ما هي السياسة الشرعية؟
يتكرر لفظ السياسة الشرعية كثيراً دون أن تجد وعياً به أو تعريفاً واضحاً
له، ومع أهمية وخطورة هذا المفهوم في البناء الحضاري يظل غير حاضر في
الاهتمام المعرفي الشرعي.
يُعبِّر عدد من الفقهاء عن السياسة بأنها نيابة عن صاحب الشرع.. وفي هذا شيء من اللَّبس؛ لأنه يضع السياسة وكأنها ضمن المقدَّس.
لابن عقيل الحنبلي في موسوعته (الفنون) مناظرة مع فقيه شافعي قال: لا
سياسة إلا ما وافق الشرع. فردَّ عليه ابن عقيل: بأن السياسة ما كان من
الأفعال؛ بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد، وإن لم
يشرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا نزل به وحي، فإن أردت بقولك:
“لا سياسة إلا ما وافق الشرع” أنه لا يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن
أردت أنه لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة.
وقد نقل هذا ابن القيم في إعلام الموقعين (4 / 460)
وفق ابن عقيل فأساس السياسة هو العمل الذي تعرف فائدته بالتجربة والخبرة
وإن لم يكن له ذكر في الشريعة ما دام لا يصادم نصاً، فلا نحتاج في معرفة
فضل العمل المؤسسي - مثلاً - أو استخدام الأنماط الإدارية، أو إدارة
التغيير إلى نصوص شرعية بل يكفي أن لا يوجد ما يعارضها.
وفق ابن عقيل أيضاً يمكن النظر إلى السياسة الشرعية من جهة أنها تحقيق مطلبين:
الأول: امتثال ما ورد من الأوامر والنصوص الشرعية في جوانب الحياة الخاصة والعامة مما يتعلق بمسؤولية الحاكم كالمواريث ونحوها.
الثاني: التزام القيم الأساسية الجوهرية المتفق عليها؛ كالعدل، والحرية،
وحفظ الحقوق، ورعاية الحياة.. ويدخل في ذلك ما يسمى بالضروريات الخمس وما
يلحق بها؛ كحفظ الكرامة الإنسانية، والاجتماع البشري.
وبمعنى آخر فالسياسة الشرعية هي:
1 - النص (فيما فيه نص قاطع).
2 - الاجتهاد في المصلحة فيما لا نص فيه.
والمصلحة تتأثر بظروف العصر وتراعي العرف السائد محلياً ودولياً، ولكنها تستنير بالتجربة التاريخية للأمة وبقيمها العليا.
إن السجال النظري الدائر تاريخياً وواقعياً حول السياسة الشرعية والمصالح
والمفاسد مهم، ولكنه لا يفرز نظرية كاملة، ولا يلامس حاجات الواقع القائمة،
ويتجه - غالباً - لإفحام الخصم وإظهار عجزه أو انحرافه.
الحكومة النبوية:
والعرب لم يكن لهم نظام حكومي قبل الإسلام، وكان التنظيم النبوي أول حكومة
حقيقية عرفوها، وكان من مهام النبي - صلى الله عليه وسلم - مهمة (الإمام)
كما في عقد الألوية، والعطاء، والصلح، وتنفيذ الحدود.. وفي كتب السنة
والسيرة من ذلك الكثير، ولذا لم تثر في عهده قضية الخلافة والحكم مطلقاً،
وإنما كانوا يسألونه عمن يلي (الأمر من بعده).
وحين اختار أن يكون
عبداً رسولاً لا ملكاً رسولاً أراد البراءة من مصاحبات الملك وتبعاته، وما
يقع بعده، وشرع لِوُلَاتِه ألا يكونوا طغاة ولا جبارين امتثالا لقوله
تعالى: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) (قّ: من الآية45).
قال قتادة: إن الله تعالى كره الجبرية ونهى عنها وقدم فيها.
وهذا ينقض ما ذهب إليه علي عبد الرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) من أن الخلافة ليس لها أصل في الشرع.
وإن لم يكن مصطلح الدولة أو السياسة معروفاً في تلك المرحلة.
والقرآن جاء آمراً بالحكم بما أنزل الله أي: فيما فيه النص، ومقرراً
للقواعد العامة؛ كالسمع والطاعة بالمعروف، والحكم بالعدل، والأمانة،
والمسؤولية، والإحسان، والشورى، والنهي عن الظلم، والبغي، والعدوان،
والاستبداد.. فالخطاب القرآني في الشأن السياسي لم يكن تفصيلياً كما في
مسائل العبادة والإيمان بل كان خطاباً مقاصدياً يُراعي متغيِّرات الزمان
والمكان، ولذلك ينبغي أن نضع المعيار في تطبيق السياسة الشرعية وتحكيم ما
أنزل الله متمثلاً في تطبيق تلك القواعد العامة.
ووراء ذلك التفاصيل
والفروع والإجراءات والأنماط المتروكة لاجتهاد الناس بحسب ظروفهم وما يصلح
لهم، والتي تختلف بين بيئة وأخرى، وزمان وآخر، ويتفاوت فيها الاجتهاد.
لا تجد في الكتاب والسنة تفصيلات كثيرة في طبيعة الحكم وانتقاله، وتفصيل
العلاقة بين الحاكم والمحكوم كما لا تجد فيهما تفصيل مسائل الطب أو التجارة
أو الإدارة ولكن يشمل هذه المعاني وغيرها قوله صلى الله عليه وسلم
أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ رواه مسلم.
وقد أقرَّ
النبي - صلى الله عليه وسلم - البلاد والقبائل غالباً على ما هي عليه،
واكتفى بدخولها في الإسلام، وإرسال العمال لجباية الزكاة أو التعليم.
كان الأمر أقرب إلى حكومة لا مركزية تحقق الاتباع والطاعة، وتسمح بإنفاذ
الدعاة، وتمنح كل ناحية أو قبيلة خصوصيتها، ولا تتعمد إدخال تعديلات عليها
إلا فيما هو معالجة للخطأ.
وخلافاً لما
هو قائم في الدولة الحديثة من مسؤولية الدولة عن كل شيء من الميلاد إلى
الوفاة؛ فيما يخص الفرد، وحتى تفاصيله، وأسراره، وشؤونه الخاصة.. انتقالاً
إلى الوضع الجماعي في السير، والسكن، والتوظيف، والسفر، والاقتصاد،
والعلاقات..
خلافاً لذلك فالنمط السائد في علاقة الحاكم بالفرد المحكوم
تاريخياً هو علاقة جباية الزكاة، وتنظيم الجهاد، وما شابه ذلك، وقد يعيش
الفرد ويموت دون أن يعرف الحاكم أو يعرفه الحاكم.. وللحديث بقية.
المصدر: صحيفة البلاد
يتكرر لفظ السياسة الشرعية كثيراً دون أن تجد وعياً به أو تعريفاً واضحاً
له، ومع أهمية وخطورة هذا المفهوم في البناء الحضاري يظل غير حاضر في
الاهتمام المعرفي الشرعي.
يُعبِّر عدد من الفقهاء عن السياسة بأنها نيابة عن صاحب الشرع.. وفي هذا شيء من اللَّبس؛ لأنه يضع السياسة وكأنها ضمن المقدَّس.
لابن عقيل الحنبلي في موسوعته (الفنون) مناظرة مع فقيه شافعي قال: لا
سياسة إلا ما وافق الشرع. فردَّ عليه ابن عقيل: بأن السياسة ما كان من
الأفعال؛ بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد، وإن لم
يشرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا نزل به وحي، فإن أردت بقولك:
“لا سياسة إلا ما وافق الشرع” أنه لا يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن
أردت أنه لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة.
وقد نقل هذا ابن القيم في إعلام الموقعين (4 / 460)
وفق ابن عقيل فأساس السياسة هو العمل الذي تعرف فائدته بالتجربة والخبرة
وإن لم يكن له ذكر في الشريعة ما دام لا يصادم نصاً، فلا نحتاج في معرفة
فضل العمل المؤسسي - مثلاً - أو استخدام الأنماط الإدارية، أو إدارة
التغيير إلى نصوص شرعية بل يكفي أن لا يوجد ما يعارضها.
وفق ابن عقيل أيضاً يمكن النظر إلى السياسة الشرعية من جهة أنها تحقيق مطلبين:
الأول: امتثال ما ورد من الأوامر والنصوص الشرعية في جوانب الحياة الخاصة والعامة مما يتعلق بمسؤولية الحاكم كالمواريث ونحوها.
الثاني: التزام القيم الأساسية الجوهرية المتفق عليها؛ كالعدل، والحرية،
وحفظ الحقوق، ورعاية الحياة.. ويدخل في ذلك ما يسمى بالضروريات الخمس وما
يلحق بها؛ كحفظ الكرامة الإنسانية، والاجتماع البشري.
وبمعنى آخر فالسياسة الشرعية هي:
1 - النص (فيما فيه نص قاطع).
2 - الاجتهاد في المصلحة فيما لا نص فيه.
والمصلحة تتأثر بظروف العصر وتراعي العرف السائد محلياً ودولياً، ولكنها تستنير بالتجربة التاريخية للأمة وبقيمها العليا.
إن السجال النظري الدائر تاريخياً وواقعياً حول السياسة الشرعية والمصالح
والمفاسد مهم، ولكنه لا يفرز نظرية كاملة، ولا يلامس حاجات الواقع القائمة،
ويتجه - غالباً - لإفحام الخصم وإظهار عجزه أو انحرافه.
الحكومة النبوية:
والعرب لم يكن لهم نظام حكومي قبل الإسلام، وكان التنظيم النبوي أول حكومة
حقيقية عرفوها، وكان من مهام النبي - صلى الله عليه وسلم - مهمة (الإمام)
كما في عقد الألوية، والعطاء، والصلح، وتنفيذ الحدود.. وفي كتب السنة
والسيرة من ذلك الكثير، ولذا لم تثر في عهده قضية الخلافة والحكم مطلقاً،
وإنما كانوا يسألونه عمن يلي (الأمر من بعده).
وحين اختار أن يكون
عبداً رسولاً لا ملكاً رسولاً أراد البراءة من مصاحبات الملك وتبعاته، وما
يقع بعده، وشرع لِوُلَاتِه ألا يكونوا طغاة ولا جبارين امتثالا لقوله
تعالى: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) (قّ: من الآية45).
قال قتادة: إن الله تعالى كره الجبرية ونهى عنها وقدم فيها.
وهذا ينقض ما ذهب إليه علي عبد الرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) من أن الخلافة ليس لها أصل في الشرع.
وإن لم يكن مصطلح الدولة أو السياسة معروفاً في تلك المرحلة.
والقرآن جاء آمراً بالحكم بما أنزل الله أي: فيما فيه النص، ومقرراً
للقواعد العامة؛ كالسمع والطاعة بالمعروف، والحكم بالعدل، والأمانة،
والمسؤولية، والإحسان، والشورى، والنهي عن الظلم، والبغي، والعدوان،
والاستبداد.. فالخطاب القرآني في الشأن السياسي لم يكن تفصيلياً كما في
مسائل العبادة والإيمان بل كان خطاباً مقاصدياً يُراعي متغيِّرات الزمان
والمكان، ولذلك ينبغي أن نضع المعيار في تطبيق السياسة الشرعية وتحكيم ما
أنزل الله متمثلاً في تطبيق تلك القواعد العامة.
ووراء ذلك التفاصيل
والفروع والإجراءات والأنماط المتروكة لاجتهاد الناس بحسب ظروفهم وما يصلح
لهم، والتي تختلف بين بيئة وأخرى، وزمان وآخر، ويتفاوت فيها الاجتهاد.
لا تجد في الكتاب والسنة تفصيلات كثيرة في طبيعة الحكم وانتقاله، وتفصيل
العلاقة بين الحاكم والمحكوم كما لا تجد فيهما تفصيل مسائل الطب أو التجارة
أو الإدارة ولكن يشمل هذه المعاني وغيرها قوله صلى الله عليه وسلم
أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ رواه مسلم.
وقد أقرَّ
النبي - صلى الله عليه وسلم - البلاد والقبائل غالباً على ما هي عليه،
واكتفى بدخولها في الإسلام، وإرسال العمال لجباية الزكاة أو التعليم.
كان الأمر أقرب إلى حكومة لا مركزية تحقق الاتباع والطاعة، وتسمح بإنفاذ
الدعاة، وتمنح كل ناحية أو قبيلة خصوصيتها، ولا تتعمد إدخال تعديلات عليها
إلا فيما هو معالجة للخطأ.
وخلافاً لما
هو قائم في الدولة الحديثة من مسؤولية الدولة عن كل شيء من الميلاد إلى
الوفاة؛ فيما يخص الفرد، وحتى تفاصيله، وأسراره، وشؤونه الخاصة.. انتقالاً
إلى الوضع الجماعي في السير، والسكن، والتوظيف، والسفر، والاقتصاد،
والعلاقات..
خلافاً لذلك فالنمط السائد في علاقة الحاكم بالفرد المحكوم
تاريخياً هو علاقة جباية الزكاة، وتنظيم الجهاد، وما شابه ذلك، وقد يعيش
الفرد ويموت دون أن يعرف الحاكم أو يعرفه الحاكم.. وللحديث بقية.
المصدر: صحيفة البلاد
الجمعة أبريل 28, 2023 12:51 pm من طرف ALASFOOR
» اقتراحات ونقاشات
الخميس أغسطس 06, 2015 12:58 am من طرف Ranin habra
» أسئلة امتحانات للسنوات 2012 وما بعد
الخميس يوليو 30, 2015 2:17 pm من طرف محمد أحمد الحاج قاسم
» أسئلة سنوات سابقة
الجمعة يوليو 03, 2015 6:20 pm من طرف مهاجرة سورية
» النظم السياسية
الأربعاء يونيو 24, 2015 5:33 pm من طرف مهاجرة سورية
» اسئلة الدورات
الأربعاء مايو 27, 2015 7:17 pm من طرف بلقيس
» السؤال عن برنامج الامتحانات لسنة 2015
الثلاثاء مايو 19, 2015 3:41 am من طرف Abu anas
» يتبع موضوع المسلمون بين تغيير المنكر وبين الصراع على السلطة
الإثنين مايو 04, 2015 5:01 pm من طرف حسن
» المسلمون بين تغيير المنكر والصراع على السلطة
الأحد مايو 03, 2015 1:42 pm من طرف حسن
» ما هو المطلوب و المقرر للغة العربية 2
الثلاثاء أبريل 21, 2015 7:47 am من طرف أم البراء
» طلب عاجل : مذكرة الاسلام والغرب ( نحن خارج سوريا)
السبت مارس 14, 2015 3:50 pm من طرف feras odah
» مساعدة بالمكتبة الاسلامية
الخميس فبراير 26, 2015 2:32 pm من طرف ام الحسن
» هنا تجدون أسئلة الدورات السابقة لمادة الجهاد الإسلامي
الجمعة فبراير 20, 2015 8:55 pm من طرف راما جديد
» للسنة الثالثه __اصول الفقه الأسلامي3 )) رقم 2
الخميس فبراير 12, 2015 1:16 am من طرف Amir Antap
» محركات مواقع البحث عن الكتب والرسائل الجامعية
الأحد فبراير 08, 2015 11:20 pm من طرف Amir Antap