعدم معها سبل الحوار وأفق الحل السياسي , أو اي حالة خيانة ونقض للعهد والمواثيق كما نقضت قريش صلح الحديبية, فحينها يتكلم السلاح , ولكن بقيادة سياسية تقول لكل ثوري حتى لا يقع بفخ العاطفة العمياء ( من دخل داره فهو آمن , ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن , ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ) .
الجمعة أبريل 28, 2023 12:51 pm من طرف ALASFOOR
» اقتراحات ونقاشات
الخميس أغسطس 06, 2015 12:58 am من طرف Ranin habra
» أسئلة امتحانات للسنوات 2012 وما بعد
الخميس يوليو 30, 2015 2:17 pm من طرف محمد أحمد الحاج قاسم
» أسئلة سنوات سابقة
الجمعة يوليو 03, 2015 6:20 pm من طرف مهاجرة سورية
» النظم السياسية
الأربعاء يونيو 24, 2015 5:33 pm من طرف مهاجرة سورية
» اسئلة الدورات
الأربعاء مايو 27, 2015 7:17 pm من طرف بلقيس
» السؤال عن برنامج الامتحانات لسنة 2015
الثلاثاء مايو 19, 2015 3:41 am من طرف Abu anas
» يتبع موضوع المسلمون بين تغيير المنكر وبين الصراع على السلطة
الإثنين مايو 04, 2015 5:01 pm من طرف حسن
» المسلمون بين تغيير المنكر والصراع على السلطة
الأحد مايو 03, 2015 1:42 pm من طرف حسن
» ما هو المطلوب و المقرر للغة العربية 2
الثلاثاء أبريل 21, 2015 7:47 am من طرف أم البراء
» طلب عاجل : مذكرة الاسلام والغرب ( نحن خارج سوريا)
السبت مارس 14, 2015 3:50 pm من طرف feras odah
» مساعدة بالمكتبة الاسلامية
الخميس فبراير 26, 2015 2:32 pm من طرف ام الحسن
» هنا تجدون أسئلة الدورات السابقة لمادة الجهاد الإسلامي
الجمعة فبراير 20, 2015 8:55 pm من طرف راما جديد
» للسنة الثالثه __اصول الفقه الأسلامي3 )) رقم 2
الخميس فبراير 12, 2015 1:16 am من طرف Amir Antap
» محركات مواقع البحث عن الكتب والرسائل الجامعية
الأحد فبراير 08, 2015 11:20 pm من طرف Amir Antap