أشكرك حضرة المدير على تعليقك
ولكني لم أقصد أن أعيب على الغرب في تطبيقهم للديمقراطية بل أردت أن نسترجعها من ديننا وإسلامنا في عصره الذهبي الذي شهد له نبينا بالخيرية فقال صلى الله عليه وسلم : (( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم .... )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( ... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور .... ))
ولست ضد الغرب في ديمقراطيتهم ؛ ذلك لأن الغرب قاموا بتحقيقها مع شعوبهم ، بينما تجاهلها المسلمون بعداً عن دينهم ، فكال لهم الغرب بالمكيال الآخر المناقض للديمقراطية ، فهم كما هو معلوم يكيلون بمكيالين بسبب بعدنا عن ديننا كما ذكرت ....
فإننا في عصرنا الحاضر نشتاق إلى مثال ديمقراطي نسير علي هديه
وننسى أو نتناسى أن تاريخنا الإسلامي ملئ بأروع الأمثلة في هذا المجال .. فقد أسس الرسول صلى الله عليه وسلم دولة الحق والعدل , وقد نمت تلك " المملكة العظيمة " وانتعشت طوال عهد الخلفاء الراشدين .
وإذا كانت قافلة الحق والعدل قد انحرفت - في هذه الآونة - عن الطريق , فإننا في أشد الاحتياج للعودة إلي "منبع" القافلة لنستلهم منه قيم المساواة وحق الشعوب في اختيار حاكمها ومساءلتهم وإقرار حقوق الأقليات واحترام حقوق الإنسان.
ففي عام 1961 أصدر الكاتب الإسلامي خالد محمد خالد كتابه "بين يدي عمر" في محاولة منه لتأصيل الديموقراطية في الإسلام, فعرض علينا بأسلوبه الساحر تجربة الخليفة العادل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الحكم والتي دامت لعشر سنوات.
تمثلت حياة عمر ومنهاجه فى تقواه التى استمدها من مراقبته لله فى كل أفعاله، فكان يراقب ربه وكأنه يراه أمام عينيه فى كل فعلة يفعلها.. وتتساقط دموعه أمام كل شربة باردة وكل ثوب جديد ..تلك الدموع التي تركت تحت مقلتيه خطين أسودين من فرط بكائه ويصلصل داخل نفسه هذا النذير : "ماذا تقول لربك غداً يا عمر ؟".
لكن.. كيف قضي تلك السنوات والأشهر الستة والأيام الأربعة التي قضاها خليفة للمسلمين؟
لقد كان يرتجف كعصفور إذا قال له أحد: اتق الله .
وكان يقول - رضي الله عنه - : إذا نمت الليل أضعت نفسي , وإذا نمت النهار ضيعت الرعية"
وكان يسأل كل من يلقاه في لهفه: قل لي بربك ولا تكذبني : كيف تجد عمر ... ؟ أتحسب الله عني راضياً .. ؟ أتراني لم أخن الله ورسوله فيكم ؟؟
لم ينعزل عمر عن شعبه , بل عامل نفسه كأنه أحد أفراد الشعب , وحين أصاب المسلمين أزمة شديدة في اللحم والسمن ؛ أدمن أكل الزيت حتى أن أمعاءه تئن وتقرقر , فيضع كفه على بطنه ويقول : أيها البطن لتمرنن علي الزيت ما دام السمن يباع بالأواقي .
نظافة اليد وعدم التربح
أما اذا تأملنا فى حياة عمر مع أهله وأسرته وجدناه مقدساً للمسئولية, مجلاً لأهله ... ومع ذلك كان لا يحرمهم مما ليس لهم بحق فحسب , بل من حق لهم مشروع خوفاً عليهم !
ويحُملهم من المسؤوليات أضعاف ما يحمله نظراؤهم من الناس، حتى صار القرب من عمر عبئاً يود أصحابه لو استطاعوا الفرار منه.
يخرج يوماً إلى السوق فيري إبلاً سماناً تمتاز عن بقية الإبل بنموها وامتلائها فيسأل: إبل من هذه؟
قالوا: إبل عبد الله بن عمر ، فينتفض أمير المؤمنين كـأنما رأى قيامته ويقول : عبدالله بن عمر ؟؟ بخ بخ يا بن أمير المؤميين؟
وأرسل في طلبه وأقبل عبدالله يسعي, وحين وقف بين يدي والده قال له: ما هذه الأبل يا عبد الله ؟
فأجاب : إنها إبل هزيلة اشتريتها بمالي وبعثت بها الي المرعي أتاجر فيها
قال عمر في تهكم لاذع: ويقول الناس حين يروُنها ..ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين ..اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين ..وهكذا تسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين.
ثم صاح به: يا عبد الله بن عمر, خذ رأس مالك الذي دفعته في هذه الإبل, واجعل الربح في بيت مال المسلمين.
ويعلق خالد محمد خالد على هذه القصة قائلاً : يا خالق هذا الإنسان , سبحانك !!!
إن عبد الله لم يأت أمراً نكراً , إنما يستثمر ماله الحلال في تجارة حلال , وهو بدينه فوق كل شبهة , ولكن لأنه ابن أمير المؤمنين يحرمه أبوه , مظنة أن تكون بنوته قد هيأت له من الفرص ما لا يتوافر لغيره من الناس.
احترام كرامة الانسان
كان الفاروق عمر يدقق في اختيار الولاة والعمال, ويعد نفسه مسؤولاً عن كل غلطة يرتكبها أحد ولاته علم بها عمر أو لم يعلم.
كانت أولى خطواته في اختيار الولاة استبعاد كل راغب في المنصب طامح إليه, لأن الذي يحمل شهوة الحكم يحمل شهوة التحكم .. ولضمان تحقيق العدل جعل الحاكم تحت رقابة المحكوم , وكان يحقق بنفسه وعلي الفور فى كل شكوي يشكوها مواطن من حاكم.
جاءه يوماً وفد من مصر , وفيه فتي مكروب يقول له : إن محمد بن عمرو بن العاص والي مصر قد أوجعه ضرباً لأنه سابقه فسبقه, فعلا ظهره بالسوط وهو يقول : خذها وأنا ابن الأكرمين..!!
ويرسل أمير المؤمنين يدعو عمرو بن العاص وابنه محمداً , ولندع أنس بن مالك يروي لنا النبأ فيقول : فوالله إنا لجلوس عند عمر -رضي الله عنه - وإذا عمرو بن العاص -رضي الله عنه - يُقبل في إزار ورداء فجعل عمر -رضي الله عنه - يتلفت باحثاً عن ابنه محمد فإذا هو خلف أبيه .. فقال : أين المصري ؟
قال: هأنذا يا أمير المؤمنين.
قال عمر -رضي الله عنه - : خذ الدرة , واضرب بها ابن الأكرمين.
فضربه حتي أثخنه ونحن نشتهي أن يضربه فلم ينزع حتي أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه , وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين.
ثم قال لعمرو بن العاص : يا عمرو , متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟
والتفت إلى المصري : انصرف راشداً , فإن رابك ريب فاكتب إلي.
الشفافية والمحاسبية:
كانت القيامة تقوم إذا سمع عمر -رضي الله عنه - أن درهماً واحداً من الأموال العامة قد اخُتلس أو انُتهب أو أنُفق في ترف أو إسراف, وكان يرتجف وكأن خزائن المال كلها ضاعت وليس درهماً أو بعض درهم ...
فها هو ذا يعدو وراء بعير أفلت من معطنه , ويلقاه علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه - فيسأله : إلى أين يا أمير المؤمنين ؟
فيجيبه : بعير ند - هرب - من إبل الصدقة أطلبه !
فيقول له علي -رضي الله عنه - : لقد أتعبت الذين سيجيئون بعدك ... !
فيجيبة عمر بكلمات متهدجة : والذي بعث محمداً بالحق, لو أن عنزا ذهبت بشاطئ الفرات, لأخُذ بها عمر يوم القيامة ... !
لا يوجد حاكم في تاريخ البشرية رفع من قدر الشوري مثلما رفعها عمر -رضي الله عنه - وقد نالت الديمقراطية من ذلك الرجل بخير فرص التألق والازدهار, لم يحاول عمر -رضي الله عنه - أن يفرض رأيه أو أن يملي مشيئته ولم ينفرد ساعة من نهار بحكم الناس دون أن يشركهم في مسؤولية هذا الحكم.
وكان يحذر من قول الرأي الذي يوافق رأيه قائلاً : لا تقولوا الرأي الذي تظنونه يوافق هواي ، وقولوا الرأي الذي تحسبونه يوافق الحق .
التأسيس للحق في مساءلة الحاكم
يصعد عمر -رضي الله عنه - المنبر يوماً فيقول : يا معشر المسلمين , ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا هكذا ؟
فيشق الصفوف رجل ويقول وهو يلوح بذراعه كأنها حسام ممشوق : إذن نقول بالسيف هكذا .
فيسأله عمر -رضي الله عنه - : إياي تعني بقولك ؟!؟!
فيجيب الرجل : نعم إياك أعني بقولي .
فتضئ الفرحه وجه عمر -رضي الله عنه - ويقول : رحمك الله .. والحمد لله الذي جعل فيكم من يقوم عوجي !!
ويروي التاريخ أن عمر - رضي الله عنه - قال في أول يوم تولي فيه الخلافة : إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني
فقام إليه رجل وقال له : لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد السيف .فلم يأمر عمر العسكر باعتقاله أو تصفيته بل رد
رداً خلده التاريخ حيث قال -رضي الله عنه - : الحمد لله الذي جعل في امة محمد من يقوم عمر بحد السيف .
وهذا المبدأ الذي أرساه عمر -رضي الله عنه - هو أساس الديمقراطيات الحديثة التي تعطي الشعوب الحق في محاسبة حكامها وتقويم اعوجاجهم .
لم يكن هذا الموقف من أمير المؤمنين -رضي الله عنه - استعراضياً , إنما كان ينشد من ورائه الوصول إلى الحق والطمأنينة إلى أنه يحكم أمة من الأسود لا قطيعاً من النعاج.
وذات يوم - وهو جالس مع أخوانه - يخترق الصفوف رجل ثائر ملء قبضته شعر محلوق ولا يكاد يبلغ عمر -رضي الله عنه - حتي يقذف بالشعر في صدره في مرارة واحتجاج ، ويموج الناس بالغضب ويهم به بعضهم فيومي إليهم عمر -رضي الله عنه - ثم يجمع الشعر بيده ويشير للرجل فيجلس وينتظر عمر -رضي الله عنه - حتي يهدأ روعه ثم يقول له :
والآن ما أمرك ؟؟
فيجيب الرجل وقد عادت إليه ثورته : أما والله , لولا النار يا عمر ..!!
فيقول عمر: صدقت والله.. لولا النار..!! ما أمرك يا أخا العرب؟
ويقص الرجل شكوته, وفحواها : أن أبا موسي الأشعري -رضي الله عنه - أنزل به عقوبة لا يستحقها , فجلده وحلق شعر رأسه بالموسى , فجمع الرجل الشعر وجاء به إلي عمر -رضي الله عنه - .
فينظر عمر إلى وجوه أصحابه ويقول : لأن يكون الناس كلهم في قوة هذا أحب إلى من جميع مما أفاء الله علينا.
ثم يكتب لأبي موسى يأمره أن يُمَّكن الرجل من القصاص منه جلداً بجلد وحلقاً بحلق .
هذا هو الفاروق عمر -رضي الله عنه - الذي مشي على أرض الحجاز وتربي في مدرسة النبوة ، فكان عملاقاً في خلقه وشجاعته وإيمانه ، ووضع لنا أساس الحكم الرشيد الذي يغنينا تماماً عن تلمس مثله في الغرب ، وهو العادل الذي قال عنه عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه - : لله در ابن الخطاب أي امرئ كان .. ؟! .
ولكني لم أقصد أن أعيب على الغرب في تطبيقهم للديمقراطية بل أردت أن نسترجعها من ديننا وإسلامنا في عصره الذهبي الذي شهد له نبينا بالخيرية فقال صلى الله عليه وسلم : (( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم .... )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( ... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور .... ))
ولست ضد الغرب في ديمقراطيتهم ؛ ذلك لأن الغرب قاموا بتحقيقها مع شعوبهم ، بينما تجاهلها المسلمون بعداً عن دينهم ، فكال لهم الغرب بالمكيال الآخر المناقض للديمقراطية ، فهم كما هو معلوم يكيلون بمكيالين بسبب بعدنا عن ديننا كما ذكرت ....
فإننا في عصرنا الحاضر نشتاق إلى مثال ديمقراطي نسير علي هديه
وننسى أو نتناسى أن تاريخنا الإسلامي ملئ بأروع الأمثلة في هذا المجال .. فقد أسس الرسول صلى الله عليه وسلم دولة الحق والعدل , وقد نمت تلك " المملكة العظيمة " وانتعشت طوال عهد الخلفاء الراشدين .
وإذا كانت قافلة الحق والعدل قد انحرفت - في هذه الآونة - عن الطريق , فإننا في أشد الاحتياج للعودة إلي "منبع" القافلة لنستلهم منه قيم المساواة وحق الشعوب في اختيار حاكمها ومساءلتهم وإقرار حقوق الأقليات واحترام حقوق الإنسان.
ففي عام 1961 أصدر الكاتب الإسلامي خالد محمد خالد كتابه "بين يدي عمر" في محاولة منه لتأصيل الديموقراطية في الإسلام, فعرض علينا بأسلوبه الساحر تجربة الخليفة العادل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الحكم والتي دامت لعشر سنوات.
تمثلت حياة عمر ومنهاجه فى تقواه التى استمدها من مراقبته لله فى كل أفعاله، فكان يراقب ربه وكأنه يراه أمام عينيه فى كل فعلة يفعلها.. وتتساقط دموعه أمام كل شربة باردة وكل ثوب جديد ..تلك الدموع التي تركت تحت مقلتيه خطين أسودين من فرط بكائه ويصلصل داخل نفسه هذا النذير : "ماذا تقول لربك غداً يا عمر ؟".
لكن.. كيف قضي تلك السنوات والأشهر الستة والأيام الأربعة التي قضاها خليفة للمسلمين؟
لقد كان يرتجف كعصفور إذا قال له أحد: اتق الله .
وكان يقول - رضي الله عنه - : إذا نمت الليل أضعت نفسي , وإذا نمت النهار ضيعت الرعية"
وكان يسأل كل من يلقاه في لهفه: قل لي بربك ولا تكذبني : كيف تجد عمر ... ؟ أتحسب الله عني راضياً .. ؟ أتراني لم أخن الله ورسوله فيكم ؟؟
لم ينعزل عمر عن شعبه , بل عامل نفسه كأنه أحد أفراد الشعب , وحين أصاب المسلمين أزمة شديدة في اللحم والسمن ؛ أدمن أكل الزيت حتى أن أمعاءه تئن وتقرقر , فيضع كفه على بطنه ويقول : أيها البطن لتمرنن علي الزيت ما دام السمن يباع بالأواقي .
نظافة اليد وعدم التربح
أما اذا تأملنا فى حياة عمر مع أهله وأسرته وجدناه مقدساً للمسئولية, مجلاً لأهله ... ومع ذلك كان لا يحرمهم مما ليس لهم بحق فحسب , بل من حق لهم مشروع خوفاً عليهم !
ويحُملهم من المسؤوليات أضعاف ما يحمله نظراؤهم من الناس، حتى صار القرب من عمر عبئاً يود أصحابه لو استطاعوا الفرار منه.
يخرج يوماً إلى السوق فيري إبلاً سماناً تمتاز عن بقية الإبل بنموها وامتلائها فيسأل: إبل من هذه؟
قالوا: إبل عبد الله بن عمر ، فينتفض أمير المؤمنين كـأنما رأى قيامته ويقول : عبدالله بن عمر ؟؟ بخ بخ يا بن أمير المؤميين؟
وأرسل في طلبه وأقبل عبدالله يسعي, وحين وقف بين يدي والده قال له: ما هذه الأبل يا عبد الله ؟
فأجاب : إنها إبل هزيلة اشتريتها بمالي وبعثت بها الي المرعي أتاجر فيها
قال عمر في تهكم لاذع: ويقول الناس حين يروُنها ..ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين ..اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين ..وهكذا تسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين.
ثم صاح به: يا عبد الله بن عمر, خذ رأس مالك الذي دفعته في هذه الإبل, واجعل الربح في بيت مال المسلمين.
ويعلق خالد محمد خالد على هذه القصة قائلاً : يا خالق هذا الإنسان , سبحانك !!!
إن عبد الله لم يأت أمراً نكراً , إنما يستثمر ماله الحلال في تجارة حلال , وهو بدينه فوق كل شبهة , ولكن لأنه ابن أمير المؤمنين يحرمه أبوه , مظنة أن تكون بنوته قد هيأت له من الفرص ما لا يتوافر لغيره من الناس.
احترام كرامة الانسان
كان الفاروق عمر يدقق في اختيار الولاة والعمال, ويعد نفسه مسؤولاً عن كل غلطة يرتكبها أحد ولاته علم بها عمر أو لم يعلم.
كانت أولى خطواته في اختيار الولاة استبعاد كل راغب في المنصب طامح إليه, لأن الذي يحمل شهوة الحكم يحمل شهوة التحكم .. ولضمان تحقيق العدل جعل الحاكم تحت رقابة المحكوم , وكان يحقق بنفسه وعلي الفور فى كل شكوي يشكوها مواطن من حاكم.
جاءه يوماً وفد من مصر , وفيه فتي مكروب يقول له : إن محمد بن عمرو بن العاص والي مصر قد أوجعه ضرباً لأنه سابقه فسبقه, فعلا ظهره بالسوط وهو يقول : خذها وأنا ابن الأكرمين..!!
ويرسل أمير المؤمنين يدعو عمرو بن العاص وابنه محمداً , ولندع أنس بن مالك يروي لنا النبأ فيقول : فوالله إنا لجلوس عند عمر -رضي الله عنه - وإذا عمرو بن العاص -رضي الله عنه - يُقبل في إزار ورداء فجعل عمر -رضي الله عنه - يتلفت باحثاً عن ابنه محمد فإذا هو خلف أبيه .. فقال : أين المصري ؟
قال: هأنذا يا أمير المؤمنين.
قال عمر -رضي الله عنه - : خذ الدرة , واضرب بها ابن الأكرمين.
فضربه حتي أثخنه ونحن نشتهي أن يضربه فلم ينزع حتي أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه , وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين.
ثم قال لعمرو بن العاص : يا عمرو , متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟
والتفت إلى المصري : انصرف راشداً , فإن رابك ريب فاكتب إلي.
الشفافية والمحاسبية:
كانت القيامة تقوم إذا سمع عمر -رضي الله عنه - أن درهماً واحداً من الأموال العامة قد اخُتلس أو انُتهب أو أنُفق في ترف أو إسراف, وكان يرتجف وكأن خزائن المال كلها ضاعت وليس درهماً أو بعض درهم ...
فها هو ذا يعدو وراء بعير أفلت من معطنه , ويلقاه علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه - فيسأله : إلى أين يا أمير المؤمنين ؟
فيجيبه : بعير ند - هرب - من إبل الصدقة أطلبه !
فيقول له علي -رضي الله عنه - : لقد أتعبت الذين سيجيئون بعدك ... !
فيجيبة عمر بكلمات متهدجة : والذي بعث محمداً بالحق, لو أن عنزا ذهبت بشاطئ الفرات, لأخُذ بها عمر يوم القيامة ... !
لا يوجد حاكم في تاريخ البشرية رفع من قدر الشوري مثلما رفعها عمر -رضي الله عنه - وقد نالت الديمقراطية من ذلك الرجل بخير فرص التألق والازدهار, لم يحاول عمر -رضي الله عنه - أن يفرض رأيه أو أن يملي مشيئته ولم ينفرد ساعة من نهار بحكم الناس دون أن يشركهم في مسؤولية هذا الحكم.
وكان يحذر من قول الرأي الذي يوافق رأيه قائلاً : لا تقولوا الرأي الذي تظنونه يوافق هواي ، وقولوا الرأي الذي تحسبونه يوافق الحق .
التأسيس للحق في مساءلة الحاكم
يصعد عمر -رضي الله عنه - المنبر يوماً فيقول : يا معشر المسلمين , ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا هكذا ؟
فيشق الصفوف رجل ويقول وهو يلوح بذراعه كأنها حسام ممشوق : إذن نقول بالسيف هكذا .
فيسأله عمر -رضي الله عنه - : إياي تعني بقولك ؟!؟!
فيجيب الرجل : نعم إياك أعني بقولي .
فتضئ الفرحه وجه عمر -رضي الله عنه - ويقول : رحمك الله .. والحمد لله الذي جعل فيكم من يقوم عوجي !!
ويروي التاريخ أن عمر - رضي الله عنه - قال في أول يوم تولي فيه الخلافة : إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني
فقام إليه رجل وقال له : لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد السيف .فلم يأمر عمر العسكر باعتقاله أو تصفيته بل رد
رداً خلده التاريخ حيث قال -رضي الله عنه - : الحمد لله الذي جعل في امة محمد من يقوم عمر بحد السيف .
وهذا المبدأ الذي أرساه عمر -رضي الله عنه - هو أساس الديمقراطيات الحديثة التي تعطي الشعوب الحق في محاسبة حكامها وتقويم اعوجاجهم .
لم يكن هذا الموقف من أمير المؤمنين -رضي الله عنه - استعراضياً , إنما كان ينشد من ورائه الوصول إلى الحق والطمأنينة إلى أنه يحكم أمة من الأسود لا قطيعاً من النعاج.
وذات يوم - وهو جالس مع أخوانه - يخترق الصفوف رجل ثائر ملء قبضته شعر محلوق ولا يكاد يبلغ عمر -رضي الله عنه - حتي يقذف بالشعر في صدره في مرارة واحتجاج ، ويموج الناس بالغضب ويهم به بعضهم فيومي إليهم عمر -رضي الله عنه - ثم يجمع الشعر بيده ويشير للرجل فيجلس وينتظر عمر -رضي الله عنه - حتي يهدأ روعه ثم يقول له :
والآن ما أمرك ؟؟
فيجيب الرجل وقد عادت إليه ثورته : أما والله , لولا النار يا عمر ..!!
فيقول عمر: صدقت والله.. لولا النار..!! ما أمرك يا أخا العرب؟
ويقص الرجل شكوته, وفحواها : أن أبا موسي الأشعري -رضي الله عنه - أنزل به عقوبة لا يستحقها , فجلده وحلق شعر رأسه بالموسى , فجمع الرجل الشعر وجاء به إلي عمر -رضي الله عنه - .
فينظر عمر إلى وجوه أصحابه ويقول : لأن يكون الناس كلهم في قوة هذا أحب إلى من جميع مما أفاء الله علينا.
ثم يكتب لأبي موسى يأمره أن يُمَّكن الرجل من القصاص منه جلداً بجلد وحلقاً بحلق .
هذا هو الفاروق عمر -رضي الله عنه - الذي مشي على أرض الحجاز وتربي في مدرسة النبوة ، فكان عملاقاً في خلقه وشجاعته وإيمانه ، ووضع لنا أساس الحكم الرشيد الذي يغنينا تماماً عن تلمس مثله في الغرب ، وهو العادل الذي قال عنه عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه - : لله در ابن الخطاب أي امرئ كان .. ؟! .
الجمعة أبريل 28, 2023 12:51 pm من طرف ALASFOOR
» اقتراحات ونقاشات
الخميس أغسطس 06, 2015 12:58 am من طرف Ranin habra
» أسئلة امتحانات للسنوات 2012 وما بعد
الخميس يوليو 30, 2015 2:17 pm من طرف محمد أحمد الحاج قاسم
» أسئلة سنوات سابقة
الجمعة يوليو 03, 2015 6:20 pm من طرف مهاجرة سورية
» النظم السياسية
الأربعاء يونيو 24, 2015 5:33 pm من طرف مهاجرة سورية
» اسئلة الدورات
الأربعاء مايو 27, 2015 7:17 pm من طرف بلقيس
» السؤال عن برنامج الامتحانات لسنة 2015
الثلاثاء مايو 19, 2015 3:41 am من طرف Abu anas
» يتبع موضوع المسلمون بين تغيير المنكر وبين الصراع على السلطة
الإثنين مايو 04, 2015 5:01 pm من طرف حسن
» المسلمون بين تغيير المنكر والصراع على السلطة
الأحد مايو 03, 2015 1:42 pm من طرف حسن
» ما هو المطلوب و المقرر للغة العربية 2
الثلاثاء أبريل 21, 2015 7:47 am من طرف أم البراء
» طلب عاجل : مذكرة الاسلام والغرب ( نحن خارج سوريا)
السبت مارس 14, 2015 3:50 pm من طرف feras odah
» مساعدة بالمكتبة الاسلامية
الخميس فبراير 26, 2015 2:32 pm من طرف ام الحسن
» هنا تجدون أسئلة الدورات السابقة لمادة الجهاد الإسلامي
الجمعة فبراير 20, 2015 8:55 pm من طرف راما جديد
» للسنة الثالثه __اصول الفقه الأسلامي3 )) رقم 2
الخميس فبراير 12, 2015 1:16 am من طرف Amir Antap
» محركات مواقع البحث عن الكتب والرسائل الجامعية
الأحد فبراير 08, 2015 11:20 pm من طرف Amir Antap